سريرة صدره كسريرة صدري؛ وأن ولدك ولدي، تنجز عداتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأمة يعدلك، وأن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك، حتى ترد الحوض معي)).
وأخرجه الخطيب ابن المغازلي بسنده عن جابر، وفيه بعد قوله: ((ولايغيب عنه محب لك)) فخر علي ساجداً، وقال: الحمد لله الذي منَّ علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، وأكرم أهل السماوات وأهل الأرض على ربه، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله في جميع العالمين، إحساناً منه تعالى إليّ، وتفضلاً منه عليّ.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أنت ياعلي، ماعُرف المؤمنون بعدي؛ لقد جعل الله ـ عز وجل ـ نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك، يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي، وأعزهم عندي، ومحبك أكرم من يرد عليّ من أمتي)).
أفاده حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ في محاسن الأزهار.
ورواه الخوارزمي في الفصول، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)؛ كما ساقه هنا من دون اختلاف يخل بشيء من المعنى، إلا أن فيه زيادات نحو: ((وأنت باب علمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار)) قال: فخررت لله ساجداً، وحمدته على ماأنعم به من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين، وسيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[مخرجوا خبر فتح خيبر]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي بعد روايته لما تقدم: ورواه الإمام القاسم بن إبراهيم، من طريقة عبد الرزاق بن همام، بسنده إلى جابر، قال: لما قدم علي على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بفتح خيبر، قال له: ((لولا أن تقول فيك طوائف إلخ)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى جابر بن عبدالله من طريقين.
ورواه ابن المغازلي بإسناده عن جابر في مناقبه.
ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر.
ورواه محمد بن منصور المرادي، بسنده إلى جابر؛ ذكره الإمام أحمد بن سليمان.
وقد روى هذا /106(1/106)


السيوطي في الجامع الكبير، وساق سنده من طريق ابن المغازلي، عن جابر؛ ذكره محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة العلوية، وقال: وعلى فصوله شواهد.
وأخرجه الخوارزمي عن علي، والكنجي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف)) إلى آخر ماهنا بيسير اختلاف. انتهى.
[تواتر خبر فتح خيبر ـ دلالته على عصمة أمير المؤمنين (ع)]
نعم، وفي هذا الخبر إشارة إلى فتح خيبر، الذي وعد الله تعالى به رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشيد ذكره في الآيات؛ وقد أظهر الله تعالى فيه لسيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المعجزات النيرات، وأكرم به سيد الوصيين (ع) بغاية الكرامات البينات، وهو من المتواترات التي أطبق على نقلها أرباب الروايات؛ وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لما نزل بعسكر الإسلام، لمحاصرة خيبر، وقف المسلمون عدة أيام ينازلونهم فلا يفتح عليهم، وكان الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في تلك المدة قد أصابه الرمد، فأخذ أبو بكر اللواء، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه؛ ثم أخذها عمر كذلك؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد أصابه ألم الشقيقة، فاشتد الخطب، وعظم الأمر، فخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على المسلمين، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)) فتطاول لها الناس؛ لما يعلمون من تأثر أمير المؤمنين (ع) وكان فيمن تطاول لها أبو بكر، وعمر.
قال الإمام في الشافي: وفي كثير من الروايات: فاستشرف لها كبار الصحابة كل يريدها لنفسه.
وفي بعضها: فأمسى المسلمون يدوكون ليلتهم. /107(1/107)


انتهى.
فأرسل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمير المؤمنين (ع)؛ فقالوا: يا رسول الله، مايبصر.
قال: ((ائتوني به)).
فتفل في عينيه وقال: ((اللهم اكفه الحر، والبرد))، فما ضره بعد ذلك حر ولا برد، ولا ألم العيون؛ وأعطاه الراية، فنهض معه المسلمون، ولقي أهل خيبر، وخرج مرحب يرتجز بين أيديهم ويقول:
قد علمَتْ خيبرُ أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
الأبيات.
فأجابه الوصي (ع):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... كليث غابات شديد قسورة
الأبيات.
وضربه ضربة سمع أهل العسكر صوت ضربته، وما تتام الناس حتى فتح لأولهم واقتلع الباب وحمله، حتى صعد المسلمون عليه، وما حمله بعد ذلك دون أربعين؛ قال ابن أبي الحديد:
ياحامل الباب الذي عن رده .... عجزت أكف أربعون وأربعُ
وقال في أخرى:
وما أنس لا أنس الَّذَين تقدما .... وفَرَّهما والفرُّ - قد علما - حوبُ
عذرتكما إن الحِمَام لمبْغَضٌ .... وإن بقاءَ النفس للنفس محبوبُ
ويكره طعم الموت والموت طالب .... فكيف يلذّ الموت والموت مطلوبُ
قلت: وقد وردت الرواية بأخذ عمر للراية أولاً، وأبي بكر ثانياً، ثم عمر ثالثاً.
قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة مالفظه: لأن قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية غداً)) تعريف بأنه أحق وأولى، ولو كان أولاً وفتح الله على يديه لظن الناس أن غيره لو كان أعطيها لفتح الله عليه؛ فقدمهما ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ ليعرف تباين الأحوال؛ وتمييز موارد الرجال.
*وبضدها تتبين الأشياء *
ثم وصف ذلك /108(1/108)


الرجل بأنه: ((يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)).
إلى قوله: وقوله (ع): ((كراراً غير فرار)) منه بيان تباين الحالين، حال مَنْ فَرّ في ذلك اليوم، وحال من يكر ولايفر؛ واقتضى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كراراً غير فرار)) أنهما سجيته (ع).
إلخ كلامه (ع).
[رواة خبر فتح خيبر]
وقد روى خبر فتح خيبر كما سبق حفاظ الأنام، وأئمة الإسلام، فمن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر للحق، والإمام أبو طالب عن جابر من طريقين، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن، وأخوه الأمير الحسين، وغيرهم من أعلام أهل البيت، وشيعتهم، والعامة.
وقد جمع المولى العلامة الحسن في تخريج الشافي مافيه الكفاية، فقال أيده الله: وحديث الراية وقول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) فأعطى علياً وفتح خيبر على يديه.
رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة: عن أبي سعيد، وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه، وتجبينهم إياه؛ وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عمران بن الحصين، وعن سهل، وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمر، وعن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر، من مناقبه.
وروى ابن المغازلي قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) إلخ بأسانيده، عن إياس بن سلمة عن أبيه من طريقين، وعن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن أبي سعيد الخدري من طريق، وعن بريدة من /109(1/109)


طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص بطريق، وفي بعضها زيادة، وبعض نقص. من المناقب .
وكذا رواه في خصائص النسائي، عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد.
فأما عن سعد بن أبي وقاص فبثلاث طرق، وكلها متفقة على مايفيد عصمة علي(ع).
قلت: لإخبار الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقطع على محبة الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ له، والقطع على مغيب الوصي (ع)، بمحبته لله ولرسوله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقال ـ أيده الله ـ: وكذا رواه في الخصائص عن الحسن بن علي (ع)، وعن عمران بن حصين، وعن أبي هريرة من أربع طرق، وكذا عن ابن عباس من حديث التسعة الرهط الذين قال فيهم: أُفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، ومنها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يجب الله)) إلخ.
وذكر حديثاً فيه، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه))، فتطاولوا لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((أين علي؟)).
فقالوا: هو أرمد.
قال: ((فادعوه)).
فدعوه، فبصق في عينيه؛ ثم أعطاه الراية إلخ.
أخرجه ابن أبي شيبة والنسائي عن سعد بن أبي وقاص. من التفريج.
ومثل: حديث سعد، أخرجه أحمد، عن سعيد بن المسيب.
قال في التفريج: وحديث الراية أخرجه البخاري، ومسلم، وسائر المحدثين بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مالك والدار قطني، والبخاري، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، من التفريج بالمعنى.
وأخرجه أبو طالب عن جابر من طريقين، وأصل الحديث: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)) فأعطى علياً.
رواه البخاري في آخر الجزء الثالث، رفعه إلى سلمة بن الأكوع، وإلى سهل بزيادة: فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أين /110(1/110)

25 / 135
ع
En
A+
A-