وقال جابر بن عبدالله: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول يوم الحديبية، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب: ((هذا إمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه؛ أفاده في دلائل السبل، وتفريج الكروب.
[قصة مبارزة علي لفاتك العرب يوم الصوح وما تضمنت]
ولما أقبل فاتك العرب، أسد بن غويلم، يوم الصوح، يرتجز؛ ثم سأل البراز فأحجم الناس؛ قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من خرج إلى هذا المشرك فقتله، فله على اللَّه ـ عز وجل ـ الجنة، وله الإمامة بعدي)).
فلم يبرز له أحد، فقام علي بن أبي طالب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((نحن بنو هاشم، جود مجد، لا نجبن ولا نغدر، وأنا وعلي من شجرة، لاتختلف ورقها؛ أخرج إليه ولك الإمامة بعدي)).
فخرج علي بن أبي طالب نحوه، وأتبعه الناس أبصارهم، فضربه ضربة قسمته نصفين بالسوية، ووصل السيف إلى السرج، وهز علي سيفه، وحمل على المشركين، فانهزموا، وآب راجعاً وهو يقول:
ضربته بالسيف وسط الهامه
إلى قوله:
أنا عليّ صاحب الصمصامهْ .... وصاحب الحوض لدى القيامهْ
أخو نبي اللَّه ذي العلامهْ .... قد قال إذ عممني العمامهْ
أنتَ أخي ومعدن الكرامهْ .... ومن له من بعدي الإمامهْ
روى هذا الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي، قال: مشهور عند أصحاب الحديث.
ورواه الناصر للحق (ع) وساقه بسند اختصرت منه المذكور.
ورواه حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم من كتاب الناصر للحق (ع)، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم أيضاً، عن أبي رافع.
أفاده السيد الإمام، أحمد بن محمد الشرفي (ع)، في شرح الأساس؛ وهو مروي في كثير من مؤلفات علمائنا /141(1/141)


ـ رضي الله عنهم ـ.
نعم، في نسخة الشافي، الحاضرة حال التحرير: ((نحن بنو هاشم جود)) إلخ برفع بنو؛ والوارد في مثل هذا النصب، على الاختصاص، كما لايخفى؛ والخبر مابعده، ولكن مع ثبوت الرواية، يكون خبراً على جهة التوطئة لما بعده، الذي هو محط الفائدة.
وكذا في المنقول عنه، ثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة، في قوله: ((وبما أكرم اللَّه به أخي، وإمام أمتي)) وهو وارد، وإن كان الأكثر حذفها.
وكذا في الذي قبله: ((لقد سماه اللَّه باسمٍ ما سمى به أحد قبله)) بحذف الألف من أحد المنصوب؛ وهو لغة ربيعة، ويحتمل أن يكون الفعل مغير الصيغة، فيرتفع أحد بالنيابة، والأمر في مثل هذا واضح.
وإنما نبهت؛ لئلا يسارع المطلع بالتصحيح، على غير بصيرة.
هذا، وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده)) أخرجه الحاكم الحسكاني، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ: أشهد أني سمعت رسول اللَّه، وهو يقول: ((علي إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والأمير من بعدي)) رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
[حديث: تسمية الله لعلي بالصديق ـ وفضل الشيعة]
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قال لي ربي ليلة أُسري بي: من خلّفت على أمتك يامحمد؟
قال: قلت: أنت أعلم يارب.
قال: يامحمد إني انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، فأنت نبيي، وخيرتي من خلقي؛ ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، الطاهرين المطهرين، سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين؛ أنت شجرة وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها؛ خلقتكم من طينة عليين)) بضمير الجمع في المجموع.
وفي الشافي، والمنهاج للإمام محمد بن المطهر (ع): ((خلقتهما)) فالضمير للحسن والحسين.
وفي بعضها: ((خلقتها)) فهو لفاطمة أو للشجرة.
تمام الخبر: ((وخلقت شيعتكم منكم؛ إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف، لم يزدادوا لكم إلا حباً.
فقلت: يارب، ومن الصديق الأكبر؟. /142(1/142)


قال: أخوك علي بن أبي طالب)).
قال: بشرني بها رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابناي الحسن والحسين منها؛ وذلك قبل الهجرة بثلاثة أحوال.
قلت: والرواية وابناي بالألف فيكون مبتدأ، والحسن والحسين، عطف بيان، ومنها، الخبر، والجملة حالية، أو الخبر محذوف، أي: بشرني بهما، أو نحو ذلك؛ ويحتمل غير هذا، إلا أنه أقرب.
نعم؛ روى هذا الخبرَ الشريفَ الإمامُ الأعظم، زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ في مجموعه.
ورواه من طريقه أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، منهم: الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في شافيه.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، بسنده إلى الحارث؛ وعلى فصوله شواهد لاتحصى، ونظائر لاتستقصى.
نعم؛ واعلم أن النص بلفظ ((الخليفة)) و((الوصي)) و((الوزير)) و((الحق معه)) ونحوها لا يسعها المقام، وقد بسط فيها الإمام الحجة المنصور بالله في الشافي؛ والإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد؛ والإمام الشهير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير؛ والسيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع) في شرح الغاية؛ والمولى العلامة الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ في التخريج، وصاحب التفريج، وصاحب دلائل السبل المتقدم ذكرهما؛ وغيرهم، مافيه بغية الرائد، وضالة الناشد.
وقد اجتمع هنا ـ بحمد اللَّه ومنّه ـ في المقامات الجامعة المهمة، على وجه الاستكمال والاختصار، ماتفرق في الأسفار، ولا يوقف عليه مجموعاً في شيء من المؤلفات الكبار؛ فأما الانتهاء إلى غاية في هذا الباب، أو الوقوف على نهاية من ذلك الخطاب، فمما لا يدخل في حساب، ودونه نزح العباب.
يفنى الكلام ولايحيط بوصفه .... أيحيط مايفنى بما لاينفد؟!
واعلم أنا ندين اللَّه تعالى بما دانت به جماعة العترة الأحمدية، والصفوة /143(1/143)


العلوية، ومن اهتدى بهداهم من علماء الأمة المحمدية، أن إمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخا سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ الإمام، وخليفة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على الخاص والعام، وحجة اللَّه بعد نبيه على جميع الأنام، وأنه منزل منزلته إلا النبوة، كما نطق به ـ صلوات الله عليه وآله ـ عن اللَّه تعالى في جميع الأحكام؛ فقوله ـ صلوات الله عليه ـ حجة، ومنهجه في كل شيء أعظم محجة.
[الكلام في: حجية قول أمير المؤمنين (ع) في الأصول، والفروع]
أما في الأصول، فلا خلاف بين آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأتباعهم في ذلك؛ لمكان ماجعل اللَّه تعالى له من العصمة، وكون الحق فيها واحداً، كما قضت به الأدلة السابقة المعلومة.
وأما في فروع الأحكام، فكذلك عند جمهور أهل البيت وأتباعهم؛ لما سبق من الحجج المنيرة، المتواترة الشهيرة، وغيرها من الكتاب والسنة.
وقد جمع في ذلك المقام، السيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع)، ماكثر وطاب، وأفعم الوطاب، وفيه كفاية لأولي الألباب؛ ولم تفصل البراهين القاضية بكون الحق معه وكونه على الحق، وما شاكلها، بين أصول وفروع، ولا بين معقول ومسموع.
فإن قيل: إن الحق في الاجتهادات متعدد، كما قد احتج بذلك بعضهم.
قيل: هذا على فرض صحته؛ إنما هو فيما لم تبلغ المجتهد فيه الحجة؛ ومع قيام الأدلة على حجية قوله، تجب متابعته، ولاتسوغ مخالفته، كقول أخيه الرسول الأمين، وقول جماعة العترة الهادين، ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.
فإن قيل: فيلزم أن يكون أعظم حالاً من الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؛ لتجويز الخطأ عليه دونه.
قيل: عن هذا جوابان، إلزامي وتحقيقي:
أما الأول: فهو لازم لكم في قول جماعة العترة والأمة، فإن الجميع لايجيزون عليهم الخطأ، فما أجبتم به فهو الجواب.
وأما الثاني: وهو الحل، فهو أن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وإن جاز عليه ذلك فلا يُقَرّ عليه، فهو مُؤَيّد بالوحي، مُسَدّد بالعصمة، /144(1/144)


لايمضمي على شيء من الخطأ، إن وقع، فعند التحقيق لايجوز عليه الخطأ على الإطلاق؛ لأن مالا يستقر ـ وإنما يصدر لحكمة البيان ولايثبت ـ لا اعتبار به.
وأما غيره ممن قامت الحجة على أنه حجة، فلو فرض الخطأ، لدام، ولا يجوز على الحكيم أن يأمر باتباع الخطأ من الأحكام، وفي هذا أوضح بيان لذوي الأفهام.
فإن قيل: إنها تروى عنه ـ صلوات الله عليه ـ الروايات المتعارضة، وفي بعضها التصريح برجوعه عن القول الأول.
قيل: على فرض صحة ذلك، نقول: كان الحكم مؤقتاً لديه، بإعلام من الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمد معلوم، وليس هذا من النسخ؛ وأيضاً لامانع منه، بل يكون هذا مع صحته دليلاً عليه، وهو أقوى برهان.
فإن قيل: لو كان كذلك، لما خالفه الصحابة، ولأنكر عليهم المخالفة.
قيل له: أما المخالفة فلا تنكر، وليست بدليل، مالم يكن إجماعاً.
[مخالفة بعض الصحابة للرسول (ص) حينما أراد أن يكتب لهم العهد الأخير]
كيف وقد خولف الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مراراً؟ أشهرها ماجرى من خلاف يوم الخميس، الذي أشار إليه الإمام يحيى شرف الدين (ع)، في قوله:
وفي الخميس وما يوم الخميس به .... كل الرزية قال البحر هي هي هي
عنى بالبحر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
قال الشارح: هذا إشارة إلى الحديث، الذي أخرجه البخاري، ومسلم، عن ابن عباس قال: لما حُضِرَ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده)).
قال عمر ـ وفي رواية: قال بعضهم ـ: رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله.
قلت: سبحان اللَّه، ومن جآءهم بكتاب اللَّه؟! وأي وثوق به، إن لم يكن معصوماً فيما طريقه التبليغ على كل حال؟!.
كلا، ولكن فَهِمَ عمرُ مراد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من التأكيد في خلافة أخيه؛ كما صرح به عمر في رواية ذكرها في /145(1/145)

32 / 135
ع
En
A+
A-