أبي بكر ـ مبني على صحة حكم أبي بكر، من حيث كمال نصاب الشهادة، وتناسيه هو، والإمام أحمد بن يحيى، أن ولاية أبي بكر باطلة لا أصل لها، وإنما هو مُتَغَلِّب.
قلت: وأن المعصومين، ومَنْ قولهم حجة ردّوا حكمه، ولم يصدقوا قوله؛ ولو لم يكن إلا غضب المطهرة، التي يغضب الله ـ تعالى ـ لغضبها، بإجماع جميع الأمة.
قال: والمسألة معقودة على أصول المعتزلة.
قلت: ولقد نقم عليهم معاملتهم لبضعة نبيهم بعض المعتزلة، وحكم بأن فعلهم معها ـ صلوات الله عليها ـ خلاف المروءة، كما صرح به ابن أبي الحديد، وصوّب الشاعر في قوله:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادّعت .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها
فيحق والله، أن يغضب لمن يَغْضَبُ الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لغضبها، كافةُ الأمة المحمدية، فضلاً عن بنيها من العترة النبوية، والسلالة العلوية؛ وغضبها معلوم حتى هجرت الشيخين، وأوصت أن تُدْفن ليلاً، ولا يشهدا جنازتها، ولا الصلاة عليها، وفعل ذلك الوصي - صلوات الله عليهما - وقد رواه البخاري ومسلم، ولاينكره الخصوم، فالحكم الله، والموعد القيامة، كما قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
قال الإمام: وقد عرفت كلام الإمام يحيى (ع) في هذين المهمين، ورجوعه إلى مقالة أسلافه، الذين لايقال لهم إلا ما قاله يوسف الصديق (ع): واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وما حكى الله في آية الاجتباء {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج:78]، انتهى المراد.
قلت: قال السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه: وقد /80(2/80)
ذكر الإمام يحيى بن حمزة في كتاب الانتصار، ترجيح مذهب العترة النبوية، وبالغ في صدر هذا الكتاب في الترجيح، واستوفى أعاريض الكلام، ومدَّ رواق ترجيح الأئمة الكرام (ع).
[ترجيحه (ع) تقليد العترة على غيرهم]
وقال ـ أي الإمام يحيى ـ في كتاب مشكاة الأنوار: المعتمد في تقرير ما اخترنا من رجحان تقليد أهل البيت (ع) على غيرهم من سائر الفقهاء، مسالك نوضحها ـ بمشيئة الله تعالى ـ.
قلت: ومراده بهذا تقليد أفرادهم، وأما إجماعهم، فهو حجة قاطعة، فليس اتباعه بتقليد؛ إذْ هو اتباع للدليل، كما سيصرح به الإمام فيما سيأتي.
قال ـ أي الإمام يحيى ـ: المسلك الأول: ما ورد من جهة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من الثناء عليهم، كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الخبر المشهور: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به ـ وفي رواية: بهما، وفي رواية: بهم ـ لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، وهذا الخبر يدل أن التمسك بالعترة، كالتمسك بالكتاب العزيز.
الخبر الثاني: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى))، فهذا الخبر دال على أنهم كالسفينة، فكما أن السفينة منجاة للأبدان من الغرق، فهكذا أهل البيت منجاة للأبدان من الهلكة.
الخبر الثالث: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كالنجوم، كلما أفل نجم طلع نجم))، فكما أن النجوم يُقْتدى بها في ظلمات البر والبحر، فكذا حال العترة، /81(2/81)
يُهْتدى بهم في ظلمات الشبهة والحيرة.
الخبر الرابع: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كنجوم السماء؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون)).
إلى قوله: المسلك الثاني: أنه قد قام البرهان الشرعي، على أن إجماعهم حجة قاطعة، وإذا كان الأمر كما قلنا، فلا يأمن من قلّد غيرهم أن يكون مخالفاً لهم في إجماعهم، ولايكون آمناً من الخطأ؛ بخلاف غيرهم من علماء الأمة، فهذا أمر غير حاصل في حقهم.
إلى قوله: المسلك الثالث: ما خصهم الله ـ سبحانه ـ من الخصائص الشريفة، في العلم، والورع، والتقوى.
فأما مذاهبهم في الإلاهيات، فمستقيمة، على قانون الحق، في وجود الله ـ تعالى ـ وصفاته الذاتية، ويستقيمون على الطريقة الصحيحة في حكم الله ـ تعالى ـ.
وهكذا القول في مضطرباتهم الفرعية الاجتهادية، وأنظارهم في المسائل الشرعية، لا تخالف أصولَهم فروعُهم، ويعدلون عن المذاهب الغريبة، ويستقيمون على مألوف الشرع، لم يسقط أحد منهم في نظره عن القضايا العقلية، ولا أَخَذَ منهم بنظر غريب في المسائل الخلافية، بل هداهم الله ـ تعالى ـ إلى أوضح الطريق، وأيمن الملل، وأعدلها، وأقومها على الحق، وأوضحها.
ثم ساق في البحث...إلى قوله: وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد التبصرة.
[السند إلى تتمة الشفاء الكبرى وترجمة مؤلفها]
وسبقت الأسانيد إلى تتمة شفاء الأوام الكبرى، للسيد الإمام صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع)، وسبق ذكره مع أبيه في التحف الفاطمية ـ نفع الله تعالى بهاـ. /82(2/82)
قال السيد الإمام في ترجمته: صلاح بن الإمام.
إلى قوله: الأمير العلامة، أبو علي، صلاح الدين.
قال السيد محمد بن الهادي: والسيد صلاح الدين يروي علوم آل محمد، ومجموع الإمام زيد بن علي، عن المتوكل على الله المطهر بن يحيى.
إلى قوله: وذكر في تتمته أنه يروي عن الأمير الهادي بن تاج الدين، عن الأمير الحسين بن محمد.
قال فيه: والتقرير مسموع لي بالسند الصحيح إلى الأمير الحسين، ومن مشائخه: السيد جمال الدين علي بن المرتضى بن المفضل، والسيد يحيى بن منصور بن المفضل، أخذ عنه في علم الكلام.
قال ابن حميد: والسيد صلاح الدين، يروي شرح الإبانة، عن الإمام المطهر بن يحيى.
قال: والأمير صلاح أيضاً يروي سلوة العارفين للجرجاني، عن الإمام المطهر بن يحيى، وكذلك الأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار؛ ويروي كتاب أنوار اليقين عن مؤلفه الإمام الحسن بن بدر الدين، وكذلك يروي الشافي للمنصور بالله، عن الإمام الحسن، عن مؤلفه المنصور بالله.
وروى مجموع الإمام زيد بن علي (ع) عن الأمير الحسين، عن أبيه، عن القاضي جعفر.
قال: وأخذ عنه السيد أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين.
إلى قوله: والإمام محمد بن المطهر، والسيد محمد بن الهادي، وسالم القشيري، مؤلف كتاب الأزهار، وغيرهم، وهو متمم الشفاء.
إلى قوله : قال الإمام محمد بن المطهر: هو السيد الإمام، صلاح الدنيا والدين، طراز سلالة الحسنين، صلاح بن أمير المؤمنين؛ أحيا الله بعمره شرائع آبائه الأطهار، وجدّد به معالم الدين على مرور الأعصار، وجعل الإسلام بأيامه محروس الجوانب، والكفر ببقائه مقهور العواقب.
إلى قوله: وقبره بالبرار (بموحدة، ومهملتين بينهما ألف) /83(2/83)
يماني هجرة الوعلية، لعل وفاته بعد السبع المائة تقريباً.
[سند كتاب الروضة والغدير]
وأروي كتاب الروضة والغدير في تفسير آيات الأحكام، بالسند السابق في آخر أسانيد الشفاء، وفي شمس الشريعة، المتصل بالعترة (ع)، إلى الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى، عن المؤلف الأمير الخطير، محمد بن الهادي بن تاج الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، وقد مرّ ذكره في التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام في ترجمته: الأمير، العالم الكبير، بدر الدين.
إلى قوله: لما طلب منه الإمام محمد بن المطهر أن يجيز له مؤلفه الروضة والغدير، قال ما لفظه:
طلب مني أن أذكر له ما أمكن من أصول سماعاتي، الراجعة إلى هذا الكتاب.
قلت: قال في إجازته هذه: وقد أجبته إلى ما طلب؛ لأنه من معدن الحكمة، وأهلها.
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لاتعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولاتمنعوها أهلها فتظلموهم))، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((العلم لايحل منعه)).
إلى قوله: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن من أفضل العبادة حديث حسن، يسمعه الرجل فيحدّث به أخاه)).
قلت: كذا بغير ألف في ((حديث حسن)) في كتاب القاضي أحمد بن سعد الدين ـ رضي الله عنه ـ ولعله على لغة ربيعة، في الوقف على المنصوب.
قال: كما قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لايشبع عالم من علم حتى يكون منتهاه الجنة)). /84(2/84)