وقد روي التحذير من أهل هذا الطريقة الذين يستميلون الناس إلى الباطل بقول كلمة حق من خير قول البرية، فأخرج البخاري ـ وهو إمامكم ـ (ج 8 ص 53 نسخة أصل بلا شرح) عن علي عليه السلام أنَّه قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لايجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )) إلخ الحديث.
فهذا تحذير منهم لئلا يغتر بهم، بسبب أنهم يقولون من خير قول البرية فالحذر الحذر، ولو أنَّه دعى إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الَّتِي يرويها زيد بن علي وجعفر الصادق والقاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب والمرشد بالله والموفق بالله وغيرهم من علماء الزيدية، مع النظر في الرجال في كتاب (طبقات الزيدية) و (الجداول) و (الصحيح المختار) ومع تحرير الفكر واجتناب أقوال المخالفين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين ضَعَّفوا جعفر الصادق، والإمام النفس الزكية، وضعفوا أصحاب أمير المؤمنين وشيعته وأصحاب الأئمة كأبي خالد، وأبي الصلت الهروي، وأحمد بن عامر الطائي، وضعفوا ابن ضميرة وغيرهم، بلا حجة صحيحة إلاَّ التعصب المذهبي كما حققناه في (تحرير الأفكار) فلو دعى مقبل إلى ذلك كانت كلمة حق يراد بها الحق، وقد حققنا الدليل على هذا في (تحرير الأفكار) فليطالعه من أراد الإنصاف.
* قال مقبل: إن الزيدية ليسوا زيدية لأنهم تارة على مذهب الشافعي، وتارة على قول أبي حنيفة، وتارة على قول أبي العباس. الخ.
& والجواب: أن المراد في النسبة إلى زيد بن علي العقائد، فمن كان من أهل العدل والتوحيد والولاء لأمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل البيت والقول بتقديم أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجهاد في سبيل الله ضد الظلمة فهو زيدي، لأن المهم صحة العقائد لا التقليد.(1/31)
فأما قوله أنهم تارة على مذهب الشافعي.. الخ، فهو شأن الاجتهاد واتباع الدليل، أن يوافق المجتهد من وافق ولايتقيد بقول مجتهد آخر في كل مسألة لأن مهمته اتباع الدليل، ومن شك في هذا فليطالع (شرح التجريد) للإمام المؤيد بالله و (الاعتصام) و (الصحيح المختار).
وأما ما حكاه مقبل عن ابن الأمير فلا سماع له، لأنه كلام خصمهم، والخصم لايصدق في خصمه.
وأما الأشعار(1) فليست في مذهب الزيدية جملة، كيف والزيدية منهم الأئمة المجتهدون والعلماء المجتهدون فيهم كثير جداً، وفيهم من يتبع المجتهدين منهم من غير المذهب المشهور.
وكلامه في المذهب الذي يسمي (المذهب) في الفروع الفقهية ليس مما ينتقد على الزيدية جملة، لأنه خاص ببعضهم، وهم الذين يعتمدون المذهب المذكور وأصله مذهب الهادي، والقاسم، ومحمد بن القاسم، والناصر بن الهادي، والمرتضى بن الهادي، ثُمَّ قام بعدهم المؤيد بالله، وأبو طالب، وشيخهما أبو العباس الحسني بجمع نصوصهم وبيان أدلتهم، وقام بعدهم القاضي زيد بن محمد بمثل طريقتهم، ثُمَّ جاء المذاكرون المفرّعون فحققوا ما يتفرع من المسائل على النصوص ويستنبط منها.
__________
(1) ـ يشير المؤلف هنا إلى الأشعار الَّتِي أوردها مقبل في الشريط، وهي من أشعار إسحاق بن يوسف في منظومته الَّتِي استفسر فيها عن المذهب والتي مطلعها: أيها الأعلام من ساداتنا.(1/32)
ولما كان المقصود هو العمل بالأدلة كان الراجح عندهم ما وافق الدليل من عموم أو خصوص أو إطلاق أو تقييد أو قياس، وتخريج أو أحد القولين حيث كان في المسألة قولان. فهذا هو السبب فما كان هو الراجح اختاروه للمذهب وغالبه نصوص الهادي والقاسم، وشاهد ذلك (شرح التجريد) فإنه يذكر المسألة ويذكر أنَّه نص عليها القاسم أو الهادي أو كلاهما ويعين الكتاب الذي نصا فيه على المسألة ثُمَّ يذكر الدليل عليها. ويشهد لذلك أيضاً كتاب (التحرير) لأبي طالب فقد نص فيه على اعتماد نصوص المذكورين من أهل البيت ومن قرأ (الأحكام) للهادي وجد أكثر النصوص فيها، فما شنع به أعداؤهم إنَّما هو تغرير على العامة والقاصرين، ومن بحث عرف الحقيقة. أما قول شاعرهم:
جعلوا المذهب قولاً خارجاً ... عن نصوص الآل فابحث وسَلِ
فهو كذب أو تدليس وتغرير، وما على طالب الحق إلاَّ أن يبحث في (التجريد) و (التحرير) وشرحيهما ليتبين له تغرير مقبل ومن ذكره من أهل التغرير. وبالله التوفيق.
* قال مقبل: كم أوذوا [يعني أصحابه] من أجل الدعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
& الجواب: إن الدعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايقوم ضدها الزيدية أبداً، بل هم يدعون إليها وعلماؤهم يصنفون فيها فلا صحة لما رماهم مقبل به، إنَّما أراد بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مذهب المخالفين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما هذا فكل أهل مذهب يعارضون مَنْ قام فيهم يدعوهم إلى مذهب المخالفين لهم.(1/33)
بل قد بلغ من تعصب أسلاف مقبل أنهم وطئوا بأقدامهم النسائي حتَّى أدَّى ذلك إلى موته، بسبب أنَّه صنف كتاب (خصائص الإمام علي)، وامتنع من تصنيف كتاب في فضائل معاوية، وقال: لا أعرف إلاَّ (( لا أشبع الله بطنه ))، فداسوه بأقدامهم حتَّى أدَّى إلى موته. فلا عجب من مقاومة الزيدية للدعاة إلى مذهب المخالفين لأهل البيت، كابن الأمير، والشوكاني، والمقبلي، لأنهم يعتبرونهم مفسدين، والله تعالى يقول: {وَلَوْلاَ دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(1).
* قال مقبل: لسنا نستغرب الآن إذا قالوا عن الدعاة إلى الله بأنهم عملاء. وكَذَّب القائلين وبالغ في تكذيبهم.
& الجواب: إنَّه يعني بالدعاة إلى الله نفسه لأنَّه ينسب إلى العمالة للوهابية في السعودية الذين يقدمون له الدعم المادي والمعنوي، تقوية له على عمله ليستميل أهل البلاد إلى مذهب الوهابية، والحكم لله العلي الكبير {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}(2).
* قال مقبل: ففيه كتاب اسمه عيون المعجزات فيه أن الشمس قالت لعلي: السلام عليك يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم.
& والجواب: إنا لانعرف هذا الكتاب لارأيناه ولاسمعنا به إلاَّ من مقبل.
* قال مقبل: في كتاب اسمه (سلوني قبل أن تفقدوني) يقول أنَّه سئل رجل أين أفضل علي بن أبي طالب أم أبو بكر؟ قال: علي لأنَّه خلق أبا بكر.
__________
(1) ـ البقرة: 251.
(2) ـ القمر: 26.(1/34)
& والجواب: لم نجد هذا الكلام في الكتاب المذكور، ووجدنا فيه كلاماً آخر حكاية عن الغلاة، فنسبه مؤلفه إلى الغلاة مثبتاً أنهم غلاة، وذاكراً لقول علي عليه السلام: (( يهلك في رجلان محب غال ومبغض قال ))، فهو يعترف أن ذلك القول غلو، وأن الغلو إثم، ولذلك فلا ينسب إلى المؤلف ولا إلى كتابه ذلك الكلام، بصورة أن المؤلف قاله عن نفسه، أو أنه أثبته في كتابه على دعوى أنه حق وصواب، فإذا نسب إلى الكتاب بإيهام هذا فهو تدليس وتغرير، كأن يقول القائل: أحذروا هذا الكتاب فإن فيه الغلو وفي الشرك، مع أن الكتاب لايدعو إلى شيء من ذلك إنَّما حكاه عن الغلاة وبَيَّن أنه لايجوز ولو جاز ذلك لجاز أن نقول احذروا كتاب مقبل الذي سماه رياض الجنة أو الطليعة فإن فيه الغلو، وذلك لأنَّه حكى قصة نسبها إلى عبدالله بن سبأ، فهل هذا حق أم هو تغرير وإيهام باطل؟
* قال مقبل: فمن أفسد فطر اليمنيين، ومن زحزحهم عن العقيدة الحقة، إنهم الذين استوردوا لنا المذهب المعتزلي في القرن السادس أحمد بن سليمان والقاضي جعفر.
& الجواب: إن مذهب المعتزلة تقديم أبي بكر في الإمامة على علي عليه السلام، فكيف تقول هذا وأنت تعلم أن الإمام احمد بن سليمان يعتقد تقديم علي عليه السلام، أما القول بالعدل والتوحيد فهو في اليمن من قبل الإمام أحمد بن سليمان والقاضي جعفر بزمان طويل، كما أن تقديم علي عليه السلام في الإمامة كذلك، فما هذا الافتراء على أئمة الهدى ودعاة الخير؟ ألم يكن الأجدر أن تقول: كان اليمنيون على حب علي عليه السلام وأهل البيت حتَّى خرج المسرف بسر بن أرطأة في دولة بني أمية الَّتِي كانت أساس الفساد وكانت هلكة الأمة على يدي غلمة سفهاء منهم؟(1/35)