وكذا قال ابن مسعود لما أُخْرِجَ من المسجد: أنشدكم الله، أن تخرجوني من مسجد خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
روى ذلك الواقدي. انتهى شرح نهج.
وقال أبو ذر: قال خليلي رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((إذا غضبتَ فاقعد)).
أخرجه أبو طالب.
فكيف يقول: لو كنت متخذاً خليلاً...إلخ؟!.
قلت: والأخبار في هذا كثيرة واسعة.
ولا يقال: إن هذه الأخبار تفيد أنهم اتخذوه، وخبره يفيد أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذهم؛ لأنا نقول: لو كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذ خليلاً منهم، ماجاز أن يتخذوه؛ لأنه لايكون خليلاً إلا من الطرفين، كالصاحب ونحوه، كما هو معلوم.
وأيضاً فقد ورد بلفظ الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كما في خبر: ((إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب)).
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بطريقه عن سلمان، وأخرجه الحاكم أبو القاسم بطريقه عن أنس.
[الكلام في الصحاح وفي الزهري]
قال ـ أيده الله ـ: وبهذا يتبين لك أن تسميتهم لكتبهم بالصحاح، إنما هو اصطلاح؛ ولقد أحسن أبو زرعة حيث قال لمسلم: تُسميه صحيحاً، وتجعله سلماً لأهل البدع.
وكذا ترى القوم لايلتفتون إلى ماخالف الصحاح ولم يكن فيها وإن تواتر؛ بل لو خالف مافيها القرآن وقضية العقل، خذلاناً صُبّ عليهم؛ لما مالوا عن الثقل الأصغر، دعوةٌ قد أُجيبت ((واخذل من خذله)).
ولاشك أن من عمد إلى الغض من علي، وإبطال مناقبه، تارة بنسبة رواتها إلى الوضع والقدح فيهم، وتارة بمعارضتها بروايات أعدائه المنافقين، بالنص المعلوم، فقد خذله، ونرجوا الله أنا ممن شملته دعوة محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((وانصر من نصره)).
وأما رواية الطبري في التاريخ أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((انظروا هذه الأبواب الشارعة اللافظة إلى المسجد فسدوها إلا ماكان من بيت أبي بكر)) /126(1/126)


إلخ، فهي من طريقة الزهري، ويأتي بعض مافيه من المطاعن.
قلت: أما كونه من أعوان الظلمة فمما لاخلاف فيه، وكتاب أبي حازم الأعرج إليه، الذي ذكره في الكشاف مشهور، وقد قدح فيه نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ القاسم بن إبراهيم.
قال (ع) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المائدة:33]..الآية مانصه: وليس ما في أيدي هذه العامة، في تفسير هذه الآية المحكمة عن ابن شهاب الزهري وأضرابه، ولا من كان من لفيفه وأصحابه، الذين كانوا لايعدلون بطاعة بني أمية، وما أشركوهم فيه من دنياهم الدنية، فلم ينالوا مع ماسلم لهم منها، ما حاطوا به ودفعوا به عنها، من تلبيس لتنزيل، أو تحريف لتأويل؛ وابن شهاب لمكان كثرة وفادته إليهم معروف..إلى آخر كلامه.
انتهى من تفسير آل محمد (ع).
[الكلام في رواة صلاة أبي بكر بالناس]
[الكلام على: الزهري ـ أبي موسى ـ سالم ـ ابن زمعة]
وقال الإمام (ع) في الشافي، رداً على فقيه الخارقة: فكيف تجعل سالم بن عبيد، وابن شهاب وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبدالملك، الجبار العنيد، وأبا بردة بن أبي موسى، أتعجب من الولد أو الوالد؟!.
إلى قوله (ع): وكذلك سائر من أضاف إليه أخبار صلاة أبي بكر، من الزهري، وأبي موسى، وسالم، وعبدالله بن زمعة بن الأسود.
أما أبو موسى فكان علي (ع) يقنت بلعنه فيمن يلعن؛ ولعنته من لعنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وابن شهاب مائل إلى الدنيا، أعان الظلمة من بني أمية على ملكهم بعلمه، وأصاب من دنياهم نصيباً وافراً.
وأما ابن زمعة وابن عبيد، فلا يساويان عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع).
وكلامه (ع) في شأن الأمر لأبي بكر بالصلاة؛ فإنه روى الإمام عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ما أمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي بالناس.
وروى /127(1/127)


عن الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، أن الآمر لأبي بكر عائشة، وأن جبريل (ع) أمره بالخروج ليصلي بهم، ونبه على مايقع من الفتنة إن صلى أبو بكر؛ وخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يمشي بين علي والفضل...إلخ كلامه (ع).
فانظر إلى جرح الأئمة الهداة، سفن النجاة، للزهري، وعليه المدار الأكبر، في روايات صحاح القوم.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: وقد عدّ الزهري، وعروة، ابنُ أبي الحديد في رواية أبي جعفر الإسكافي من المنحرفين.
وروي أن علي بن الحسين (ع) دخل عليهما، وقد نالا من علي فجبههما وأغلظ لهما؛ فراجعه في شرح النهج.
قال في الإقبال: روي عن أبي جعفر أن الزهري قال لعلي بن الحسين (ع): كان معاوية يسكته الحلم، وينطقه العلم.
فقال: كذبت يازهري، بل كان يسكته الحصر، وينطقه البطر، وأي حلم مع من سفه الحق، ورد الشرع، وحمل الأدعياء على بناته، وأظهرهم على أخواته.
وكذلك صرح القاسم بن إبراهيم (ع)، بجرحه.
وحكى الذهبي أنه قال: نشأت وأنا غلام، فاتصلت بعبد الملك بن مروان، ثم توفي عبد الملك، فلزمت ولده الوليد، ثم سليمان، ثم عبدالعزيز، ثم لزمت هشام بن عبدالملك.
إلى قوله: وحكى الذهبي في ترجمة خارجة قال: قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني أمية؛ وذكر أن بين يديه آلات اللهو.
إلى قوله: فقلت: قبح الله ذا من عالم؛ فلم أسمع منه.
وفي علوم الحديث للحاكم، أنه قيل ليحيى بن معين: الأعمش خير أم الزهري؟
فقال: برئت منه إن كان مثل الزهري؛ إنه كان يعمل لبني أمية. انتهى.
قال: ومثل مافي الإقبال في المقصد الحسن لابن حابس ـ رحمه الله تعالى ـ.
انتهى المراد.
وهذا جرح حفاظ أهل الخلاف، فأي شبهة تبقى لذي لب وإنصاف، /128(1/128)


وبمثل هذا تعلم صحة أن بين صحاحهم والصحة مراحل، إن لم تكن من ذوي الزيغ والانحراف.
ونعود إلى تمام الكلام في سد الأبواب، وإلى الله تعالى المرجع والمآب.
قال أيده الله : وأما روايته -أي الطبري- بسنده إلى بعض آل أبي سعيد بن المعلا أن رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم قال يومئذ في كلامه هذا: ((فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً؛ ولكن صحبة وإخاء إيمان إلخ)) فالبعض مجهول والظاهر إرساله.
ومع أنه يعارض حديث البخاري عن ابن عباس من قوله: ((ولكن خلة الإسلام أفضل))، ولعل الراوي لما لاح له أنه لامعنى لتفضيل خلة الإسلام، على خلة الله سبحانه، في حديث البخاري، ولا وجه يصحح ذلك، عدل عنها إلى أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ولكن صحبة وإخاء إيمان))، مع أن هذه الصفة قد شارك أبا بكر فيها بقية الصحابة؛ وأين يقع ممن هو أخوه في الدنيا والآخرة، ومنه، وعديل نفسه، بل نظيره؟
ومن رواية أبي بكر: منزلة علي منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كمنزلته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ربه.
أخرجه ابن السمان عن أبي بكر، وابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
إلى قوله: نعم، في رجال سند الطبري أحمد بن عبد الرحمن؛ قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه.
إلى قوله: وقال ابن يونس لا تقوم به حجة.
انتهى المراد من التخريج.
[تمام مقامات حديث المنزلة]
العاشر:
حال ولادة الحسنين (ع).
قال جبريل (ع)، للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامحمد، العلي الأعلى يُقرئك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولانبي بعدك، فسم ابنك هذا ـ يعني الحسن السبط ـ باسم ابن هارون)) الخبر.
ومثله في الحسين (ع)، إلا أنه لما وضعه في حجره بكى وقال: ((تقتله الفئة الباغية من بعدي، لاأنالهم الله شفاعتي)).
أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه، عن علي بن الحسين سيد العابدين (ع)، عن أسماء بنت عميس ـ رضي الله عنها ـ.
وقال صلى الله عليه /129(1/129)


وآله وسلم: ((إني سميتهما ـ يعني الحسن، والحسين ـ باسم ولدي هارون))، أخرجه الإمام أبو طالب عن علي (ع).
وأخرج ابن المغازلي نحوه عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه شَبِير وشُبَّر ومشَبِّر)).
أخرجه أحمد بن حنبل والدارقطني في الأفراد، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي، وابن عساكر عن علي (ع)، والبغوي، والطبراني أيضاً في الكبير عن سلمان. انتهى من تفريج الكروب.
وزاد في التخريج، الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن حبان، والدولابي عن علي (ع).
قال ـ أيده الله ـ: وهذا فرع كون علي بمنزلة هارون من موسى في جميع منازله، إلا النبوة؛ فتأمل. انتهى.
الحادي عشر:
لما تحوّل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى بيت أم سلمة عقيب تزوجه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بزينب ـ رضي الله عنهما ـ.
روى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة، يبلغ به ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ تزوج زينب بنت جحش؛ ثم تحوّل إلى بيت أم سلمة، فلما تعالى النهار انتهى علي إلى الباب، فدقه دقاً خفيفاً، عرف رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - دقه؛ فقال: ((يا أم سلمة، قومي فافتحي له الباب؛ فإن بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا بالنزق، ولا بالعجل في أمره، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله)).
فقامت ففتحت؛ فدخل علي (ع)؛ فقال: ((يا أم سلمة، هو علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي؛ يا أم سلمة، اسمعي واشهدي؛ علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وباب الدين، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة في الأحياء من أمتي، أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى؛ اشهدي يا أم سلمة، أنه قاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين)) انتهى. /130(1/130)

29 / 135
ع
En
A+
A-