عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقوله لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني))، وكقوله: ((علي مني وأنا منه))، وكقوله: ((أوحي إلّي في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))، إلى غير ذلك مما رويناه مسنداً ومرسلاً، ومبيناً ومجملاً؛ فهذا تقديمه بالقول.
وأما بالفعل فإنه لم يولّ عليه أحداً قط، وقد ولى على أبي بكر وعمر وعثمان غير مرة، ولاينكر ذلك أحد من علماء الأمة؛ وما بعثه في جيش ولا سرية إلا وهو أميرها، يأمر بطاعته، ويحذر عن مخالفته، وهو صاحب رايته في كل زحف، حتى سأله جابر بن سمرة: يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟.
فقال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب)).
وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه، وقال: ((لايبلغها أحد عني، إلا أنا أو رجل مني)).
وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه، دون غيره، بنص ربه؛ لأنه لايفعل من تلقاء نفسه؛ إن هو إلا وحي يوحى.
وآخى بين أصحابه وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة)).
وزوجه ابنته فاطمة، ابنة الوحي، بأمر اللَّه تعالى، سيدة نساء العالمين، مع كثرة خطّابها.
إلى قوله: فانتظر أمر الله فيها، فأمرهيزوجها من علي (ع)، بعد أن عقد بها في السماء، بأمر الملك الأعلى؛ فلها عقدان: عقد سماوي، وعقد أرضي.
وقال لفاطمة في حديث طويل: ((زوجتك أعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً)).
ولم ينقم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله ولا فعله مدة حياته؛ بل أنكر على من شكاه في فعله، كخالد بن الوليد، ورسوله أبي بريدة، وقال له: ((مالكم ولعلي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة)).
ولما تمم ماأمره به ربه من /495(1/495)
النص على إمامته، والإشارة بخلافته، نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3].
هذا غير ماكان في حال صغره، فإنه في حال ولادته، غسله وسماه، وفي حجره المبارك رباه.
إلى قوله: وهو كشّاف الكرب عن وجه رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
[نبذه من الشافي في فضائل العترة ووجوب التمسك بهم]
ثم خصه الله بالذرية الطيبة، المباركة الزكية، التي ملأت البلاد، مشاهد ومعاهد، وعلوماً وفوائد، فظهرت علومها، ورجحت حلومها، وصدقت كراتها، وظهرت آياتها، ومدحها ـ من الأكابر والأفاضل، دون الأسافل والأراذل ـ وليّها وعدوّها.
إلى أن ذكر (ع) ولاية الحرمين المطهرين ـ زادهما الله على مرور الأيام شرفاً ـ وأنهما تحت ولايتهم ذلك العصر.
قال (ع): فأحكامهم ماضية فيهما بما يسر صاحب بغداد تارة، ويسوؤه أخرى، وإظهارهم لأذان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الذي ورثوه عن سلفهم، وأجمع عليه آباؤهم، بحي على خير العمل، مع كراهة من تحنبل.
ثم ذكر ـ صلوات الله عليه ـ المباحث المهمة، والعلوم الجمة، في طرق كتب الإسلام، وروايات الأنام من جميع الأمة، والبيان لحجج اللَّه تعالى من الكتاب والسنة، وتعداد فرق الأمة من جميع الطوائف، وما عليه كل فريق من موالف ومخالف.
وقال (ع)، بعد أن ساق البراهين على وجوب اتباع أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ من الكتاب والسنة، حتى انتهى إلى طرق أخبار التمسك مانصه: فهذه كما ترى أخبار متظاهرة، مما روته العامة، ولم تتناكر فيه، ولااختلفت معانيه، وقد تكرر لفظ العترة، وأهل البيت، وبينا مَنْ هم بدلالة الكتاب في آية التطهير، وأحاديث الكساء والبرد المتكررة المتظاهرة؛ إذْ هم موضع الحجة على الأمة، لمكان العصمة، وإيجاب الرجوع إليهم في المهمة، كما يرجع إلى الكتاب في الدلالة.
وهذا نصّ صريح يأمر به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كل من شملته لفظة الإسلام؛ /496(1/496)
فمن كان من المسلمين لزمه الاقتداء بالثقلين: الكتاب والعترة، ولايلزم أهل بيته الاقتداء بأحد؛ لأن الوصية بالتمسك بأهل بيته، والأمر بذلك لأمته؛ فهو أمر بالاقتداء بهما، إلى آخر أيام التكليف؛ لأنه قيّد التمسك بالأبد، وجعل مدة اجتماعهما إلى ورود الحوض عليه، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وهذا الأمر منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بأهل بيته (ع)، عام لكل أهل الإسلام.
وهو أيضاً واجب يدل على وجوبه قُبْح تركه؛ لأنه (ع) قال: ((ماإن تمسكتم به لن تضلوا))، فجعل ترك التمسك بهما هو الضلال.
قلت: لأن منطوقه صريح بنفي الضلال عن المتمسك؛ وترك الضلال واجب، فيجب التمسك الموصل إلى القطع بنفيه قطعاً؛ إذ لاطريق إلى ذلك سواه.
ومفهومه، أن ترك التمسك بهما ضلال، وهو قبيح بلا إشكال، وأيضاً، التمسك بالكتاب واجب قطعاً؛ وقد قُرِنُوا به، فيكون حكمهم كحكمه.
وأيضاً، قد جعلهما خليفتيه؛ وللخليفة ما للمستخلف بلا خلاف، وإلا فلا معنى للاستخلاف.
وأيضاً، المقام صريح ضروري في هذا المقصود، فالمناكرة فيه باب من التكذيب والرد والجحود.
قال (ع): فصار ترك هذا الأمر قبيحاً، فعلم وجوبه بقبح تركه، وهو شهادة الصادق بنفي الضلال مع الاتباع، والاحتراز من الضلال واجب؛ لأنه دفع ضرر عن النفس، فوجب لوجهي الوجوب من العقل والسمع؛ فما بقي لمعتلّ علّة.
إلى قوله (ع): فقد صار الخبرالوارد بإجماع كافّة أهل الإسلام، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((افترقت أمة أخي موسى إلى إحدى وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وافترقت أمة أخي عيسى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار)) بياناً عن الفرقة الناجية من أمته، وهي التي تمسكت بالثقلين: كتاب الله، وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - انتهى، /497(1/497)
.
وقد رتب (ع) هذه المباحث على فصول:
فصل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
ثم فصل في معنى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
ثم فصل في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خلفت فيكم الثقلين)).
ثم فصل في أن علياً (ع) أول من أسلم، وأول من صلى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في أن علياً (ع) وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في الكناية عن أمير المؤمنين (ع)، بلفظ الخلافة، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولما ساق الأخبار الواردة في ذلك قال (ع): فهذه الأخبار الواردة.
إلى قوله: تصرّح بلفظ الخلافة له ـ (ع) ـ بلا ارتياب؛ فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الإنصاف؛ فما بعد لفظ الخلافة بيان يُلْتمس، ولا منار يُقْتَبس، ولا دليل يُسْتَفاد، ولا علم يُسْتَزَاد.
إلى قوله (ع): فإن في ذلك تنبيهاً للغافل، وعبرة للعاقل، ونفياً لكل شك مريب، عن كل كَيّس أريب، وتبصرة وذكرى لكل عبدٍ منيب..إلخ.
ثم فصل في ذكر يوم غدير خم.
ثم فصل في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
حتى قال (ع): وقد ذكرنا الأخبار الواردة في هذه الآية، وأن المراد بها علي بن أبي طالب (ع).
إلى قوله (ع): فقد اتفقت الخاصة والعامة، /498(1/498)
على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته ـ (ع) ـ ووجوب خلافته، عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)؛ فهو الولي النافذ التصرف في الأمة.
إلى قوله (ع): وعيّنه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة إشارة متفقاً عليها، من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية ماثبت لله تعالى ولرسوله، على كافة خلق الله تعالى، كما ثبت لله تعالى ولرسوله.
ثم فصل في قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
ثم عقّب ذلك بحكاية المذاهب، وبيان كل فريق من موال ومناصب.
إلى قوله (ع)، بعد ذكر القائلين بدين آل محمد - صلوات الله عليه وآله - في التوحيد والعدل: من التابعين فمن بعدهم، من علماء الأمصار، في جميع الأقطار، من الحرمين الشريفين: مكة، والمدينة؛ والمصرين الكبيرين: الكوفة والبصرة؛ واليمن والشام.
واعلم أرشدك الله تعالى، أنا لم نذكر من ذكرنا وتعنينا بتعدادهم؛ لأنا ندعي أنهم أكثر ممن خالفنا، بل المخالفون لنا أكثر أضعافاً؛ وإنما جعلنا ذلك في مقابلة قول الخصم: إنه صاحب السنة والجماعة.
[نبذة من الشافي في معنى السنة والجماعة الصحيح]
فأما السنة، فهي لاتفارق الكتاب، والكتاب لايفارق العترة، بنصّ الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي لايحتمل التأويل.
وأما الجماعة، فأي جماعة مع من خالف ذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن علماء الأمة من ذكرنا؟
إلى قوله (ع): فكيف يصح للمخالف دعوى الجماعة فيما هذا حاله، أو السنة في خلاف العترة؟!.
وإنما هذا كما بينا، أن معاوية لما ظهر الأمر، واضطر الحسن بن علي ـ (ع) ـ إلى الموادعة سمى ذلك العام، عام الجماعة، وهذا معلوم للعلماء منا ومن خصومنا.
إلى قوله: فانظر إلى هذا الأصل، ما أضعفه، والأسّ ما أوهاه.
وأما إضافة مقالته إلى /499(1/499)