هذين، وقد أفردت كتاباً لما ضعف من أحاديث الصحيحين.
قال الأمير: واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح، أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول.
قال: سوى أحرف يسيرة، قد تكلّم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ.
إلى قوله: قال الحافظ ابن حجر، تعقباً له: اعترض الشيخ أولاً على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة.
إلى قوله: وأما كونه يمكن الجواب عنها، فلا يمنع ذلك استثناءها؛ لأن من تعقبهما من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي، فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي...إلخ.
قال صاحب التنقيح: وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك، وذكر مَنْ صنف في ذلك.
قلت: أي في الانتقاد عليهما.
قال: كأبي السعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، والدارقطني.
وقال: قال النووي في شرح مسلم: إنه وقع اختلاف بين الحفاظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم، فهي مستثناة...إلخ.
ونقلوا عن ابن الصلاح أنه قال: ما أخذ على البخاري ومسلم، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه.
قلت: فهذه نبذة كافية من كلامهم؛ فبحمد الله تعالى قد كفونا بالرد على أنفسهم وبتناقض أقوالهم عن النقض؛ وإنه تالله، ليقضى بالعجب، من أن يدعي مثل هذه الدعاوي الباطلة من له من العلم والدين أدنى مسكة، وماهي إلا من الهذيان والمجازفة، التي لاتقدير لها بمكيال ولا ميزان، والعمدة في هذا مراقبة الملك الديان؛ ولقد تهافت في تقليد هذه الدعوى الفارغة، الرعاعُ، وتهالك في أثرها الأتباعُ، فعميت عن إبصار الحق، وصمّت عن سماع التحقيق منهم، /115(2/115)


الأبصارُ والأسماع.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
نسأل الله ـ تعالى ـ العصمة والسلامة.
هذا، ولعلم صاحب التنقيح بما في هذه الدعوى من الاختلال، وأنها ليست إلا من باب الإرهاب وقعقعة الجدال، الذي لايتم على أولي الألباب، من فحول الرجال، أوردها كالمتبري عنها، حيث قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث.
ولو تم على هذا لكان قد أجمل؛ ولكنه عدل إلى التغرير بإظهار صورة التقرير، فقال: ولاشك أنه وجه ترجيح...إلخ.
ثم ساق في تقويم ذلك التصحيح، بما يعرف ما فيه من عوج كل ذي لبّ رجيح.
وقال: وإن لم يسلم لهم إجماع الأمة، فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر، وأئمة الحديث، على ذلك.
قلت: قد سبق أيضاً ما يرد هذه الدعوى الأخرى المعلومة الفساد، من كلام المؤلف، وكلام حفاظهم النقاد، وما أورد عليهما من الانتقاد؛ دع عنك الأئمة الأعلام، عترة سيد الأنام، وسادات أهل الإسلام؛ فيا سبحان الله! أين مصداق قوله:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتي .... ساداتنا يحيى وقاسمْ
ثم قال: فقد ذكر صحتهما المنصور بالله في كتابه العقد الثمي ن، وذكر الأمير الحسين صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح.
قلت: قد تقدم كلام الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الموجب للرواية عن المخالفين، وأنه قال (ع) في الشافي: وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن واتباعنا من الشيعة. /116(2/116)


وقال (ع) فيه: ونحن لاننقل إلا ما صحّ لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا؛ للاحتجاج عليه، ولم نورد ذلك إلا ومعنا من البرهان عنه ما يكفي ويزيد، تأكيداً.
وتقدم كلامه (ع) في الحشوية والسنية، وأصل تسميتهم بالسنة والجماعة، وتقدم أن الإمام والأمير الحسين (ع) وغيرهما من أئمة آل محمد (ع)، جرحوا رجالاً عليهم مدار إسنادهم في صحاحهم، كالزهري؛ دعْ عنك معاوية وعمراً ومروان والأشعري.
ويالله العجب، من استدلاله على التصحيح باسمهما العَلَم المميز لهما، وهو لفظ الصحيح! وهذا من البطلان بمكان، لايحتاج إلى برهان؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد اعترضه الشارح في التوضيح، فقال: إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا؛ وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقباً لهما في العُرْفِ؛ فإنه لا اسم لهما إلا صحيح البخاري، وصحيح مسلم...إلخ.
وقد قدمت كلام نجوم العترة، وهداة الأمة، وسبق أيضاً التصريح بالقدح في كتابي البخاري ومسلم، المسميين بالصحيح، من إمام الأئمة الهادي إلى الحق، والإمام أبي طالب الناطق بالحق، وغيرهم من سادات الخلق؛ وردّ جميع قرناء الكتاب لكثير من رواياتهما، وروايات المسميين بأهل السنة، بما لاينكره أولوا الألباب؛ وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ لهذا البحث مزيد، وفيما سبق كفاية وافية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وليس يصحّ في الأذهان شيء .... إذا احتاج النهار إلى دليلِ
قال: ونقل عنهما وعن غيرهما المصنفون، كالمتوكل على الله في أصول الأحكام، والأمير الحسين في شفاء الأوام، ولم يزل العلماء يحتجون بما فيهما؛ قال المنصور بالله في المهذب: ولم يزل أهل التحصيل يحتجون بأحاديث المخالفين بغير مناكرة، وهذه أصحّ أحاديث المخالفين بغير مناكرة./117(2/117)


قال في التوضيح: يعني أحاديث الصحيحين.
قلت: بل العمدة على ما وقعت الإشارة إليه في كلام الإمام، ويحتمل أنها أحاديث احتج بها الإمام (ع).
نعم، والحمد لله؛ هذا الكلام الذي ساقه عن الإمام (ع) للاحتجاج، من أعظم الحجج عليه، وقد سماهم الإمام (ع) المخالفين؛ وقد تقدم آنفاً التصريح من الإمام (ع)، أن نقله عن الضد للاحتجاج عليه، وجعله مقابلاً للصحيح، وقد بينا فيما سبق كلامه وكلام أئمة الهدى (ع) في معنى رواياتهم عن الخصوم، كما ذلك معلوم؛ ولعمري إن مثل هذا ليس مما شأنه أن يخفى على مثل هذا العالم.
ولكن..
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
و:
حبّك للشيء يعمي ويصم
[كلام الوزير والأمير في أن سند العترة المحض أصح الأسانيد، ورميهما له بأنه يقلُّ وجوده]
قال: والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا إذا تسلسل إسنادها بهم، ولم يكن بينهم من هو دونهم، أنها أصح الأسانيد مطلقاً.
قلت: وهذا التفات منه إلى مذهب أهل بيته الأطهار، بعد شدة جموح، وكثرة طموح، ولم يحقق النظر، حتى كرّ بالاستدراك ناقضاً لما قدم، وناكثاً لما أبرم، فقال: ولكنه يقلّ وجودها على هذه الصفة.
قال شارحه الأمير: حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي، إمام مذهب الزيدية، حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، وهو: حدثني أبي وعماي ـ ثم ساق حديث الرافضة الذي في الأحكام ـ.
قلت: الله المستعان! أما كان لهذين العالمين مندوحة عن الإظهار لعدم مشارفتهما ـ فضلاً عن إتقانهما ـ لأشهر مؤلفات إمام أئمتهما الهادي إلى الحق، فكيف بمؤلفات غيره من آبائهما وأهل بيتهما سادة الخلق ـ صلوات الله عليهم ـ؟! /118(2/118)


ولقد كان لهما غنية لما هما فيه من الخدمة والعناية، والتصحيح، والتنقيح، والتوضيح، والتعديد، لكل حديث، والتفتيش عن كل مسند، ومرسل، ومعلق، ومعضل...إلى آخر المصطلح الأطول، والبحث على كل مشكل؛ كل ذلك في كتب العامة.
وأما مؤلفات أهل بيتهما، عترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وورثته، وقرناء كتاب ربه وسنته، فهما عنها بمعزل؛ إن في هذا لعبرة لأولي الأبصار.
على أنهما مع هذا الكد والكدح، لم يخرجا عند المحدثين عن دائرة الجرح والقدح؛ لنصهما على تقديم أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وقولهما بفسق من حاربه، وتدينهما بالعدل والتوحيد؛ فهما عندهم من القدرية الرافضة، بل من الغالين في الرفض، كما سبق في التحديد، وهو من الضلال البعيد، والخذلان الشديد، وكل ذلك معلوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
فأقول ـ معتصماً بمن لايزول ـ: مؤلفاتهم ممتلئة ـ والحمد لله ـ بالكثير الطيب، والغزير الصيب، من المسلسلات بالعترة النبوية، والذرية العلوية ـ على أبيهم وعليهم الصلوات والتسليم من رب البرية، من ابتداء الدين الحنيف، إلى هذه الغاية، وإلى انقطاع التكليف؛ فهم قرناء الكتاب الشريف، كما أنبأ جدهم عن الخبير اللطيف ـ.
فمن المعلوم لأرباب العلوم، مسلسلات سيد العابدين، وأسباطه الآل النجوم، منهم: الإمام الأعظم، الذي المجموعان الشريفان قطرة من ذاك البحر، ولمحة من ذلك الفجر، ولايقال: إنها لم تتسلسل الرواية إليه؛ لأنا نقول: ذلك غير معتبر، لاعنده ولاعند غيره؛ إذ المقصود ثبوت المسلسل بالطريق الصحيحة في أي عصر، ولاسيما إن ثبت ذلك في المؤلف الصحيح المشهور، المتداول بين الأعلام على ممر الدهور، ولو اعتبر ذلك لما أثبت المسلسل الذي زعم أنه ليس في الأحكام سواه؛ لأنه إذا أنكر هذه المعلومة، فهو أبعد من أن يقول: إن رواية الأحكام /119(2/119)

134 / 135
ع
En
A+
A-