العرب: عترة الرجل هم ولده، وولد ولده.
وقال ابن الأعرابي: عترة الرجل ولده وذريته وعقبُه من صلبه.
قال: فعترة الرسول، ولد فاطمة البتول، انتهى، وهذا المروي عن ابن سيده.
وقال إمام أئمة اللغة والشرع، الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع): إنما سمّاهم عترة؛ لأن الولد عند والده أطيب ريحانة من عترة المسك؛ ولهذا تقول العرب للولد: ريحانة أبيه، ولاشك أن عترة المسك أطيب من الريحانة؛ فسمَّاهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأطيب الطيب، وجعل ذلك صفة لهم غير مشتركة، انتهى.
قلت: وفي القاموس: والعترة قلادة تعجن بالمسك، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون، انتهى.
وفي صحاح الجوهري: وعترة الرجل نسله ورهطه الأدنون، انتهى.
قلت: وما ذكراه من الرهط والعشيرة الأدنين على فرض تسليمه في غير النسل، يجاب عنه بما تقدم من قصر الشرع لذلك على من ذكر.
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: إلا أن ذلك ـ أي ما ذكره الجوهري ـ لايمنع من غلبة استعماله هنا في نسله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وجريان العرف بذلك، ومصير استعماله في غيره على جهة المجاز العرفي.
قال (ع): وأجاب في العمدة: بأن العترة هم أولاد الرجل وأولاد أولاده دون غيرهم؛ لأن هذه اللفظة متى أُطلقت سبق ذلك إلى الأفهام؛ ولاخلاف في تناولها لمن ذكره حقيقة، وإنما الخلاف في تناولها لغيرهم؛ فإذا لم يكن عليه دليل وجب قصرها عليهم، انتهى.
قلت: وأيضاً قد أفادت الأدلة أن إجماع المتصفين بأهل البيت والآل والعترة حجة قطعاً، والإجماع واقع من الأمة أن غير الأربعة وذريتهم غير /81(1/81)
معتبر في إجماعهم قطعاً؛ لأن الأمة بين قائلين: قائل بحجية إجماعهم وهم هؤلاء لاغير، وقائل بعدمه وقد بطل قوله قطعاً؛ فتحصل أنهم هؤلاء وإلا بطلت الأدلة، وخرج الحق عن أيدي الأمة وهو باطل، وهذا واضح جلي عقلاً وشرعاً.
وهذا كله على فرض عدم البيان من الشارع؛ فأما مع ورود البيان القاطع، على قصر ذلك على الأربعة وذريتهم ـ صلوات الله على أبيهم وعليهم أجمعين ـ فلا اعتبار بغيره ولا اعتداد بسواه؛ إن فرض ثبوته، كما علم ذلك في سائر الاستعمالات الشرعية، المنقولة من المعاني اللغوية، كالصوم والصلاة، والحج والزكاة.
والحقائق الشرعية مقدمة في خطابات الشرع قطعاً، فكيف إذا تطابقت البراهين على ذلك لغة وشرعاً؟
ودلائل اختصاصهم بذلك قد عُلِمت بالطرق المعلومة الموصلة إلى القطع، كأخبار الكساء المفيدة للحصر والقصر عليهم بطرق عديدة، وما لايحصى كثرة، كتاباً وسنة؛ وليس بعد بيان الله تعالى ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيان، ولا أقوى ولا أقوم من برهانه برهان؛ وكم ورد في السنة الشريفة مما تواتر، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سره أن يحيا حياتي)).. إلى قوله: ((فليتول علي بن أبي طالب)) إلى قوله فيه وفي ذريته: ((وهم عترتي خلقوا من لحمي ودمي)) الخبر، وقد تقدم بطرقه.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي)) أخرجه ابن عساكر عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
وقول وصيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وقد سُئل عن العترة في خبر ((كتاب الله وعترتي)): أنا، والحسن، والحسين، والأئمة إلى المهدي، لا يفارقون كتاب الله، ولايفارقهم، حتى يردوا على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ حوضه /82(1/82)
أخرجه أبو جعفر القمي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه.
وقوله ـ صلوات الله عليه ـ لما قُبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: قلنا: نحن أهله، وورثته، وعترته، وأولياؤه، دون الناس؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ماكنا لهم عليه.
وغير ذلك من المأثور، لايحيط به المسطور، مما علم لهم في كتاب الله، وتواتر من سنة رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ معنى، أو لفظاً ومعنى، مما يفيد اصطفاء الله تعالى لهذه الصفوة واختياره لتلك الخيرة، واختصاصه تعالى لهم بأجل الفضائل، وإنزاله إياهم أفضل المنازل.
[بحث حول: آية المباهلة]
نحو قوله عز وجل:
{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران].
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، (ع) في سياق خبر المباهلة: وهذا الخبر مفيد جداً؛ لأنه أثبت أن ولدي علي ولدان لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: وأثبت أن المراد بقوله في الآية: {نساءنا } فاطمة، فخرجت زوجاته عن مقتضى الآية والخبر.
ولاخلاف بين الأمة أنه لم يدع أحداً من زوجاته.
...إلى قوله: وأن المراد بقوله {أنفسنا }: محمد، وعلي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ؛ فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؟!
وكيف يعتري الشك في كونه أفضل /83(1/83)
الصحابة رضي الله عنهم؟
وكم من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون، ويتلونها وهم عنها عمون. انتهى.
[الإجماع على صحة خبر المباهلة]
وقال الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد بدر الدين (ع) في الينابيع: أطبق أهل النقل كافة، مع اختلاف أغراضهم واعتقاداتهم ـ يعني على خبر المباهلة ـ.
وقال أخوه الإمام الأوحد، الحسن بن محمد (ع): متواتراً.
وقال والدنا الإمام عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: أطبق أئمة النقل وجمهور العلماء على ذلك...إلخ.
ولا نزاع في هذا بين العترة والأمة، وممن روى ذلك: الحسن، والشعبي، والسدي، والحاكمان: الجشمي والحسكاني، وأبو نعيم، والثعلبي، والخوارزمي، والزمخشري، والبيضاوي، والرازي، وأبو السعود.
ومن ألفاظ الرواية، من طرق العامة: مارواه الحاكم، صاحب المستدرك، عن عامر بن سعد؛ وقال: حديث صحيح، لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا } إلخ [آل عمران:61]، دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)).
[مخرجوا خبر المباهلة]
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وأخرجه ـ أي هذا الخبر الذي رواه الحاكم ـ محمد بن يوسف الكنجي وقال: أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال في موضع آخر من مناقبه: وأخرجه أحمد بن حنبل عن غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والتابعين.
...إلى قوله: وقال الحاكم أبو القاسم في حديثه عن عامر: لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..إلخ. /84(1/84)
رواه مسلم، والترمذي.
وقال في الإقبال : ولمسلم، والترمذي عن سعد ـ وذكر الحديث.
قلت: وقد تقدم مافي الإقبال بلفظه في الاستدلال بما فيه من صيغة الحصر وهي: ((اللهم هؤلاء)) كما في خبر الكساء.
وقال يحيى بن الحسن القرشي في منهاجه: أجمع الناس على أنها ـ أي {فَقُلْ تَعَالَوْا } الآية ـ، نزلت في الخمسة الأشباح. انتهى.
[كلام نفيس للزمخشري حول آية المباهلة]
قال في الكشاف: فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به، وبمن يكاذبه؛ فما معنى ضم الأبناء والنساء؟
قلت: ذلك آكد في الدلالة، على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته، وأفلاذ كبده، وأحب الناس إليه، لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له؛ وعلى ثقته بكذب خصمه، حتى يهلك خصمه، مع أحبته وأعزته، هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
إلى قوله: وقدمهم في الذكر على الأنفس؛ لينبه على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس، مفدّون بها؛ وفيه دليل لاشيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع)، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
وقال في سياق القصة: فأتوا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: ((إذا أنا دعوت فأمِّنوا))، فقال أسقف نجران: يامعشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولايبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: ياأبا القاسم، رأينا ألا نباهلك.
...إلى قوله: وقال: ((والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران /85(1/85)