، والدارمي من إيران(1)، وأحمد بن حنبل أصله من مرو من إيران(2)، وغيرهم من أسلاف مقبل من إيران.
فلو قلنا: إن الغلو في أبي بكر وعمر وعثمان وسائر مذاهبكم المخالفة لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءت من بلاد الأعاجم من إيران وأفغانستان والإتحاد السوفيتي(3)، لما أبعدنا بل كانت دعوانا هذه أقرب من دعواكم على ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين توارثوا الدين خلف عن سلف، لم ينقطع من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليوم، فكيف ينسب إليهم العدول عن مذهب أسلافهم، والمرء قد يتبع أسلافه حَمِيَّة وتعصباً ولو كانوا على باطل، فأما أن يدَعَ مذهب أسلافه وهو الحق والمفخر في الدنيا والآخرة ويستورد مذهباً خلافه فدعوى ذلك دعاية تمجها الأسماع، وتنفر منها الطباع عند أهل الإنصاف والذوق السليم.
فكيف ادعيت يا مقبل أن الهادي عليه السلام على بدعة وهو من كبار علماء العترة، وأبوه وأعمامه وجده وأخو جده محمد بن إبراهيم القائم بمصر وأبوه إبراهيم بن إسماعيل وأبوه وجده من كبار أهل البيت، والحسن بن الحسن والحسن السبط لم تتخللهم أسرة جهل وانقطاع، بل ما زالوا بيت العلم والدين من زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما قال المنصور بالله عليه السلام:
والله ما بيني وبين محمد ... إلاَّ امرؤ هاد نماه هادي
__________
(1) ـ الدارمي: عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل السمرقندي الدارمي صاحب السنن، توفي سنة (255 هـ)، وسمرقند مدينة في جمهورية أوزبكستان شمال شرق إيران، بينها وبين إيران جمهورية تركمانستان.
(2) ـ إذا كان أصل أحمد من مرو فهي ـ وإن كانت من خراسان ـ مدينة من مدن جمهورية تركمانستان شمال شرق إيران.
(3) ـ يعني من الجمهوريات الإسلامية الَّتِي كانت ضمن الإتحاد السوفيتي سابقاً، وتقع شمال إيران.(1/16)


وقد أورد الهادي عليه السلام أدلته على عقائده في الأصول في كتبه بما فيه كفاية لأهل الإنصاف، وهو إمام زيدية اليمن أولاً، وبعده الأئمة والمجتهدون على طريقته، فكيف تقول: دخل علينا البلاء من إيران؟
* قال مقبل: كان اليمن ديار سنة رحل المسلمون إلى عبدالرزاق الصنعاني.
& والجواب: هذا غير صحيح بل كان اليمن مضطرباً بالخلافات المذهبية والسياسية، فأما وجود عبد الرزاق الصنعاني في اليمن فلا يدل على أن اليمن سنة، لأن عبدالرزاق يروي عن غير يمنيين، ويروي كثيراً عن مَعْمَر الوافد من البصرة إلى اليمن، ولو كان اليمن على مذهبكم لما طلبوا الهادي عليه السلام من الرس إلى اليمن ليطهّر اليمن من الفتن والفساد. هذا إذا أردت بقولك: كان اليمن سنة أنَّه كان اليمن على مذهبكم، فأما إن أردت أنه كان فيه علماء الحديث المحبين لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حباً صادقاً لامجرد الدعوى، الباغضين لأعداء أهل البيت فلا ننكر ذلك. وقد نُسِبَ التَّشيع إلى عبدالرزاق نفسه(1)، كما كان من المحدثين الشيعة: الحارث بن عبدالله وهو يماني(2)، وقبيلة همدان هي القبيلة المشهورة بالتشيع من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وناصرته وناصرت الأئمة من بعده، وروي عن علي عليه السلام أنَّه قال في همدان:
__________
(1) ـ عبدالرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري، ولد سنة (126 هـ)، وهو أحد الحفاظ الكبار، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، ووصفه الذهبي والعجلي وابن عدي ويحيى بن معين بالتشيع، توفي سنة (221 هـ). انظر علوم الحديث ترجمة (27) بتحقيقنا، سير أعلام النبلاء 9/563.
(2) ـ الحارث بن عبدالله الهمداني، من أجل أصحاب الإمام علي، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، وقال غير واحد: أنه كان يتشيع. توفي سنة (65 هـ)، وقد ألف محدث المغرب السيد عبدالعزيز الغماري كتاباً في توثيقه سماه (( بيان نكث الناكث بتضعيف الحارث )) رد فيه على الألباني.(1/17)


وناديت فيهم صيحة فأجابني ... قبائل من همدان غير لئام
إلى أن قال فيهم:
ولو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وقد دخلت اليمن الكتب المختلفة من أهل المذاهب من الشيعة والنواصب، ولكن الزيدية ينظرون في الأدلة ولايزيدهم الإطلاع على كتب المخالفين إلاَّ قوة في عقيدتهم.
وقد غضب مقبل من كتب الشيعة وزعم أن فيها الكفر البواح، وهذا تبرير منه لغضبه، والحقيقة أن غضبه من كتب الإمامية وسماها إيرانية، لأنها تخالف مذهبه، وفي ميزان الذهبي وغيره من كتب أسلاف مقبل حكايات مذاهب كفرية والإثم في ذلك على قائله.
فقوله: الكفر البواح. غير مُسَلّم وإنَّما هو تحامل على كتب الشيعة بسبب نصرتها للتشيع، اللهم إلاَّ أن يكون عند مقبل كتاب لكافر من كفار إيران لانعرفه فالله أعلم، لأن إيران بلد كبير فيه ملل مختلفة فيما قيل.
* قال مقبل: دخل الاعتزال في اليمن.
& والجواب: ما هو الاعتزال؟ تعني العدل والتوحيد فلا معنى لإنكاره، ولايؤدي إلى الشك في الله، وما حكيت عن أبي هاشم هو قوله وحده، وقد رد عليه علماء الزيدية وأبطلوا قوله هذا، وليس نتيجة القول بالعدل والتوحيد.(1/18)


وقد دخلت كتب المشبهة في اليمن وهي الَّتِي تؤدي إلى عبادة غير الله سبحانه وتعالى، لأجل تشبيه الله سبحانه بالمخلوقين، أم تريد بالاعتزال استعمال العقول والتمييز بها بين المحكم والمتشابه، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمكذوب عليه، فالعقل حجة الله على بني آدم، يقول الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لاَتَعْبُدُوْا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ} إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيْراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُوْنَ}(1) أم تريد أن تغرر في محاربة الحق بمجرد الدعايات والألقاب، هذا معتزلي، أو هذا شيعي، أو هذا إيراني، أو هذا رافضي، أو هذا جهمي، تغريراً على العوام وإرجافاً على من لايعرف الأدلة.
والحق إنَّما يُعرف بالأدلة من العقل ومحكم الكتاب والسنة، لا بالإرجاف والدعايات.
* قال مقبل: يقول قائل المعتزلة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة والمعتزلة أبرها وأتقاها )).
__________
(1) ـ يس: 60 ـ 62(1/19)


& والجواب: أنَّه لايعاب مذهب من المذاهب بفعل منكر من أحد رجاله، أو بكذبة يكذبها لأن عيب الفعل والقول على فاعله وقائله لاعلى غيره، والله تعالى يقول: {وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(1)، ولو كان المذهب يعاب بفساد بعض أهله للزم أن يعاب الإسلام ـ صانه الله وأعزه ـ لأن كثيراً من أهله المنتسبين إليه مفسدون، وهذا باطل لايقوله مسلم، فالتحقيق والإنصاف أنه لايعاب مذهب إلاَّ بمخالفة الحق، لابفساد بعض رجاله، فما بال مقبل يحاول إفساد مذهب المعتزلة بكلمة أبي هاشم عن نفسه، أو برواية أحد المعتزلة لحديث: (( أبرها وأتقاها المعتزلة ))، وهو يعلم أن في أهل مذهب مقبل من روى الروايات المكذوبة المذكورة في (ميزان) الذهبي، و (كامل) ابن عدي، وغيرهما مثل ما روى الذهبي وابن عدي عن حماد بن سلمة ـ وهو من أئمتكم ـ فقد روى الذهبي في (الميزان) عن حماد يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء ))(2)، وكذا أخرجه ابن عدي(3) من طريق حماد بن سلمة، وأخرج ابن عدي أيضاً في ترجمة حماد بن سلمة في الكامل ونقله الذهبي في الميزان من طريق حماد بن سلمة: (( إن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه ـ أو قال رجليه ـ في خصره ))(4)، ولفظ حكاية الذهبي: (( قدميه ورجليه في خضرة ))(5)، وكذا رَوَى من طريق حماد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد ))(6)، فهذا في كتبكم وفي حديث أئمتكم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يؤدي إلى الشرك.
__________
(1) ـ فاطر: 18.
(2) ـ الميزان 1/593.
(3) ـ الكامل لابن عدي 2/677.
(4) ـ الكامل لابن عدي 2/677.
(5) ـ الميزان 1/593 ـ 594.
(6) ـ الميزان 1/593.(1/20)

4 / 9
ع
En
A+
A-