سنة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجماعة المسلمين، فهيهات هيهات، لن يصل إلى ذلك.
وقد شاركته فرق الإسلام في الدعوى، فانتفى الاستحقاق إلا بالبينات، وهي البراهين؛ ولن يجد سبيلاً إلى ذلك، وأنى له بذلك، ومن دونه خرط القتاد، وسفّ الرماد، وحزّ الجلاد؟.
إلى قوله (ع): وإن أعجب العجائب ـ وما عِشْتَ رأيتَ العجب ـ أن ضُلاَّل الأمة وشُذَّاذها، صارت تنازع أهل البيت دين أبيهم وجدهم؛ وأهل البيت أعرف بما نزل فيه؛ والعوام تقول: ولد الصانع أعرف من المتعلم سنة؛ ومن أمثال العرب: (تعرفني بضبّ احترشته).
إلى قوله (ع)، في شأن القرآن: نزل على جدنا من فوق سبع سموات، وحكى الحكيم سبحانه أنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخبر بحفظه.
إلى قوله: وكيف يجهل الأمر أهله؟ ويحك، ففي بيت من نزل؟ ومن أين انتشر؟ وفي حجور من ربي؟ إلا في أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وعترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من أُلْهِمُوا غرائبه، وفهموا عجائبه، وعرفوا أوامره ونواهيه، ومجمله ومبينه، وخصوصه وعمومه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ووعده ووعيده، وترغيبه وتهديده، ورسومه وحدوده، وقصصه، وعزائمه ورخصه، ولفظه وإعرابه، وأمثاله وأبوابه، ومايجوز فيه ومالا يجوز، وماوجه الحكمة في إنزاله على ماأنزل، وما المراد به، وما الواجب فيه وبه.
فإن أحببت صحة دعوى هذه الجملة، وصَلْتَ وسألتَ؛ وإن كنت قد عرفت استحالة هذه الدعوى وبطلانها بما أُلْقي إليك، من بغضة الآل، وأُلْهمت من المحال؛ فما هي من أبي بكر ببكر، وإذا لم تستح فاصنع ماشئت.
ويحك، من لك بنقض بيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، حازوا شرف الأبوة، وفازوا بفضل البنوة، فخفض لهم محب جناح المودة ففاز وغنم، وشمخ بأنفه وثنى بعطفه باغض فخسر وندم.
وعلى هذا المعنى وقعت دعوة إبراهيم (ع)، في قوله تعالى حاكياً عنه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي /500(1/500)
إِلَيْهِمْ } [إبراهيم:37].
إلى قوله (ع): وسنبين لك أهل البيت حقاً بالأدلة، التي يعقلها غيرك إن لم تعقلها، ويقبلها غيرك إن لم تقبلها.
إلى قوله (ع) [شعراً]:
أتهجوه ولستَ له بكفؤٍ .... فشرّكما لخيركما الفداءُ
ولكن، وما قولك بضائر لنا، ولا قادح فينا، وقد بقينا على شنأة من هو أطول منك باعاً، وأشدّ ذراعاً، وأحرّ مصاعاً، وأثقف قراعاً.
وكيف يطمع في إزالتنا طامع، ونحن الكلمة الباقية، في عقب إبراهيم الخليل، والثقل من تراث محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الثقيل؟ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقال (ع): وإنما دعونا المسلمين كافة.
إلى قوله: وقفونا في ذلك آباءنا، من لدن علي بن أبي طالب (ع)، إلى يومنا هذا.
إلى قوله: فذلك ديننا، ودين آبائنا (ع)، أدناهم إليّ أبي، وأعلاهم النبي العربي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والوصي ذو البيان المعرب ـ سلام الله عليهم ـ.
إلى قوله (ع): وكان زيد بن علي (ع) أول من سن الخروج على أئمة الجور، وجرّد السيف بعد الدعاء إلى الله؛ فمن حذا حذوه من أهل البيت (ع)، فهو زيدي، ومن تابعهم وصوبهم من الأمة فكذلك، ولم يتأخر عن زيد، إلا الروافض؛ فهم أهل هذا الاسم، والنواصب وهم سلف الفقيه، الذي يمشي في آثارهم، ويعشو إلى نارهم، فما ضروا غير أنفسهم /501(1/501)
.
فأما سند مذهبنا، فقد ذكرناه عن أب فأب، فنعم الآباء.
إلى قوله (ع):
حتى تنحلته نصاً فأفضل ما .... أخذت دينك نصاً عن أب فأبِ
إذا رأيتَ نجيباً صحّ مذهبه .... فاقطع بخير على آبائه النجبِ
فهذا سند مذهبنا، قد أسندناه إلى المشاهير، أئمة هدى، اختصوا بولادة المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكل آبائنا (ع) زيد إمامه؛ لأنه عندنا ـ أهل البيت ـ إمام الأئمة؛ لفتحه باب الجهاد، على أئمة الجور، وقد مدحه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ومدح أشياعه، بما فيه كفاية.
وزيد بن علي، ومحمد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم.
فلما قام زيد بن علي (ع) دونهم على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت (ع) في القيام.
فقال محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، ولن نسلك إلا منهاجه، ولن نقفوا إلا أثره.
[إسناد جملي لمذهب العترة وبيان من هو الزيدي]
وقال [المنصور بالله] (ع): فأما إسناد مذهبنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقول: أخبرني أبي، تَلْقِيْناً وحكاية، على العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب (ع)، بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما، فيمن قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما، واحتذى حذوهما، كزيد بن علي، ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة ـ سلام الله عليهم ـ.
واختصت الفرقة هذه من العترة /502(1/502)
وشيعتهم بالزيدية، وإلا فالأصل علي (ع)، والتشيع له؛ لخروج زيد بن علي (ع) على أئمة الظلم، وقتالهم في الدين؛ فمن صوّبهم من الشيعة وصوّبه، وحذا حذوه من العترة، فهو زيدي بغير خلاف من أهل الإسلام.
إلى قوله مخاطباً لصاحب الخارقة: فأين تغدو بفرقة قد استولت على كثير من أقطار الإسلام، وعمرته علماً ورجالاً، وجدالاً وقتالاً؟.
نعم، المفقود في أيام محمد بن إبراهيم (ع) من إخوانك الجنود العباسية مائتا ألف مقاتل، ماأفناهم إلا رجال الزيدية، وكم يعدّ لهم من الوقعات مع أئمة الهدى (ع).
إلى قوله (ع): ونحن ننص مذهبنا عن أب فأب، إلى أن يتصل برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وزيد بن علي (ع) أضاف أهل البيت مذهبهم إليه، قالوا: نحن زيدية.
وإنما مرادهم مذهب زيد بن علي (ع)، في الخروج على أئمة الظلم.
فأما الاعتقاد في أصول الدين، فرأي أهل البيت (ع) فيه واحد، لايختلفون في شيء من أصولهم.
ثم ساق (ع) إسناده في ذلك عن أب فأب، إلى أن اتصل بالنبي والوصي، عليهم صلوات الملك العلي.
قال في آخره:
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
إلى قوله:
والله ما بيني وبين محمد .... إلا امرؤ هاد نماه هادي
وأنا الذي عاينتمُ أفعاله .... وكفى عيانكمُ عن استشهادي
/503(1/503)
وقال (ع): وأما قولك: لم يمنعك من محبة أولاده إلا أنهم لم يتبعوه، والمحبة لاتكون إلا بالاتباع، فإحدى المقدمتين مسلّمة أنه لايجب الحب إلا بالاتباع.
فأما أن أهل بيته لم يتبعوه، فغير مسلّم؛ لأنه قد أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنهم يتبعونه، ولا يفارقون كتاب الله إلى ورود الحوض، وأنهم سفينة نوح العاصمة؛ وهو عندنا أصدق من الفقيه، ومن غيره من الخلق، وإن كانت لفظة (أفعل) لا تستعمل بينهما.
قلت: أي على الحقيقة في التفضيل، كما لايخفى.
قال (ع): وقد صرتَ تزاوج بين الجهلين، فانظر نتيجة الجهل ماهيه؛ لأنك قلتَ: مامنعك من حب أهل البيت إلا أن المتأخرين منهم لم يتبعوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
واتباع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عندك الثبوت على مقالتك الفاسدة؛ فهذا بناء جهل على جهل.
المتأخر من صالح أهل البيت (ع) لم يخالف الأول، ولا يخالفة إلى انقطاع التكليف، بشهادة الصادق المصدوق، خلاف قولك قد بينا، وقد رأيت الإسناد الذي حققنا لك، عن الطاهرين الناشئين في حجور الطاهرات؛ لأنا نعرفهم جملة وتفصيلاً، وتفصيل أقوالهم، ومبلغ أعمارهم، وعلل موتاهم، وأسباب قتلاهم، ومواضع قبورهم، وأولياهم في كل وقت، وأعدادهم في كل وقت، إلى يومنا هذا.
[نبذة من الشافي في إحاطة المنصور بالله (ع) بالعترة، وانحصارهم إلى وقته]
قلت: وهذه فائدة كبرى، ومهمة عظمى، في انحصار العترة الطاهرة إلى زمن الإمام فضلاً عمن سبقه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فما نقل من إجماعهم تواتراً كما في مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون له حكمه، وهو دليل قاطع فيما يصح أن يستدل به فيه، وذلك فيما لم يكن حجية الإجماع مترتبة عليه.
وما نقل آحاداً ككثير من المسائل العملية، فله حكمه في الاستدلال به، على7 ماتقبل فيه الآحاد.
ومن خالف ما علم من إجماعهم فلا اعتبار به؛ لسبق الإجماع له، وذلك واضح ـ بحمد الله ـ.
وهذا ردّ على من زعم أنهم لاينحصرون، محاولة لإبطال حجة اللَّه تعالى على عباده، وإطفاء لنوره المبين في خلقه وبلاده؛ وحاشا الله أن ينصب لنا أدلته المعلومة، وحججه المرسومة،/504(1/504)