على البغي.
كذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة علي (ع) في قتالهم، وليس المجتهد المعفو عنه يُقَاتَلُ على اجتهاده، فيُقتلَ، ويُهدَر دمه.
وأما الأحاديث التي تقدمت هذا، فلا تبلغ مرتبتها في الصحة، والشهرة، ولو بلغت لم تعارضها، فإنها دالة على إثم أهل الفتن.
إلى قول الإمام (ع): ثم ذكر ـ أي محمد بن إبراهيم ـ إجماع أهل السنة، أن من حارب علياً فهو باغ عليه، وأنه (ع) صاحب الحق في جميع تلك الحروب؛ وقد ذكر في العواصم كلاماً أصرح من هذا، لفظه:
وأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك.
وقال في موضع آخر ما نصه: بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة ـ وقد تقدم ـ.
وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أهل السنة، دع عنك الشيعة، انتهى.
قال الإمام (ع): والعجب كل العجب من أعلام ممن يرون الحشوية وأمثالهم بعين الرضى، ويتعصب لهم، ويلفق شبهاً يعتذر بها لهم، كما ترى صنيع الوالد محمد بن إبراهيم؛ فإنه بالغ في مدحهم، والثناء عليهم، وتجميلهم، والاعتماد على رواياتهم، والاحتجاج بها على أهله وآبائه، في جميع كتبه.
إلى قوله: وخصيمهم يوم القيامة، رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - الذي وصى بأهله ثلاثاً وقال: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم))، فخلفوه بهذه الخلافة فيهم.
إلى قوله: ولقد تجارى ابن تيمية في كتاب منهاج السنة على أمير المؤمنين بكل قبيح، وعلى أهل البيت وشيعتهم.
إلى قوله: وترى مثل صاحب العواصم يعتمد على قوله من دراية ورواية، ويثني عليه ويمدحه.
إلى قوله: مع أنه يقول: إنه /105(2/105)


على دين أهله، نظماً ونثراً ـ ولاسيما علامتي ساداتنا يحيى، وقاسم ـ فما أحسن قول الشاعر:
إذا صافى صديقك مَنْ تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ!
قلت: وقد نصّ محمد بن إبراهيم الوزير، في كتابه إيثار الحق، أنه لم يطلع على منهاج ابن تيمية؛ وهذه فائدة مهمة، وقد كنتُ أعجب من ثنائه عليه، حتى وقفتُ على هذا، فحمدتُ الله على ذلك.
قال الإمام: ومراده يلفق بين أهله وأعدائهم؛ ومحال جمع الماء والنار، وجمع الموالاة والمعاداة، وجمع الجنة وجهنم؛ فتذبذب، فلاذا تأتى ولا ذا حصل، وقد روي عنه ـ رحمه الله ـ الرجوع عن تلك العجائب.
إلى قوله: فهو الظن فيه، والرجوى.
انتهى المراد.
[كلام عظيم للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير]
قلت: ومن الكلام العظيم، للحافظ محمد بن إبراهيم، قوله: فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب، ولم يشب تصانيفهم شيء من غلو المتكلمين، ولا حط من قدر شيعتهم المتعبدين شيء من بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيء من تكلف المتعصبين، ولا استمالتهم عن المنهاج السوي شبه المشبهين؛ تنزهوا عن غلو الإمامية الجهال، وعماية النواصب الضلال، وهفوات أهل الحديث والاعتزال؛ فهم النمرقة الوسطى، وسفينة النجا، والعصمة من الأهواء، بعد أبيهم المصطفى ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين ـ. انتهى.
قال في تنقيح الأنظار: الحمد لله الذي رفع أعلام علوم الحديث، وفضل العلم النبوي بالإجماع على شرفه في قديم الزمان والحديث.
قلت: وفي الحديثين من البديع الجناس التام.
قال: اشترك في الحاجة /106(2/106)


إليه، والحث عليه، القرابة والصحابة، والسلف والخلف، فهو علم قديم الفضل، شريف الأصل، دلّ على شرفه العقل والنقل، واعتضد الإجماعان عليه من بعد ومن قبل.
قلت: أي إجماع العترة (ع)، وإجماع سائر الأمة.
قال: والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وعلى أهله خير أهل.
قال: وبعد، فهذا مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث واصطلاحات أهله.
قلت: أغلب تلك المصطلحات لابرهان عليه من عقل ولا نقل؛ وما كان معتمداً فقد بين بدليله في علم الأصول؛ ولكن معرفة الشيء خير من جهله، لمن رسخ قدمه، وثبت فهمه، لالمن يقلد أقوال الرجال، فتميل به من يمين إلى شمال، ويكون من دين الله على أعظم زوال.
[من تنقيح الأنظار في أقسام الحديث]
قال: (مسألة في أقسام الحديث)، قَسَّمه الخطابي في المعالم إلى: صحيح، وحسن، وسقيم.
قلت: وقسمه أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى صحيح وهو المقبول، وهو إما معلوم الصدق أو لا.
الأول: صحيح قطعاً.
والثاني: الصحيح منه ما تكاملت فيه شروط القبول، فمنها: ما يكون باعتبار الراوي، وهي التكليف وقت الأداء، والعدالة، والضبط، على اختلاف في العدالة، وهي في اللغة: التوسط في الأمر، وفي الاصطلاح: إتيان المكلف بكل واجب عليه يستحق بتركه العذاب، واجتناب كل كبيرة مصرحة، أو متأولة، وكل /107(2/107)


رذيلة، وهذا على ماهو الحق عند قدماء أئمتنا (ع) وتابعيهم، من رد كافر التأويل وفاسقه، والقول بسلب الأهلية؛ لعموم الدليل، الدال على ردّ المصرح بهما قطعاً، وإجماعاً، نحو قوله ـ عز وعلا ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود:113]، و{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، والمتأوِّل ظالم، وفاسق؛ ولم تصح دعوى الإجماع على القبول، فلا تخصيص كما حقق في الأصول؛ ولأن دليل العمل بالآحاد من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم بالتبليغ، والإجماع على قبول أخبارهم في العمليات، لم يقم إلا على من ذكرنا، وغيرهم مختلف فيه، ولادليل عليه؛ وقد حققت المختار بدليله في الرسالة، الموسومة بـ(إيضاح الدلالة).
ومنها: باعتبار المروي، وهي نقل لفظه أو معناه بإحدى طرق الرواية، المعتبرة في الصحابة ومن بعدهم، متصل السند بالعدل الضابط، أو مرسلة مع معرفة أنه لايرسل إلا عن الموثوق به.
ومنها: باعتبار معناه، وهو ألا يصادم قاطعاً، بحيث لايمكن الجمع بالتأويل، ولا يقبل فيما طريقه العلم إلا مؤيداً لغيره؛ فهذا هو الصحيح المقبول.
وإلى غير صحيح وهو المردود، وهو إما معلوم الكذب ـ ولاشك في ردّه ـ أو غير معلومه، واختل فيه أحد شروط الصحيح؛ إلا أنه إن شهد لمعناه دليل، عمل به لموافقته، وقد أحاط هذا لمن تدبر بما اشترطه أئمة العترة (ع) من العرض على كتاب الله ـ تعالى ـ على ماهو الصحيح من معناه؛ كما قررتُه في فصل الخطاب، وتفاصيل البحث، ودلائله، مقررة في محله من الأصول.
نعم، وتتفاوت درجات الصحيح، حتى يصل إلى المعلوم صدقه، وكذا المردود، حتى ينتهي إلى المعلوم كذبه، كما سبق؛ والمرجحات الصحيحة تفيد الصحيح قوة، فيقدم عند التعارض الراجح منه على ما دونه. /108(2/108)


هذا، ولا مشاحّة في الاصطلاح، ولاحجر فيه، مالم يوجب حكماً يخالف الدليل، أو لايقتضيه.
وما ذكروه من اشتراط السلامة من الشذوذ، والعلة، فنقول: ما كان قادحاً في الصحة، فقد احترز عنه، وما لا، فلا دليل على ذلك.
وقد قال هو في التنقيح: وأما السلامة من الشذوذ والعلة، فقال الشيخ تقي الدين في الاقتراح: في هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لاتجري على أصول الفقهاء، انتهى.
[الكلام على قبول المراسيل]
وما ذكرته في الإرسال فهو الذي عليه أئمة الآل (ع) وأتباعهم، واختاره الكثير من غيرهم، على ما حققه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد ذكرته في ص 215 في التحف الفاطمية ، وقد اختاره صاحب التنقيح.
قال في مسألة الجمعة: صحة الحديث لا تكون إلا بأحد أمرين: إما بالإسناد المتصل بنقل الثقات عن مثلهم من غير علة ـ وهذه أرفع المراتب ـ أو بإرسال مَنْ لا يقبل المجاهيل، ونحوهم ممن هو سيئ الحفظ، المختلف فيهم، بشرط أن يأتي بصيغة الجزم؛ وهذا على الصحيح عندي في قبول المراسيل...إلخ.
وقال في التنقيح: وذهب الزيدية، والمالكية، والحنفية إلى قبول المرسل، انتهى.
وأما قول السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرحه معقباً عليه: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، فإنه صرح بأنه لايقبل المراسيل، ولفظه في خطبة كتاب شرح التجريد ـ ثم أورد بعض كلام الإمام (ع) غير مستوفى ـ./109(2/109)

132 / 135
ع
En
A+
A-