الإمام محمد بن عبدالله الوزير، والحمد لله تعالى.
قلت: وكلام ابن حجر قد وقفت عليه في فتحه، والله الموفق.
قال في تفريج الكروب: وقال الحافظ ابن حجر: قصة علي في سد الأبواب: وأما سد الخُوَخ فالمراد به طاقات كانت في المسجد، يستقربون منها؛ فأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في مرض موته بسدها، إلا خوخة أبي بكر.
وقال فيما تقدم: قد ألّف الأسيوطي كتاباً فيما ورد من سد الأبواب إلا باب علي، وما ورد في الخوخة لأبي بكر، وسماه (سدُّ الأبواب في سدِّ الأبواب).
إلى قول الأسيوطي: كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله.
وعبارة الكلاباذي: لاتَعارُضَ بين قصة علي، وقصة أبي بكر.
إلى قوله: وأبقيت خوخة أبي بكر فقط.
وأما باب علي، فكان داخل المسجد، يخرج منه ويدخل منه.
إلى قول صاحب التفريج: ثم قال ـ أي السيوطي ـ: قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة؛ بل المتواترة، أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منع من فتح باب شارع إلى المسجد، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمه العباس، ولا لأبي بكر، إلا لعلي (ع)؛ لمكان ابنته، ومن فتح خوخة صغيرة، أوطاقة أو كوة، ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمر، إلا لأبي بكر.
قال في تفريج الكروب: هذا تعليل السيوطي، في أمر لا علة له، إلا أمر الله بنص الحديث، وفي ذلك الحديث المصدَّر من قول الراوي في عثمان وعنده رقية ما يفيد أنه لم يعتبر ذلك. انتهى.
قلت: وقد صرح الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن ذلك لكونه منه بمنزلة هارون من موسى (ع)، ولكنهم يأبون إلا مدافعة البراهين بكل وسيلة.
وقد أيد الله الحق، وأخرج الصدق، على ألسنتهم، والحمد لله رب العالمين.
وقال في تفريج الكروب: قال السيوطي: فأقول: قد ثبت في الأحاديث السابقة، وقرر العلماء، أن أبا بكر لم يؤذن له في فتح الباب؛ بل أمر بسد بابه؛ /121(1/121)
وإنما أذن له في خوخة صغيرة وهي المراد في حديث البخاري.
انتهى المراد.
قال المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في التخريج: وروى حديث سد الأبواب إلا باب علي، ابن المغازلي عن حذيفة بن أسيد، وعن سعد من طريقين، وعن البراء بن عازب، وعن ابن عباس من طريقين، وعن ابن عمر.
وقد مرّ إخراج أبي طالب له عن أبي ذر، وكذا رواية الصفار، عن جابر وعن ابن عمر، وكذا عن أسماء بنت أبي عميس: ((إن مسجدي حرام)) إلخ.
وأخرجه البيهقي عنها، وأخرج عنها، وابن عساكر: ((لايحل مسجدي)) إلخ.
وأخرج ابن المغازلي خبر سد الأبواب إلا باب علي، عن جعفر بن محمد؛ مع أن الإمام قد ذكر هنا في الكتاب ((لكن)) تأكيداً، كذا رواه ابن المغازلي والخوارزمي من حديث المناشدة، بإسنادهما إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة عن علي.
وكذا رواه المؤيد بالله (ع) من حديث المناشدة.
إلى قوله: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس عن علي، في مجادلته للصحابة.
قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف: حديث أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يأذن لأحد أن يلمس في المسجد أو يمر فيه جنباً إلا لعلي؛ لأن بيته كان في المسجد.
ثم ساق الروايات.
إلى قوله: انتهى كلام ابن حجر.
قال ـ أيده الله ـ: نعم، وقوله: لأن بيت علي كان في المسجد، تعليل من ابن حجر.
إلى قوله: فإنه قد صحّ أن العباس والحمزة وغيرهما تكلموا في إسكان علي وإخراجهم؛ فأجاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن الله هو الذي أسكنه وأخرجهم.
وكذا علل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك بأن موسى أمر ببناء مسجد لايسكنه إلا هارون وذريته، وأمر ببناء مسجد لايسكنه إلا علي وذريته؛ وأن علياً مني بمنزلة هارون من موسى.
ولم يقل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: إنما أسكنت علياً؛ لأن بيته كان في المسجد.
وقد مرّ من الأحاديث، ما يضطر كل منصف إلى أن تعليل ابن حجر وغيره من المائلين، لا أصل له، وأنها خصيصة ومزية من الله لعلي (ع)، على كل الصحابة؛ لكن العداوة لآل محمد، /122(1/122)
ألجأت بعض الخصوم إلى القدح في المعلوم من هذه المزية، مثل: ابن الجوزي، والجوزجاني؛ وبعضهم إلى وضع الحديث في أبي بكر.
إلى قوله: كما قال ابن أبي الحديد، من وضع البكرية، وبعضهم وضع له حديثاً يثبت له خوخة، كل هذا كأنه امتثال لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23]، وحَذَرٌ من قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في عترته: ((ولاتخالفوهم فتضلوا)) وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لا نالت شفاعتي من لم يخلفني في عترتي)).
ثم ساق الأخبار والآثار.
إلى قوله: والعجب أن البخاري مرة بوّب للخوخة، ومرة بوّب للباب ثم قال في ترجمة الباب: قاله ابن عباس.
وليس عن ابن عباس إلا الخوخة، وهذا منه تدليس أو غفلة.
[الطعن في رجال ما أورده الخصم: في فليح المدني]
ثم تكلم على رواية البخاري، ناقلاً لذلك عن مناقب خير الأوصياء، للمولى العلامة، فخر العترة، عبدالله بن الإمام الهادي ـ رحمه الله تعالى ـ فقال ـ أيده الله تعالى ـ: ثم إن في سند حديث أبي سعيد الأول، فُلَيح بن سليمان المدني، ضعفه النسائي وأبو حاتم، وروي عن يحيى بن معين أنه ضعيف، وروي: ليس بثقة، وروي عنه: لايحتج به.
وروي عن مظفر بن مدرك أنه كان يحذر منه، ويأمر باتقائه.
وقال أبو داود: لا يحتج به.
ووهمه الساجي، وذكر الدارقطني الاختلاف عليه.
إلى قوله: ثم قد روي عن الإمام القاسم بن محمد (ع)، أن فليحاً أحد من اعتمد عليه البخاري، ممن يتجارى على الله بالكذب وعلى رسوله، ويعلن ببغاضة أمير المؤمنين.
[الطعن في وهب بن جرير]
وأما حديث ابن عباس، ففيه وهب بن جرير، حدث عن شعبة.
قال أحمد وابن مهدي: ماكنا نراه عند شعبة.
وهما إمامان عظيم شأنهما عند أهل الحديث فلا يقول مثلهما ذلك، إلا لعلمهما بعدم لقائه له.
إلى قوله: وقال يحيى: هو ضعيف /123(1/123)
في قتادة؛ وكذا قال غيره.
وقال البخاري: ربما يهم وهب بن جرير في الشيء، ثم اختلط في آخر عمره.
قال: وحديث وهب هذا عن أبيه، فيكون قدحاً فيه.
قلت: وقد ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح، في سياق من طعن فيه من رجال البخاري.
[الطعن في عكرمة، وإسماعيل بن عبدالله]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وفيه عكرمة، مولى ابن عباس، كذبه يحيى بن سعيد الأنصاري، وروى عبدالله بن الحارث، عن علي بن عبدالله، أنه قال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
ويروى عن ابن المسيب أنه كذبه؛ وابن سيرين.
وعن أبي ذيب: ليس بثقة.
وقال محمد بن سعد: ليس يحتج بحديثه.
ثم إنهم رووا عنه أنه كان يرى رأي الخوارج.
وبسط الإمام القاسم بن محمد القول في تضعيفه.
إلى قوله: وأما الحديث الآخر عن أبي سعيد، ففيه إسماعيل بن عبدالله.
قال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
وقال أحمد بن يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.
وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب إلخ.
وعن ابن معين: أنه لا يساوي فلسين.
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ: إسماعيل ممن يقبله أصحابنا، ويعدونه في الشيعة.
وقد روى عنه الإمام القاسم بن إبراهيم (ع)، واحتج به الهادي (ع) في الأحكام، مع تحرّيه.
قلت: ويكفينا في القدح، مخالفة خبرهم هذا للمعلوم، وما علم من حال رواته؛ إلا أن هذا مجاراة للخصوم.
وقد أفاد ـ أيده الله تعالى ـ حيث قال: إلا أنه لما تواترت الأخبار، بالأمر بسد الأبواب إلا باب علي، ولم يذكر فيها وإلا باب أبي بكر، حتى أنه قال رجل: دع لي كُوَّة فأبى، في خبر أنس، عند العقيلي.
وكذا قول ابن عمر للعلا وقد سأله عن علي (ع): انظر إلى منزلته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، سد أبوابنا وترك بابه، من رواية النسائي، وأخرجه الكلاباذي بمعناه.
وقال (ع): إنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخرج الناس من المسجد وتركني.
أخرجه ابن المغازلي عن ابن عباس.
إلى /124(1/124)
قوله: وغير ذلك عن ابن عباس، وزيد بن أرقم، وجابر، وسعد، والبراء بن عازب، وأبي رافع، وعلي، وجابر بن سمرة، وأنس، وبريدة، وابن مسعود، وحذيفة بن أسيد، وعمر، وأبي ذر، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، على كثرة المخرجين وكثرة طرقهم لو لم يكن إلا قول ابن عمر.
إلى قوله: ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال.
إلى قوله: زوجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ابنته، فولدت له؛ وسد الأبواب إلا بابه في المسجد؛ من رواية أحمد بن حنبل وأبي علي الصفار، مما يعلم به وضع الأخبار في هذا لأبي بكر، فساغ أن يقدح في طرقهم بما يلتزمونه من هذا الوجه، لا من حيث قدحهم في إسماعيل. انتهى ماأردت نقله على نوع من تصرف واختصار.
أي نقله من مناقب خير الأوصياء.
[الرد على من أثبت المنة لأبي بكر على الرسول(ص)]
وقال المولى الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ: ولايخفى مافي أخبار البخاري ونحوه، كالطبري في تاريخه، من الركاكة في ألفاظها، وما فيها من المخالفة للمعلوم، من إثبات المنة لأبي بكر على الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والثابت من ضروريات دينه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن المنة لله ثم له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } [الحجرات:17]..إلخ.
إلى قوله: مع أن المعلوم أن أبا بكر وغيره لايبلغ ولايقارب علياً، فيما عدّ منه من المواساة، والنصرة، وتفريج كل شدة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قضت بذلك الآثار.
ثم قد مرّت الأحاديث المستفيضة من كون علي (ع) خليل رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وأنه وزيره.
قال علي (ع): إن خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: إلخ.
رواه الملا في الصواعق، وقد مرّ.
وقال عمار بن ياسر: صدق خليلي، إلخ.
رواه أبو القاسم الطبراني. انتهى من الكنجي.
ورواه نصر بن مزاحم. انتهى شرح نهج. /125(1/125)