..الأبيات، وقد ذكرتها في شرح الزلف.
وقد ذكر في اللآلي المضيئة ومآثر الأبرار ـ شرحي البسامة وغيرهما ـ من أحوال القاضي نشوان بن سعيد الحميري مافيه الكفاية.
[إشارة إلى الابتلاء بالتفضيل وعظم حوب من استكبر عنه]
وهذا باب امتحن الله به عباده كبير، قد زلّت فيه أقدام خلق كثير؛ بل هو أعظم التكاليف على المكلفين، وأصل الفتنة في الأولين والآخرين، وعادة الله تعالى الجارية في خلقه، أن يلبس من تكبر عن أمره فيه، وغمط نعمته عليه، أثواب الصغار، وأنواع الخزي والشنار؛ وإن في إبليس ـ لعنه الله تعالى ـ لعبرة لأولي الأبصار، فعدو الله أول من سخط أمر الله، ورد قضاءه؛ ثم تبعه كل من نفخ في أنفه، فشمخ بنفسه، فأنزل الله تعالى به سوء النقمة، وسلبه مالديه من النعمة، وأحل عليه اللعنة، ولم يغنِ عنه ماتعلل به من الأعذار، ولم ينفعه ماسلف له من السوابق الكبار، وقد عبد الله ستة الآف سنة، لايُدرى من سني الدنيا أم من سني الآخرة؟ كما قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ فبطل ذلك كله باستكباره عن أمر واحد؛ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله تعالى بمثل معصيته؛ كلا، ماكان الله تعالى ليدخل الجنة بشراً بأمر ـ أي مع أمر ـ أخرج به منها ملكاً، وإن حكم الله في أهل السماء والأرض لواحد، ومابين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمىً حرَّمه على العالمين..إلى آخر كلامه؛ صلوات الله عليه وسلامه.
فلا ينزل عند حكم الله تعالى في هذا الشأن، ويمتثل أمر الله تعالى فيه بالجنان والأركان، إلا من امتحن الله قلوبهم للتقوى، وثبت أقدامهم على العمل بمحكم السنة والقرآن، أولئك أولياء الله، وأولياء رسوله، الذين خلقوا من شجرتهم، ونزلوا في منزلتهم، ووردت البشارات لهم، على لسان سيد المرسلين، وأخيه سيد الوصيين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
وقد تطاول البحث في هذا وماكان مقصوداً، لولا ماعلم الله من قصد /71(1/71)
النصح لإخواننا المؤمنين، والإشفاق عليهم من الوقوع في هذه المزلة التي هلك فيها كثير من المفتونين؛ فأما أهل بيت النبوة فقد أغناهم الله تعالى عن ذلك، وقد صبروا على جفوة الأمة، وميل الخلق عنهم إلا من تداركته العصمة، وهم أهل الصفح والكرم، كما قال قائلهم:
وإن جفونا وحالوا عن مودتنا .... ولم يراعوا وصاة الله في العترِ
فالصبر شيمة أهل البيت إن ظلموا .... وهل يكون كريم غير مصطبرِ؟
[الاستدلال بشيء ما على تفضيل العترة(ع)]
ولقد كان الإضراب أوفق، والإمساك أليق، لولا أن الله تعالى أمر بقول الحق وإن شقّ، فإن المقام خطر، يترتب عليه أي أثر؛ وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) رواه الإمام الناصر للحق(ع) في البساط، بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ورواه المرشد بالله (ع) عن أبي ليلى، وأخرجه البيهقي، وأبو الشيخ، والديلمي، والطبراني، وابن حبان، عن أبي ليلى.
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: ((لايؤمن أحدكم)) الخبر، بدون ((وذاتي..إل خ)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله فيم أنفقه، ومن أين اكتسبه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع)، عن علي ـ صلوات الله عليه ـ، وابن /72(1/72)
المغازلي، والطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، والكنجي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، والخوارزمي عن بريدة.
وفي أخبار الثقلين: ((فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به؛ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) أخرجه أحمد، ومسلم، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، عن زيد بن أرقم.
وروى الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الإمام المرشد بالله (ع)، يرفعه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)) وبمعناه: ((نحن أهل بيت لايقاس بنا أحد)) أخرجه الملا، والطبري عن أنس؛ وأخرجه الديلمي.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لايعادل بآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من هذه الأمة أحد ولايساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً.
وروى الحاكم في شواهد التنزيل، بإسناده عن ابن عمر قال: إذا عددنا قلنا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.
فقال رجل: فعلي.
قال: ويحك، علي من أهل البيت لايقاس بهم؛ علي مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في درجته.
فهذا ابن عمر صرح بالحق فيما هو معلوم للأمة، من أنه لايقاس بأهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قدّموهم ولاتقدموهم، وتعلّموا منهم ولاتعلموهم؛ ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
قال الإمام الحجة المنصور بالله (ع) في الشافي: روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في أهل بيته: ((قدموهم....الخبر)).
قلت: وهو في أخبار الثقلين، بلفظ النهي عن التقدم، ومافي معناه كلا تَقْصُروا ولا تسبقوا، والأمر بالتعلم منهم فإنهم أعلم، وقد سبق.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرمات، من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومن ضيعهن لم يحفظ الله له شيئاً)).
قيل: وما /73(1/73)
هنّ يارسول الله؟
قال: ((حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي)) رواه الإمام المنصور بالله بسنده، إلى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((إن لله...الخبر)).
وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الشيخ في الثواب، وأبو نعيم عن أبي سعيد؛ أفاده في تفريج الكروب.
قلت: وروايتهم بلفظ: ((إن لله حرمات ثلاثاً))، وبدون ((دنياه)) ولا: قيل: يارسول الله.
قال فيه: وفي رواية: ((لم يحفظ الله له أمر دنياه ولا آخرته)) قال: وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد، بلفظ ((ثلاث من حفظهن)) الخبر، وحذف لفظ أمر، انتهى.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أيها الناس، أوصيكم بعترتي أهل بيتي خيراً؛ فإنهم لحمي وفصيلتي، فاحفظوا منهم ماتحفظون مني)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وهذا قليل من كثير، والمقام أوضح من أن يحوج إلى تطويل وتكثير، وقد صادف مناسبة للمقصود، وارتباطاً بالمطلوب، وما حمل عليه إلا واجب النصح والتذكير؛ إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ونعود إلى المقصود، بعون الملك المعبود.
والله ـ عز وجل ـ يقول: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور:21].
وإجماع الأمة على كونهم ـ أعني ذرية الخمسة ـ آل الرسول وأهل البيت والعترة لا اختلاف في ذلك؛ وإنما الخلاف في إدخال غيرهم معهم؛ والأدلة القاطعة /74(1/74)
تقضي بعدم المشاركة لهم كما سبق.
[الرد على تفسير زيد بن أرقم للآل بالمعنى الأعم]
وأما تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت بآل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل، فإنما حمله على الذين حرمت عليهم الصدقة، وهو معنى عام للآل، مخصوص الاستعمال في حديث الصدقة لاغير، وهو مجاز من باب التغليب للمعنى الحقيقي الذي هو آل علي (ع) على غيره، وقد صرح زيد نفسه بحمله على الذين حرموا الصدقة؛ هكذا في الخبر.
قال في تخريج الشافي: مع أن زيداً قد أخرج الزوجات ـ أي فيكون حجة على المخالف.
قلت: وكذا أخرج بقية بني هاشم وبالأولى بني المطلب، وسائر قريش، فليس لأهل هذه الأقوال فيه متمسك، وهو رد عليهم جميعا،ً قال: ولعله من جملة ماكتمه كما كتم حديث: ((من كنت مولاه)) فذهب بصره؛ فتأمل.
قلت: وقد ظهر من حاله أنه تاب عن ذلك بعد أن وقعت له الآية، وقد ذكر في الطبقات أنه كان من خواص علي (ع) وشهد معه صفين.
هذا وكذلك روايته المرفوعة؛ قال الإمام الناصر عبدالله بن الحسن (ع): لنا في الجواب عن هذا الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن حديث الكساء وحديث الثقلين جاءا متواترين، ولم تثبت هذه الزيادة إلا بهذه الطريق؛ فهي شاذة منكرة.
الوجه الثاني: أن في رجال إسناده من لايرتضى، فمنهم: أحمد بن بشار مجهول، ومنهم: أبو عوانة وضاح بن عبدالله الواسطي البزار؛ قال أحمد وأبو حاتم: إذا حدث من حفظه وَهِمَ ويغلط كثيراً، وضعفه ابن المديني عن قتادة.
قال: ثم لو سلمنا صحته وسلامته عن كل قادح، فهو آحادي ظني، إلى آخر كلامه (ع).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج في سياق الجواب عن هذا: وإن رواية الرفع مقدوح في رجالها، وإنها آحادية لاتصلح أن تعارض المعلوم من أخبار الكساء، القاضية بأن أهل البيت المطهرين علي، وفاطمة، وأولادهما.
إلى قوله: وقد تقدم من حديث سعد بن مالك قوله: فنودي فينا (ليخرج من كان في المسجد إلا آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ) فجاء /75(1/75)