طفوليته إلى وقت دعوى الإمامة طهارة المنشأ، وأنه لم يرتكب قبيحاً ولا محظوراً، ولازايل شرعة الإيمان؛ ثم عرض نفسه على العلماء، فما بقي في العلم بحر حتى سبح في مائه، ولا جو إلا طار في أرجائه، عرف ماعرف أهل العلم وما جهلوا، وبين معاني الكتاب والسنة، ومن اللَّه تعالى في ذلك المنة.
إلى قوله: ولولا إلجاء الضرورة إلى ذكر ماذكرنا، لكرهنا ذلك؛ ولكن فقد قال عمنا يوسف (ع)، لما ألجيء إلى مثل ذلك: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.
فما ترد على من ادعى الإمامة وحاله ماذكرنا؟ أيستحق الإمامة أم لا؟
[نبذة من الشافي في سِعَة علمه وتحدِّيه للبشر جميعاً بالمجادلة]
ثم نقول للأمة جميعاً، ولسائر أهل الكتب، وملل الكفر: هلم إلى الجدال بالتي هي أحسن، فإن لم أُقِم لكم بالبرهان، وأكسر ماأنتم عليه، بما لا تنكرونه من كتبكم، ولا يمكنكم دفعه على مقتضى أصولكم، ولا أحتجب دونكم، ولا أناظر أهل العلم إلا بما يوجبه العلم، ولا أنتضي السيف على من تسلّح العلم.
إلى آخر كلامه.
وذلك من خصائص النبوة؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ولما تكلم في خبر صلاة أبي بكر، في مرض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد روى الإمام بأسانيده عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ماأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي.
وروى عن كامل أهل البيت عبدالله بن الحسن (ع) نحو ذلك، وأن عائشة أمرته، وأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خرج وتقدم.
ثم روى الفقيه روايات معارضة. /515(1/515)


قال الإمام: والجواب: أن الفقيه لم يميز بين مااتصل سنده بعبدالله بن الحسن بن الحسن، المسمى في آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكامل، أول من جمع ولادة الحسن والحسين (ع).
إلى قوله: وكان إذا قيل: من أفصح الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أسخى الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعلم الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعبد الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
فلذلك سمي الكامل.
ثم إن الحديثَ المتصل بزيد بن علي (ع)، الذي تواترت فيه الآثار، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومن علي (ع)، وحديثه من حديث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن العلم بذلك لا يكون إلا من قبل الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ لأنه غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، أو من ارتضى من رسول صلى الله عليهم؛ علّمه مايتعلق به الصلاح ويودعه الرسول وصيه، فيبقى في أهل بيته المصطفين ـ سلام الله عليهم ـ.
وإنما نروي مايكون كالإشارة.
ثم روى بسنده إلى الإمام أبي طالب، بسنده إلى علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ، أنه قال: سيكون منا رجل اسمه زيد، يخرج فيقتل، فلا يبقى في السماء ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا تلقى روحه؛ يرفعه أهل كل سماء إلى سماء، فقد بلّغت؛ يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب الناس، يقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق.
فكيف تجعل سالم بن عبيد وابن شهاب، وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبد الملك، الجبار العنيد؛ وأبا بردة بن أبي موسى ـ أتعجب من الوالد أو من الولد ـ في مقابلة مايرويه عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع)؟
وقد سبق له (ع) مالفظه: نحن حكينا لك ماهو عندنا مضبوط بالأسانيد/516(1/516)


الصحيحة، عن الرجال الذين لايعتقدون حسن الكذب، ولا جوازه، كما ذكرت في خارقتك أئمة العامة في الفقه، وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
إلى قوله: والكل من هؤلاء وإن خالفوا أهل البيت في قليل أو كثير من أقوالهم، لايَعْدِلون بهم من عاصرهم من أهل الدنيا، شرقهم ولاغربهم، ولإسناد أهل البيت (ع) عندهم مزية على إسناد غيرهم.
ثم روى الخبر الذي قال فيه أحمد بن حنبل: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه؛ وهو مارواه الإمام (ع) بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنه دخل نيسابور، وهو راكب بغلة شهباء، وغدا في طلبه علماء البلد.
إلى قوله: فقالوا: بحق آبائك الطاهرين، حدثنا حديثاً سمعته من أبيك.
فقال: حدثني أبي، العبد الصالح، موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، الصادق المصدوق، جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، باقر علم الأنبياء، محمد بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العابدين، علي بن الحسين، قال: حدثني أبي، سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العرب، علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان)).
وقال (ع)، في خاتمة الكتاب: وقد أوردنا من الاحتجاج على أنواعه، واختلاف أوضاعه، من دلالة العقول، وكلام الحكيم وسنة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ودلالة الإجماع، ما إذا نظر فيه الطالب لنجاته كان قائداً له إلى سبيل الرشاد، وحاملاً له على ترك العناد.
قال (ع): روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال في أهل بيته: ((قدّموهم ولا تقدموهم، وتعلّموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
فنسأل الله تعالى البصيرة المؤدية إلى سبيل السلامة، الذائدة عن مورد الحسرة والندامة؛ والصلاة على محمد وعلى آله.
انتهى المختار إيراده هنا من كلام الإمام؛ وهو كاف شاف للسقام، في كل /517(1/517)


مقام، وكلام الإمام إمامُ الكلام، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام.
ولله قول القائل في جده أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ:
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استطال الشيء قام بنفسه .... وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى أرجوزة أنوار اليقين، وشرحها]
كتاب أنوار اليقين، للإمام الأوحد أمير المؤمنين، المنصور بالله الحسن ابن الداعي إلى الله شيبة الحمد بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، التي أعلاها السماع لي فيه، بقراءتي على والدي ـ رضوان الله عليه ـ بطرقه، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام الحافظ، صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، عن شيخه السيد الإمام، محيي علوم العترة الكرام، عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله محمد، عن السيد العلامة صلاح الدين، صلاح بن الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى عن المؤلف الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد، على جميعهم الصلاة والتسليم.
فقد انتهى الإسناد مسلسلاً بأعلام البيت النبوي، وهداة المنصب العلوي، ليس بيننا وبين الإمام إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ أنالنا الله من بركاتهم، وأفرغ علينا من أنوار هدايتهم، آمين آمين.
قال الإمام في فاتحة شرح الأنوار:
الحمد لله، الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة، /518(1/518)


معرباً عن حالها، بعجز العباد كافة عن أمثالها.
قلت: وفي نطق لسان الفكرة الاستعارة المشهورة المكنية، حيث شبه الفكرة بمتكلم محذوف، أثبت له النطق تخييلاً، واللسان ترشيحاً.
أو يكون في نطق، استعارة مصرحة تبعية، حيث شبه الدلالة المحذوفة بالنطق، بجامع الإفادة والبيان فيهما، فاستعار لها الفعل وذكر اللسان ترشيحاً.
وإضافته إلى الفكرة إما من إضافة المشبه به إلى المشبه، أو يكون في الفكرة استعارة بالكناية، كما تقدم، واللسان تخييل؛ وهذا واضح كما ذكر نحوه أهل البيان، إلا أنهم مثلوا بنطقت الحال، والإمام (ع)، أتى باللسان؛ والكلام يحتمل زيادة تفصيل لايحتمله المقام.
[نبذة من شرح أنوار اليقين]
قال الإمام (ع): هذا، وقد حكمت عليهم عقولهم وإن لم يسمعوها، وشهدت أفئدتهم وإن لم يفهموها، بأن هذا العالم بأسره، وما فيه من نفعه وضرّه، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه، ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه؛ مع ما يشفع ذلك من اختلاف صوره وهيآته، ونموه ونباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمه وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، ووهائه وقوته؛ فإنّ ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر عليم؛ لأن هذا الاختلاف بعد الاشتراك إنْ حصل بذوات العالم وجب كون ذواته على صورة واحدة، أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة.
هذا، مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدث سواها.
وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة، أو مادة، أو عقل، أو طبيعة، أو غير ذلك من أنواع الترهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديماً أو معدوماً ـ أدى ذلك إلى قدم العالم وهو محال. /519(1/519)

105 / 135
ع
En
A+
A-