ثُمَّ كان في اليمن القرامطة، أفلم يكن الأجدر أن تنسب الفساد إليهم؟ ثُمَّ كان في اليمن الباطنية والمطرفية، أفلم يكن الأجدر أن تنسب الفساد إلى أهله لو أنصفت؟ فما أشبهك بسلفك من الخوارج الذين قاتلوا علياً وتركوا معاوية!! ثُمَّ قاتلوا الحسن ثُمَّ تركوا يزيد!.
وهذا كتاب (حقائق المعرفة) لو عرضته على كتب الهادي والقاسم وأسباطهما لوجدته موافقاً لها.
وهذا السيد حميدان(1) من أهل البيت من الزيدية في اليمن يرد على المعتزلة في مجموعه، وكذا الإمام القاسم بن محمد يرد عليهم في (الأساس) في عدة مسائل، وكلامك هذا لاينفق إلاَّ عند العامة ومن لايعرف كتب الأئمة، وكأنك وضعت الشريط للعامة وغَرَضُك التغرير عليهم بالدعايات الكاذبة، ولم ترقب محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته، والله تعالى يقول: {أَمْ يَحْسِبُوْنَ أَنَّا لاَنَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُوْنَ}(2).
* قال مقبل: أهل السنة يصبرون على الشيعة ولايستحلون دماءهم.. ألخ.
__________
(1) ـ حميدان بن يحيى حميدان القاسمي من أعلام الفكر عند الزيدية، له مؤلفات منها المجموع، وهو يشتمل على عدة رسائل في الرد على المعتزلة، توفي سنة (656 هـ).
(2) ـ الزخرف: 80.(1/36)


& والجواب: هذه مغالطة وتغرير فالوهابية لايرون إسلامهم، وقد بلغتنا فتاوى الباز(1) بفساد مناكحتهم لعدم إسلامهم عنده، وعندنا وثائق على ذلك، وأنت تقول في (ص 86) من كتابك(2) فمن الذي أفسد فِطَر اليمنيين وجعلهم متأخرين في العلم؟ من الذي جعل أهل ذِيبين ينادون أبا طَير، وأهل يفرس ينادون ابن علوان، وأهل ذمار ينادون يحيى بن حمزة، وأهل صعدة ينادون الهادي؟ إن كنت لاتعرف فالعامة الآن تعرف، وما عرف أحد العلم من اليمنيين إلاَّ وهو يعلم أنكم الذين أفسدتم الشعب اليمني. انتهى. فقد رمى مقبل أهل البلدان الأربع بالشرك، ورمى علماء الزيدية في اليمن فهم المقصودون بأنهم الذين جعلوهم مشركين.
وقال مقبل في (رياضه ص 141): فقد أصبح بحمد الله المجتمع اليمني يستنكر بفطرته التمسح بالتراب الذي على قبر الهادي رحمه الله، ـ إلى قوله ـ وهم لايدرون أنه لو كان حياً لكان أعظم المنكرين لهذا القبيح، وهل يرضى الهادي رحمه الله أن يكون شريكاً لله {أَمَّنْ يُجِيْبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}(3) انتهى.
فجعل التمسح بتراب القبر شركاً، والوهابية يجعلون التوسل شركاً، والتبرك شركاً، وغير ذلك من الأسباب يُكَفِّرون بها المسلمين، فكيف غالط مقبل بأهل السنة، وهو يعلم أن الوهابية لهم طريقة خاصة في الرمي بالشرك والكفر، فهم يكفرون الزيدية ويستحلون دماءهم وأموالهم، ولو ساعدتهم الظروف لفتكوا بهم، وانتهبوا أموالهم واعتبروها غنائم حلالاً، فليس تَسَتُّره بهذه المغالطة إلاَّ لعدم مساعدة الظروف على الإفصاح بهذا المذهب الخبيث.
__________
(1) ـ يعني عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية.
(2) ـ يعني كتاب رياض الجنة.
(3) ـ النمل: 62.(1/37)


هذا ولايبعد في أسلافهم من المحدثين أنهم يرون كفر العدلية لا لأجل التشيع، بل من أجل قولهم أن المعاصي من العبد، وقولهم: إن القرآن مُحْدَث، وتأويلهم ما يوهم إثبات المكان لله سبحانه، واعتقادهم أنَّه لايشبه المخلوقين لا في الصورة ولا في التركيب، ولا في الكون في مكان ونحو ذلك.
فكيف تقول يامقبل: إنهم لايكفرون الشيعة لتُغَالِطَ بكون التشيع ليس كفراً عندهم؟ وقد حكيت عن وكيع أن من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير فهو جهمي.
أفليس جهم عندكم كافراً، وكذا حكيت في كتابك الذي سميته (رياض الجنة) في الذَّب عن أبي هريرة عن الحاكم ما حكاه عن أبي بكر بن إسحاق في (المستدرك 3/513) حيث قال: وإنَّما يتكلم في أبي هريرة من قد أعمى الله قلوبهم ـ إلى قوله ـ: إما معطِّل جهمي يسمع أخباره الَّتِي يرويها خلاف مذهبهم الذي هو كفر فيشتمون أبا هريرة، ـ إلى قوله ـ: أو قدري اعتزل الإسلام وأهله وكفر أهل الإسلام، ـ إلى قوله ـ: انظر إلى أخبار أبي هريرة في إثبات القدر، ولم يجد حجة تؤيد صحة مقالته الَّتِي هي كفر وشرك.. الخ.
وقد نقلته في (تحرير الأفكار) وأجبت عنه، فليراجعه من أراد الإنصاف ليعرف أن قول مقبل هنا: إن أهل السنة لايُكَفِّرون الشيعة إنَّما هو تغرير وخداع، لأنهم وإن لم يكفِّروا بالتشيع فهم يكفرون بغيره من عقائد الزيدية، إن أردت بأهل السنة أسلافك، فأما أهل السنة الصحيحة فهم أهل البيت ومن معهم وحاشاهم من تكفير الزيدية، لأجل العدل والتوحيد وتنزيه الواحد الحميد، لأنهم شيعتهم وعلى طريقتهم.(1/38)


ولقد أكثر مقبل في شريطه من التضليل والتغرير على العامة ولذلك أجبت عنه بعد أن أعرضت عن شريطه السابق وتركت الجواب عنه، لأن في (تحرير الأفكار) الكتاب الذي هو رد على مقبل رد حاسم فيه ما يكفي، ولكن هذا الشريط لما كان شريط تغرير، والتغرير شيء والمسائل شيء لم يكن بد من الجواب عن هذا الشريط لأجل كشف التغرير، لأنَّه تكلم عن الزيدية بما هو مجرد تغرير ودعاوى كاذبة فلزم الرد عليه. ولانحب الإكثار في مثل هذا ولكن ضرورة الدفاع أدت إليه. وبالله التوفيق.
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
ولاحول ولاقوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
بدر الدين بن أمير الدين الحوثي وفقه الله بتاريخ ليلة الأربعاء 20 شهر جمادى الثانية 1410 هـ.(1/39)


8 / 9
ع
En
A+
A-