قال في صحاح الجوهري: وقولهم: لاأفعله آخر الليالي أي: أبداً، انتهى باختصار.
وقد وضح البرهان، بما ورد في أهل بيت النبوة على أبلغ البيان، من وجوب التمسك بهم، وقصر النجاة على ركوب سفينتهم، وأنهم قرناء القرآن، وحجة الله في كل زمان.
[الكلام على خبر المنزلة ـ مخرجوه ـ تواتره]
هذا، وقد نزل الله سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين، من ابن عمه سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بمنزلة نفسه كما نطق به الذكر المبين، وبمنزلة هارون من موسى، على لسان المصطفى، - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كما تواترت به الأخبار عند جميع المسلمين، وهو قوله ـ صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)) هكذا رواه الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال الإمام الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم الصلاة والتسليم -: وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ماكان يجب لهارون مع موسى، ماخلا النبوة؛ وهارون - صلوات الله عليه - فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، إلى آخر كلامه.
وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من قَبْل الإمامين الأعظمين ومن بعدهما وما بينهما، مجمعون على ذلك، محتجون بما هنالك.
وأما سائر فرق الأمة، فقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): فيه من الكتب /96(1/96)


المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً، من غير رواية الشيعة، وأهل البيت. انتهى.
وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة، الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، في صحيحيهما، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار.
وعلى الجملة، الأمر كما قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع): والخبر مما علم ضرورة، انتهى.
قال السيد الإمام الحسين ابن الإمام (ع) في شرح الغاية بعد سياق رواياته من كتب المحدثين: واتفق الجميع على صحته، حتى صار ذلك إجماعاً منهم.
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حد التواتر.
[الرواة من الصحابة لحديث المنزلة]
قال ابن الإمام: وقد رواه عدد كثير من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، منهم: علي، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس؛ وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه عن سعد بن أبي وقاص من اثني عشر طريقاً، وعن أنس وابن عباس وابن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. انتهى.
قلت: وقد ساق الإمام /97(1/97)


المنصور بالله (ع)، في الشافي طرقه من كتب العامة، بما فيه كفاية؛ وفي إحدى الطرق المسندة مانصه: سأل رجل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم.
إلى قوله: قولك فيها أحب إلي من قول علي.
فقال: بئس ماقلت ولؤم ماجئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يُغِرُّ العلم غراً، ولقد قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))؛ ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه؛ ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا علي.
قم لاأقام الله رجليك.
ومحى اسمه من الديوان.
ومناقبٌ شهدَ العدوُّ بفضلها .... والحق ماشهدت به الأعداءُ
إلى قول الإمام (ع): وما ظهر منه من تعظيم علي (ع)، فبلطف من الله؛ لتكون الحجة عليه وعلى أتباعه؛ فما عذره عند الله في سب رجل هذه حاله. انتهى.
هذا، وقد تكرر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ البيان، بكون أمير المؤمنين (ع) منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران (ع)، بالأفعال والأقوال، في مقامات جامعة كثيرة، ومقالات واسعة غزيرة.
[فائدة في دلالة الاستثناء على العموم]
وهذا الكلام الشريف النبوي، قد أوجب لسيد الوصيين، من سيد النبيين، كل منزلة كانت لهارون من موسى ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إلا مااستثناه وهو النبوة؛ والاستثناء دليل العموم؛ إذ هو الإخراج من الحكم، والإرادة لما هو داخل بمقتضى الدلالة، فهو قرينة عدم الإرادة، ولايرد عليه الاستثناء المنقطع؛ إذ هو خلاف الأصل بالاتفاق، ولا الاستثناء من المحصور بالعدد، ولام العهد؛ إذ موجب الدخول قد حصل في المحصور بالحصر فلا عموم.
وأما مالا /98(1/98)


حصر فيه فلا يدخل حتى يصح إخراجه إلا بالشمول، فثبت العموم كما قرر ذلك أرباب التحقيق في محله من الأصول، والله ولي التوفيق.
وأيضاً هذه الصيغة مفيدة للعموم وضعاً؛ إذ هي جنس مضاف إلى معرّف، وقد فَهِمَ عموم المنازل، واستحقاق أعلا المناقب وأعظم الفضائل، أعلامُ الأئمة وعلماء الأمة في الأواخر والأوائل.
ومنها: الشركة في الأمر، كما هو نص الكتاب، وورد في السنة الشريفة في أشرف خطاب.
ومن الأدلة التي يعلم بها قصد العموم: ماذكرناه سابقاً من تكرر وروده، في مقامات صدوره ووروده.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة، لما قال: إنه (ع) استخلف علياً على المدينة، كما استخلف موسى هارون على قومه عند خروجه إلى الطور: والجواب: أنا لم نستدل بسبب استخلافه على المدينة.
إلى قوله: والعمومات لايجوز قصرها على الأسباب، فإذا كان هكذا فالسبب الذي أورده لا يؤثر في الدليل على وجه من الوجوه، وعلى أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يقل هذا القول لأمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت فقط؛ بل أتت الروايات أنه قاله في مواطن كثيرة، وأحوال مختلفة، حتى روى بالإسناد يبلغ به ابن عباس، قال: بينما النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قاعداً، إذ أقبلت فاطمة تبكي؛ ونسق الحديث بطوله إلى أن قال لها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضين أن علياً مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
ومنها في رواية أخرى عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال لأم سلمة: ((ياأم سلمة، هذا لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى؛ ياأم سلمة، هذا أخي في الدنيا وقريني في الجنة، تزول الجبال الراسيات ولايزول عن دينه)).
ومنها: أنه قال ذلك يوم خيبر.
وذكر الصاحب الجليل كافي الكفاة أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ذكر ذلك في تسعة مواضع؛ فعلمنا أن الاعتبار بعموم اللفظ؛ لأن روايته غير مقصورة على سبب واحد.
إلى قوله: هي /99(1/99)


مطلقة من غير مراعاة سبب، وعلى أن علياً (ع) ذكر ذلك يوم الشورى من غير سبب، وفي رواية الفقيه: رواه بعد قتل عثمان، فوجب أن يكون الاعتبار بعموم اللفظ. انتهى.
[مقامات خبر المنزلة]
ونشير ـ بإعانة الله تعالى ـ إلى تعيين ماتيسر من مقامات الخبر؛ لبيان ذلك، ولما يتضمن كل مقام من الحجج والدلائل؛ وإن كانت فضائله - صلوات الله عليه - بحراً ليس له ساحل؛ ولقد أحسن صاحب الهمزية حيث يقول:
كل لفظ له ابتدأت به استو .... عب أخبار الفضل منه ابتداء
والترتيب هذا في الذكر لا في الوقوع.
فالأول: ماتقدم في تبوك.
الثاني والثالث: ماأشار إليهما الإمام (ع)، في خبري فاطمة وأم سلمة ـ رضوان الله عليهما ـ؛ وقد رُويا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بطرق كثيرة.
الرابع: مارواه ابن عباس ـ أيضاً رضي الله عنهما ـ، أنه قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس:
كنت أنا، وأبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، ونفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبيه، ثم قال: ((ياعلي أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً))، ثم قال: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب عليَّ من زعم أنه يحبني ويبغضك))، أخرجه الحسن بن بدر في ما رواه الخلفاء، والحاكم في الكنى، والشيرازي في /100(1/100)

23 / 135
ع
En
A+
A-