الحمد، شيخ آل الرسول، وإمام فروعهم والأصول، وشمس فضلهم التي ليس لها قفول ولا أفول، يحيى بن أحمد، علمه أشهر من الشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها؛ وما أحقه بقول القائل:
يحيى بن أحمد لولا أن والده
محمد ختم الأنباء كان نبي
وقال في البسامة فيه وفي أخيه:
وشيبتا الحمد شيخانا له نصرا .... وفرقا همماً للضم للبشرِ
وفي الرواية، أن الإمام أحمد بن سليمان، سُئل عمن يصلح للإمامة، فقال: إمامكم الحبر الأبر هذا؛ وأشار إلى شمس الدين.
وكان المنصور بالله قبل قيامه محباً لأن يلي الخلافة أحدهما، وكفى بقول الإمام المنصور بالله في شمس الدين (ع):
يابن علي بن أبي طالب .... قمْ فانصر الحق على الباطلِ
وقوله أيضاً:
يايحيى يابن إمام الناس كلهم .... أنت الذي نوره تجلى به الظلم
ومن شعره فيهما:
شيخان من آل الرسول تشافقا .... وبنوهما سلكوا على الآثار
ومن ترثية الإمام المنصور بالله، في الأمير شمس الدين (ع):
فلو كان يُفْدى بالنفوس فديته .... بنفسي وما أحوي من المال والوفر
وحسبك بهذا. وفي وفاته (ع)، يقول القائل:
ألا إن شمس الدين يحيى بن أحمد .... تقضّت لياليه بشهر المحرم
لست مئين حجة قد عددتها .... وست سنين بعد ذلك فاعلمِ
وعاش من الدنيا ثمانين حجة .... سوا حجة والمرء غير مسلمِ
/540(1/540)
وأخذ عليه جماعة، منهم: عطية بن محمد النجراني، ووالده محمد بن أحمد، ومحمد بن أحمد بن الوليد، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
فهذه مجة من لجة، من أحواله (ع)، وقد استوفاها أرباب السير، وفي التحف الفاطمية زبدة شافية.
قال ابن أخيه الناصر للحق (ع) في الينابيع: فإنه (ع) مضى في طريق بلاد خولان، وفيها شجرة عظيمة، فأصابته فدعا عليها، فاقتلعها الله من أصلها في الحال.
ونحو: كرامات أخيه الأمير بدر الدين، شيخ العترة الطاهرين، والدي، محمد بن أحمد ـ قدس الله روحه ـ.
قلت: وهو كذلك، قد ذكرتُه في التحف الفاطمية مع أخيه في سيرة الإمام المنصور بالله (ع).
ومن كلام السيد الإمام في الطبقات، والقاضي أحمد في المطلع، في أوصافه: هو الأمير الخطير الحجة، شيخ العترة، شيبة الحمد، بقية علماء بني الزهراء، وسيدهم في عصره، الداعي إلى الله أبو عبدالله، محمد بن أحمد، خضعت له العلوم، ونشرت على رأسه ألوية المظنون منها والمعلوم، وعكفت العلماء على بابه، وتشرفت بلثم أعتابه، ومضت به كلمة الشريعة في البلاد، وانخرطت الأمة فيما يقود سلسلة العباد، ورجع إليه الناس مراراً، لأمر الإمامة العظمى، فامتنع؛ لوجود الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
أخذ على مشائخ أخيه شمس الدين السابقين، وتتلمذ له الفضلاء كالإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وابن عمه الأمير علي بن الحسين، وولده الأمير الحسين بن محمد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني، وولده الشيخ عطية، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
وكان سماع الإمام المنصور بالله، والشيخ محيي الدين بن الوليد، سنة/541(1/541)
سبع وتسعين وخمسمائة، بصعدة.
قال الإمام (ع): أخبرنا الشريف الأمير الأجل، السيد الفاضل، بدر الدين، فخر العترة، تاج الشرف، الداعي إلى الله، أبو عبدالله..إلخ.
ومشهدهما بهجرة قطابر، بنيد الصباح، على باب المسجد، عن يمين الخارج منه، الشامي قبر الأمير شمس الدين، ويليه قبر أخيه بدر الدين، ويليه قبر الأمير علي بن الحسين (ع).
قال الإمام في الشافي، في ذكر ولاته (ع)، على مدينة صعدة: ثم الولاة اليوم، شيخ آل الرسول، الداعي إلى الله، بدر الدين وولده تاج الدين؛ فشرفهم وورعهم أشهر من أن تُنْصَبَ عليه البراهين.
وقال قبل ذلك: ولينا مجد الدين قدس الله روحه الطاهرة، من السلالة الطاهرة، من عُرف بالصلاح طفلاً وناشئاً، وكان في أمر الله ماضياً.
وهو في سياق ذكر ولاته في أواخر الجزء الرابع من الشافي.
قلت: وهو الأمير الخطير، بدر العترة المنير، الشهيد الحميد، مجد الدين ـ ويقال له: يحيى بن الأمير بدر الدين (ع) ـ وكان على صغر سنه في منزلة الإمامة، ويكفيك أن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة أشار ـ إنْ حدث به أمر ـ عليه، وأهَّله لمقامه؛ استشهد في سبيل رب العالمين، مع الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين (ع).(1/542)
قال الإمام (ع) في ترثيته:
أمرّ الوجد ماأجرى الدموعا
مصاب الطالبي أبي حسين
فقدناه حساماً مشرفياً
إمام أئمة وشحاك ضدّ
نودّعه ونأمل أن يوافي
وفي المعلوم أن الحشر وعد
مضى قدماً كأن الموت غُنْم
يُهَوِّنُ ما ألاقيه بأن الـ
وأن أخي سخا بالنفس فيه
وأن بني أبي وسراة قومي
فردّوا السيف مثلوماً خضيباً
أيحيى ليت عينك أبصرتنا
فَقدْنَا مِنْكَ بحر جدى وعلماً
سررت بما غممنا منه جداً
تراجعك الملائك كل يوم
ليهنك عيشك الراضي إذا ما
وقد ثأرت بك الإخوان منهم
سلام الله زارك كل يوم
وأضلع من مضاضته الضليعا
حمى أجفان أعيننا الهجوعا
وبحراً زاخراً وحَياً مريعاً
وليثاً خادراً وحماً منيعاً
إلينا في عساكره سريعاً
متى شمنا لغرته طلوعاً
ولم يقصد إلى الدنيا رجوعاً
ـذين سطوا به قُتِلوا جميعاً
مواساة فصار له ضجيعاً
وغرّ صحابتي خاضوا النجيعا
وردّوا الرمح مقصوداً صديعا
لفقدك ليس عن ذلّ خضوعا
وليث شجاعة وندى ربيعا
وجاور شخصك الملأ الرفيعا
كلاماً يشبه الشهد النصيعا
عداتك كان عيشهم الضريعا
فكن لهم إلى الباري شفيعا
ورحمته التي حسنت وقوعا
وغيرها من فرائد قصائد الإمام فيهم جميعاً (ع).
قال في الينابيع، في سياق كرامات والده الداعي إلى الله، بدر الدين محمد بن أحمد (ع): فإنه عند ولادته ـ وكانت في الليل ـ ارتفعت سَبْلُ المصباح، وطالت حتى بلغت السقف.
ومنها: ما أخبرني به الأمير تاج الدين، أحمد بن بدر الدين ـ أدام الله تعالى سعادته ـ قال: حكى لي الثقة العدل المرضي، أنه كان مع الأمير بدر الدين شيخ آل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ، في مخرجه إلى نجران، فبيناه يطهر - وكان بطيء الطهور جداً - إذا بالمطر قد أقبل، فأصابنا، فغرقنا جميعاً، إلا الأمير بدر الدين، فإن الله سبحانه جعل على مكانه حيث تطهر هالة صَحْو كهالة القمر، فما أصابه شيء أصلاً مع بطائه في الطهور، والمطر مستمر، حواليه لاعليه، وهو في العراء والضحاء، إلى أن فرغ من طهوره سالماً.
قال الأمير الفاضل، تاج الدين ـ طوّل الله مدته ـ: فعجبتُ من هذه الحكاية عجباً عظيماً.
ثم وقعت مع الأمير بدر الدين رحمة الله عليه، في مثل هذه الكرامة، /543(1/543)
وذلك أني سلكت معه في طريق الفد حتى انتهينا إلى جبل يسمى عُرَّبَوْصَان، وأصابتنا مطارة عظيمة غزيرة، فالتجأتُ ـ أنا ـ ورجل معي، إلى أصل شجرة بقرب الطريق، فلم تكننا من المطر، بل غرقنا غرقاً عظيماً، إلى أن وقف معنا بجنبها الأمير الكبير، بدر الدين ـ رضوان الله عليه ـ.
قال الأمير تاج الدين ـ خلّد الله عُلُوّه ـ: فأنا أشهد أن المطر حوالينا قاب الرمح أو أكثر، كأفواه القرب، وما أصابنا بعد وقوفه معنا، حتى القطرة الواحدة؛ ببركته ـ رضوان الله عليه ـ.
ومن كرامات الأميرين الكبيرين شيخي آل رسول الله: شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى، ومحمد ـ رضوان الله عليهما ـ: ماأخبرني به الشريف الطاهر، الفاضل العالم، جمال الدين، كعبة الشرعيين، علي بن الحسين ـ أدام الله أيامه ـ، قال: خرجتُ ذات ليلة إلى قبريهما لزيارتهما، وهي في ليلة من ليالي رمضان، فإذا رائحة العود القافلي.
إلى قوله: فإذا بها في قبريهما، دون سائر القبور.
إلى قول الناصر للحق الحسين: وغير ذلك من كرامات أهل البيت (ع). انتهى.
قلت: وقد ذكرت الأمير جمال الدين ومؤلفاته في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، عند تعداد آل يحيى بن يحيى (ع).
وفي طبقات الزيدية ومطلع البدور، في ترجمته: هو الأمير، السيد الفاضل، العالم، سيد المحققين، صاحب اللمع والدرر، إنسان العترة، وسيدهم وفاضلهم في وقته، حليف الآثار، وقرين العلوم؛ واتفق على فضله الزيدية، واعتمدت كتبه؛ وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية ـ قلت: وقد تقدم سندها ـ جمال الدين، كعبة الشرعيين، علمه وزهده لايحتاج إلى ذكر، فذلك أشهر من الشمس السائر، في الفلك الدائر، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)، وقبره يلي قبر الأميرين شمس الدين وبدره من اليمن بلا فصل.
وبيّض لوفاته في الطبقات.
قال السيد الإمام فيها: يروي كتب /544(1/544)