وقال النووي في (شرح مسلم 1/103): (( وسموا رافضة من الرَّفض، وهو الترك، قال الأصمعي وغيره: سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي فتركوه )). انتهى. ذكره النووي ذِكْرَ المُسَلَّمِ به، لأنَّه أورده لتفسير الرافضة وهذا هو المشهور في الروايات.
أما ما روي أنَّه [أي زيد بن علي] قال في أبي بكر وعمر: كانا وزيري جدي. فلم تصح الرواية فيه إذ ليس لها سند صحيح، وإنَّما أعجبت بعض المخالفين فقبلوها وإن لم تصح، كما أن مقبلاً لما أعجبته رواية الهادي عليه السلام في الرافضة وفيها: (( فاقتلهم قتلهم الله فإنهم مشركون )) قبلها مقبل واحتج بها في شريط سابق، مع أنه يَدَّعي أنَّه لايقبل حديث الشيعة، ومع أن الذهبي في الميزان اعتبر الحديث في الرافضة ضعيفاً، وضعَّف بروايته تليداً(1)، وقال بعد أن أورد الحديث من رواية داود بن أبي عوف: (( فهذا آفة تليد )). فخالف مقبل إمامَه الذهبي، وقبل الحديث لَمّا وافق هواه.
وأما (كتاب القراءات) المنسوب لزيد بن علي فليس عند الزيدية معتمداً، ولا هو من كتبهم الَّتِي توارثوها، فلا معنى لإطالة مقبل في أبي حيان الذي ليس من الزيدية، ولا كلامه في كتابه الذي ليس من كتب الزيدية، لأنا لاندعي صحته.
* قال مقبل في الزيدية: ليسوا أتباع زيد ولا أتباع علي بن أبي طالب، ولكنهم أتباع أبي الجارود(2).
& والجواب: إن هذا تغرير وتلبيس، فأبو الجارود ليس إمام مذهب، وقد قال مقبل: إن إمام المذهب لابد أن يكون له كتب، فأين توجد كتب لأبي الجارود في بلاد الزيدية؟!.
__________
(1) ـ تليد بن سليمان المحاربي، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، وقال أحمد: كان مذهبه التشيع، وقال العجلي: لابأس به كان يتشيع. قال السيد صارم الدين: وقد قدحت فيه الناصبة. انظر: الفلك الدوار ترجمة رقم (153) (( بتحقيقنا ))، تهذيب الكمال 4/320.
(2) ـ أبو الجارود زياد بن المنذر، أحد أصحاب الإمام زيد، ليس صاحب مذهب.(1/11)


* قال مقبل: إن بعض الزيدية يقولون نحن جارودية.
& والجواب: هذا تغرير منه وتلبيس، لأنَّه يعلم أنهم إنَّما أرادوا أنهم على مذهبه في المشائخ الثلاثة فقط، وليس المراد أنهم مقلدون له، إنَّما المراد أن مذهبهم مذهبه المعروف ـ أي اتفاق المذهب فقط ـ فكيف يغرر ويدعي أنَّه إمام المذهب الزيدي؟!
وخصوصاً والزيدية مختلفون في الثلاثة، ليسوا كلهم جارودية، فكيف جعلهم كلهم جارودية؟ وجعل أبا الجارود إمام مذهبهم جملة؟
فأما قوله: ليسوا أتباع زيد ولاعلي فقد رماهم بأعظم من هذا تصريحاً، فقال بأنهم ليسوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل رمى الجمهور منهم في اليمن بالشرك، حيث قال: مَن الذي جعل أهل ذيبين ينادون أبا طَير، وأهل يفرس ينادون ابن علوان، وأهل ذمار ينادون يحيى بن حمزة، وأهل صعدة ينادون الهادي. انتهى. ذكره في كتابه الذي سماه رياض الجنة ( ص 86 الطبعة الأولى)، هذا كلامه فيهم وغيره مما قاله فيهم في كتبه وأشرطته، حتَّى قال في شريط سابق: إن له كتاباً يدعو فيه إلى إخراجهم من اليمن، أظن اسمه: (إيقاظ الفطن لإخراج الروافض من اليمن) وهو حقيق أن يُسَمَّى: (إيقاظ الفتن) لأنهم لو حاولوا العمل به لأيقظوا الفتنة، وهو يدَّعي أنهم الرافضة.
فأما إبطال كلامه فيهم فهو يتبين من قراءة كتبهم ومعرفة أدلتهم كما ذكرناه سابقاً، ففيها ما يبين أنهم أهل القرآن والسنة وأنهم هم شيعة علي عليه السلام الموالون له المتبعون له، وأن مذهبهم مذهب زيد بن علي في العدل والتوحيد والإمامة والخروج على الملوك المفسدين في الأرض وغير ذلك من المسائل العلمية.
* قال مقبل: أتدرون ما معنى جارودية؟ معناها أنهم يرون سب أبي بكر وعمر وسب الصحابة!!
& الجواب: قوله وسب الصحابة كلام كذب، لأن معناه سب الصحابة جملة فهو كذب على الجارودية وعلى أبي الجارود ولا أساس له من الصحة.(1/12)


وأما قوله: سب أبي بكر وعمر، فقد كتبت رسالة في الفرق بين السب وقول الحق لغرض صحيح لا لمجرد الذم، فليطالعها من أراد التحقيق، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِيْنَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِيْنَ}(1). وهذه الآية قد دخل فيها أمر الصحابة قبل غيرهم، وتناول الأمر فيها الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فليس لأحد أن يدعو إلى كتمان الحق في شخص منهم بدعوى أنَّه إذا قال الحق فقد سب الصحابة، أو روى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فقد سب الصحابة بزعم شيعة معاوية، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِيْنَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الَّلُهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}(2).
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كتم علماً مما ينتفع به ألجمه الله بلجام من نار ))، فقول مقبل في الجارودية: يرون سب أبي بكر وعمر. قول غير مسلم.
* قال مقبل عند ذكر الجارودية: تسرب البلاء إلينا من إيران.
& الجواب: هذه دعوى بلا حجة، وقد نسب القول بوصاية أمير المؤمنين إلى ابن السوداء وأنه أحدثه في زمان عثمان، ذكر ذلك مقبل في كتابه المسمى (رياض الجنة)، وذكر في حاشيته أنَّه يهودي من صنعاء، وهذه دعوى لاصحة لها أيضاً.
__________
(1) ـ النساء: 135.
(2) ـ البقرة: 159.(1/13)


والتحقيق أن الخلاف وقع ـ في أبي بكر وعمر ـ بسبب أنهم لما اثبتوا إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا فيمن تقدمه، فمن العلماء الزيدية من توقف فيهم وقد حكم بأنهم أخطأوا، ومنهم من قطع بإثمهم. ومن المتأخرين من يتأول لهم، وذلك كله لاختلافهم في الدليل على إمامة أمير المؤمنين أهُو نص جلي لايعذَر المخالفُ له لوضوحه، أم هو ظاهر يحتاج إلى نظر وتأمل؟ فلا يقطع بإثم المخالف له إذا لم يعلم معناه، ولكن هل يعذر في التَّقصير في النظر أو لايعذر، ومنهم من تأول لهم أنهم قد فهموا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكنه يرى أنهم تأولوا ذلك على أنَّه رأي دُنْيَوي يجري مجرى تدبير الحروب لاحكمٌ شرعي.
ولسنا بصدد الترجيح بين الأقوال فإن الله تعالى يقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَتُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1)، والمهم أن يعرف المنصف أن الزيدية أخذوا مذهبهم عن الأدلة لامن ابن السوداء ولا من إيران.
ونقول لمقبل وأضرابه كما قال نبي الله يوسف عليه السلام: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}(2) لما قالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}(3).
فنقول: معظم أئمة مقبل من إيران ولكن البلدان لادخل لها في تصحيح مذهب ولا في إفساده وإنَّما العمدة الدليل، فلينظر المنصف كتب الزيدية وأدلتهم فيها ليعرف أنهم اعتمدوا الأدلة لا ابن السوداء ولا إيران ولا أبا الجارود.
__________
(1) ـ البقرة: 134.
(2) ـ يوسف: 77.
(3) ـ يوسف: 77.(1/14)


وقلنا: معظم أئمة مقبل من إيران، لأن إمامه ابن المبارك من إيران(1)، والبخاري من إيران(2)، كما هو مذكور في ترجمة الدارمي في أول سننه أنَّه من أهل خراسان وخراسان من إيران(3)، ومسلم من إيران من نيسابور(4)، والنسائي من إيران(5)، وابن ماجة من إيران(6)، ويحيى بن معين من إيران(7)، وأبو حاتم الرازي من إيران(8)، وابن عدي من إيران(9)، وابن خزيمة من إيران(10)، وأبو زرعة من إيران(11)
__________
(1) ـ ابن المبارك: عبدالله بن المبارك بن وضاح المروزي المتوفى سنة (181 هـ)، والمروزي نسبة إلى مرو الشاهجان من بلدان خراسان شمال شرق إيران.
(2) ـ البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصَّحيح المتوفى سنة (256 هـ)، وبخارى من مدن خراسان شمال شرق إيران وهي الآن من مدن جمهورية تركمانستان.
(3) ـ خراسان بلدان واسعة بعضها في إيران وبعضها في دول آسيا الوسطى شمال شرق إيران.
(4) ـ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الصَّحيح توفي سنة (261 هـ) ونيسابور من مدن إيران تقع شمال شرق إيران.
(5) ـ النسائي: أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة (303 هـ)، والنسائي نسبة إلى نسأ بلدة بخراسان شمال شرق إيران.
(6) ـ ابن ماجة: محمد بن يزيد الربعي القزويني صاحب السنن المتوفى سنة (283 هـ)، وقزوين مدينة من مدن إيران تقع شمال غرب إيران.
(7) ـ يحيى بن معين بن عون بن بسطام بن عبدالرحمن المري الغطفاني توفي سنة (233 هـ)، لم أجد ما يدل على أنَّه من إيران ولامن الدول المجاورة لها شرقاً وشمالاً والمعروف أنَّه ولد ببغداد ونشأ بها.
(8) ـ أبو حاتم: محمد بن إدريس بن المنذر الرازي المتوفى سنة (277 هـ)، والرازي نسبة إلى الري، وهي بلدة كبيرة من بلاد الديلم شمال إيران.
(9) ـ ابن عدي: عبدالله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة (365 هـ)، وجرجان من مدن إيران.
(10) ـ ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري توفي سنة (311 هـ)، ونيسابور من مدن إيران.
(11) ـ أبو زرعة الرازي: عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد الرازي المتوفى سنة (264 هـ)، والرازي نسبة إلى الري، ذكر ذلك ابن السمعاني في الأنساب.(1/15)

3 / 9
ع
En
A+
A-