: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..الآية دعا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)) أخرجه الحاكم عن عامر بن سعد، عن أبيه؛ وقال: حديث صحيح.
ورواه عن سعد قال: لما نزلت هذه الآية (ندع) دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) [أخرجه] مسلم والترمذي، كلاهما في الفضائل؛ أفاده في الإقبال عن كتاب كشف المناهج؛ قال: للعلامة صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي الشافعي. انتهى.
قال: الخامس: أنه أتى بالجملة مكررة للتأكيد؛ ليرفع توهم دخول الغير، كما هو شأن التأكيد اللفظي عند أهل اللغة.
السادس: دفعه لأم سلمة ـ رضي الله عنها ـ بأن قال لها: ((مكانك أنت إلى خير)).
وفي بعض الأخبار: ((لست من أهل البيت أنت من أزواج النبي)) ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي بعضها: ((أنت ممن أنت منه)) دلّ بإخراجها على خروج جميع الزوجات؛ وأيضاً علل إخراجها بأنها من الزوجات.
فإن قلت: إن في بعض الأخبار عن أم سلمة قالت: يارسول الله، ألست من أهل البيت؟
قال: ((بلى فادخلي في الكساء)) فدخلت.
قلت: الجواب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن رواية دفعها أكثر وأصرح، فكانت أولى وأرجح.
الثاني: أنه لم يشر إليها معهم بقوله: ((هؤلاء أهل بيتي)) ولم يدعُها؛ وأيضاً قالت: فدخلتُ بعدما قضى دعاءه لابن عمه، وابنيه وفاطمة؛ فعرفت أن دخولها كان على جهة التبرك فقط.
الثالث: أنه ماأدخلها إلا على وجه الإيناس، وتجنباً للإيحاش؛ بدليل أنه /56(1/56)


ما أدخلها إلا بعد أن سألته؛ ثم إن في الروايات الأخر، مثل: رواية أبي الحمراء وغيره، أنه كان يأتي إلى باب علي وفاطمة ثمانية عشر شهراً أو تسعة أشهر ويتلو الآية؛ ولم يكن في البيت أم سلمة ولاغيرها؛ وهكذا ماقاله في حق واثلة بن الأسقع؛ فظهر أنه لم يرد إلا الإيناس.
قلت: كما ورد من نحو: ((سلمان منا أهل البيت))، ((وشيعتنا منا)) مما يعلم قطعاً أن ليس المراد في الأحكام الخاصة على الحقيقة، وإنما هو في الاتصال والانضمام.
قال الإمام ـ رضي الله عنه ـ: السابع: أنه لو أريد غيرهم في الآية، لما دعاهم وحدهم ولما أشار إليهم وحدهم؛ بل يكون ذلك الفعل والحكم بأنهم أهل البيت وحدهم، تلبيساً وخيانة في التبليغ؛ وحاشا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عن ذلك؛ فيقطع حينئذ مع هذه الوجوه بخروج غيرهم عن أن يكون من أهل البيت، سواء كنّ الزوجات أو الأقارب، كبني العم أو نحوهم، كما يقتضيه بيانه وإيضاحه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للمقصود من الآية.
[دخول الذرية في مسمى أهل البيت(ع)]
فإن قلت: يعلم مما ذكرت أن أهل البيت هم الأربعة فقط، فلا يكون ذريتهم من أهل البيت كما ذكرت أنه يقتضيه البيان.
قلت ـ وبالله التوفيق ـ: إنما أراد بقصر الحكم على الأربعة، إخراج من عداهم من الموجودين في زمنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - من الزوجات والأقارب، ولو وجد في ذلك الوقت أحد من ذريتهم لأدخله، ولكن لم يوجد إلا الأربعة؛ وأيضاً أهل البيت يتناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مثل ما أن لفظ الأمة تناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم ـ أدلة /57(1/57)


[الكلام على المهدي المنتظر]
الدليل الأول قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، عن علي.
وأخرج أبو داود ـ أيضاً ـ عن علي وقد نظر إلى الحسن ابنه وقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلق ولايشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلاً).
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي)).
وأخرج أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، والطبراني، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) فدلّت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين.
والأحاديث في المهدي وكونه من أهل البيت متواترة.
قلت: الأخبار النبوية، والبشائر العلوية، بإمام الأمة، وختام الأئمة، المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أكثر من أن تحصر؛ والأمر فيه كما قال شارح نهج البلاغة، عند قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ قد لَبِس للحكمة جنتها؛ مانصه: وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لاينقضي إلا عليه. انتهى.
وما زال أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ يبشرون به وينتظرون الفرج من الله تعالى بأيامه، يوصي بذلك أولُهم آخرَهم، ويبلغ سابقُهم لاحقَهم.
[أحاديث في المهدي (ع)]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: (أولنا محمد بن عبدالله، وأوسطنا محمد بن عبدالله، وآخرنا محمد بن عبدالله).
فالأول محمد بن عبدالله النبي صلى /58(1/58)


الله عليه وآله وسلم والأوسط محمد بن عبدالله النفس الزكية، والآخر محمد بن عبدالله المهدي؛ رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
وبهذا وأمثاله من أوصافه المعلومة يتبين أنه ليس الإمام المهدي النفس الزكية (ع) وإن كانت البشارات وردت به؛ فإنما هي كالبشارات الواردة في غيره؛ كالإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول، وحفيده الهادي إلى الحق وغيرهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وليس بالمهدي الذي وعد الله به الأمة، وختم به الأئمة.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: وإلينا مصير الأمر وبمهدينا تنقطع الحجج؛ خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة؛ رواه المسعودي في مروج الذهب، عن الصادق، عن آبائه، عن علي (ع).
وروى الحافظ أبو علي الهمداني، من حديث علي بن علي الهلالي، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الحالة التي قُبض عليها؛ فإذا فاطمة عند رأسه، فبكت عند رأسه حتى ارتفع صوتها، فرفع ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طرفه إليها، فقال: ((حبيبتي فاطمة ماالذي يبكيك؟)).
فقالت: أخشى الضيعة من بعدك.
فقال: ((ياحبيبتي، أما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً برسالته؛ ثم اطلع عليها اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إلي ان أنكحك إياه؛ يافاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله خمس خصال لم يعطها أحداً قبلنا ولايعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عز وجل، وأحب المخلوقين إليه، وأنا أبوك؛ ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو بعلك؛ وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو حمزة بن عبدالمطلب، عم أبيك وعم بعلك؛ ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة حيث يشاء مع الملائكة، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك؛ ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما؛ والذي بعثني بالحق، إنّ منا /59(1/59)


مهدي هذه الأمة؛ إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبيرهم يرحم صغيرهم، ولاصغيرهم يوقّر كبيرهم، فيبعث الله ـ عز وجل ـ عند ذلك من يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً؛ يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمتُ به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)).
انتهى من شرح التحفة، للسيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، وهو في ذخائر العقبى للمحب الطبري الشافعي، والأمير ناقل منها.
وروى نحوه ابن المغازلي، عن أبي أيوب ـ رضي الله عنه ـ وفيه: ((إن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً؛ ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً؛ أما علمت ـ يافاطمة ـ أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً)).
إلى قوله: ((يافاطمة، له ثمانية أضراس ثواقب: إيمان بالله، ورسوله، وحكمة، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب الله ـ عز وجل ـ)) إلى قوله - صلوات الله عليه وآله -: ((نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا ـ والذي نفسي بيده ـ مهدي هذه الأمة))؛ رواه في تفريج الكروب.
قلت: والاطلاع من الله تعالى مستعار؛ لتوجه الحكم بالاختيار في تلك الحالة، أو نحو ذلك من وجوه التأويل؛ إذ لايمكن حمله على الظاهر بمقتضى الدليل.
وفي تخريج الشافي، بعد أن ساق الرواية للخبر الأول من تحفة الأمير مالفظه: وروى مايقاربه ابن المغازلي عن أبي أيوب الأنصاري، ورواه عيسى بن حفص بطريقه إلى أبي أيوب إلى قوله: ((ومنا مهدي هذه الأمة)) ذكره في الكامل المنير؛ ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده /60(1/60)

15 / 135
ع
En
A+
A-