فلا يجب عندك حب أهل العدل والتوحيد من أهل البيت عليهم السلام، لأنهم عندك مخالفون للسنة، إذاً فلا حب لأهل البيت عندكم لأن مذهبهم المعروف المشهور هو العدل والتوحيد وغير ذلك مما هم مخالفون لكم فيه، وقد شرطتم في حبهم أن يكونوا على مذهبكم، كأنكم قرناء الكتاب وسفينة نوح، فبطل حبهم عندكم ببطلان شرطه!
* قال مقبل: لابد أن يكون لإمام المذهب كتب، وهؤلاء أهل المذهب السائد في اليمن المنتسبون إلى زيد بن علي ليس لإمامهم كتب، لأن المجموع(1) يرويه أبو خالد.. ألخ كلامه في سند المجموع، وبقية كتب زيد بن علي المسندة إليه، قال: ليست صحيحة.
& والجواب: أن كتب الإمام زيد بن علي الصحيحة لايجب أن تصح عند مقبل ولاعند أئمته، وهي عند الزيدية صحيحة، وكلام مقبل في سند المجموع غير مسموع، لأنَّه مبني على أساس منهار، فهو فيه مقلد لأسلافه ومعتمد على روايات خصوم الزيدية المُتَّهمين فيهم، لأن الذين تكلموا في أبي خالد هم المخالفون له في المذهب والعقيدة، المخالفون لما يرويه أبو خالد في المجموع، فهم يبغضونه ويتهمونه فلا سماع لقولهم فيه، لأنهم خصومه، وكذا الرواة عنهم الذين يروون عنهم الكلام في أبي خالد المذكورون في كتاب (الجرح والتعديل) وفي (الكامل) لابن عدي وغيرها، هم خصوم أبي خالد فلا تقبل رواياتهم فيه، لأجل أنهم أعداؤه عداوة مذهب، وقد تَقَرَّرَ أنَّه لايقبل قول الخصوم في خصومهم كما حققناه في (تحرير الأفكار)(2) مفصلاً.
__________
(1) ـ المجموع المطبوع اليوم باسم مسند الإمام زيد بن علي (ع) وهو من أصح كتب الزيدية، وقد أجيب على من شكك فيه أو ضعف بعض رواته بإجابات كثيرة.
(2) ـ تحرير الأفكار أحد كتب المؤلف الموسعة في الرد على الوهابيين.(1/6)
وأما قوله: لابد أن يكون لإمام المذهب كتب، فهذا غير صحيح فيكفي أن يُكْتَب عنه ويُروَى روايات صحيحة ولو لم يكن له كتب، وهذا حيث كان من الأولين الذين قَلَّ في عصرهم تدوين المذاهب في الكتب، فعدم الكتاب لايدل على عدم المذهب.
هذا وأما زيد بن علي فله كتب صحيحة، وروايته في (مجموعه) و(أمالي أحمد بن عيسى) و (أمالي أبي طالب) و (أمالي المرشد بالله) و (أحكام) الهادي و (الشافي) وغيرها من كتب الزيدية تبين مذهبه، والمهم في النِّسْبَة إليه بيان موافقتهِ في العقائد، ولذلك ينتسب إليه الزيدية عموماً المجتهد وغيره، لأن النسبة إليه ليس المقصود بها نسبة التقليد، بل هي نسبة التعبير عن المذهب في العدل والتوحيد والإمامة والخروج على الملوك الظلمة ونحو ذلك.
* قال مقبل في أبي خالد: كذبه أحمد بن حنبل.
& والجواب: لو سلمنا أن أحمد كذبه لما كان حجة؛ لأن أحمد يتشدد على من يخالفه في المذهب، حتَّى كان لايروي عمن أجاب في المحنة(1) وإن كان من أهل مذهبه، فكيف بمن هو مخالف له في العقائد، وأبو خالد يخالفه فقد روى في (المجموع) أحاديث في فضل علي عليه السلام تهدم مذهب أحمد في التفضيل، ونسبتها إلى زيد وآبائه ثقيل على أحمد، فكيف لاينكرها أحمد؟ وكيف لايبغض أبا خالد وهو يخالفه في العقيدة؟ فهو متهم في أبي خالد لو صح أنَّه كذَّبَه، ولأن أحمد بن حنبل ينكر تلك الروايات المخالفة لعقيدته ويعتقد بطلانها وبذلك يَعْتَبِر راويها كاذباً، وهو ظن لاحجة فيه ولايُقَلَّد في قوله المبني على ظنه، مع أن السَّند إلى أحمد غير صحيح، لأنَّه من طريق مَنْ هو مِنْ أعداء أبي خالد المتهمين فيه لعداوة المذهب.
* وقال مقبل في أبي خالد ما حاصله: إن وكيعاً قال: إنَّه يضع الحديث.
__________
(1) ـ المحنة: هي ما تعرض له أحمد بن حنبل من الضرب والسجن حين رفض أن يقول إن القرآن مخلوق.(1/7)
& والجواب: إن هذا غير صحيح عن وكيع، والراجح أن أعداء أبي خالد اختلقوه على وكيع اختلاقاً، ثُمَّ صاروا يتلقونه بألسنتهم حرصاً على جرح أبي خالد، لاعتمادهم على رواية من طريق من هو مجهول، ومن هو متردد بين مجهول ومختلف فيه، لأنهم لايتحرجون عن قبول مثل هذا وإن لم يصح، وذلك لعداوتهم لأبي خالد وشدة حرصهم على جرحه، حماية لمذهبهم في التَّفضيل، ولظنهم أن جرحه مصلحة دينية من حيث أنَّه حماية لمذهبهم.
* قال مقبل في إبراهيم بن الزبرقان(1): إنَّه ضُعِّفَ.
& والجواب: إن المُضَعِّف له مِن خصومه فلا يُسمَع فيه.
* قال مقبل: يرويه عنه نصر بن مزاحم(2) وكان زائغاً عن الحق، وكُذِّب أيضاً.
& والجواب: إن هذه عبارة الجوزجاني الناصبي فقال في نصر: (( كان زائغاً عن الحق ))(3) يعني أنَّه ليس على مذهب الجوزجاني الناصبي، لأن الجوزجاني يَدَّعي أن مذهبه هو الحق، وأن المخالف له زائغ عن الحق، ولكن الدعوى فاسدة، والزائغ عن الحق هو الجوزجاني ومن اتخذه إماماً في الجرح وهو يعلم أنَّه ناصبي مبغض لأمير المؤمنين علي عليه السلام، فويل لأتباعه يوم يُدعى كل أناس بإمامهم.
__________
(1) ـ إبراهيم بن الزبرقان التيمي أحد رواة المجموع وهو عدل ثقة عند الزيدية.
(2) ـ نصر بن مزاحم المنقري أحد رواة المجموع أيضاً وهو صاحب كتاب أخبار صفين وهو ممَّن يوثق بروايته عند الزيدية.
(3) ـ أحوال الرجال للجوزجاني 82 رقم (109). والجوزجاني هذا هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عرف بالنصب ووصفه أهل الحديث بذلك. حتَّى قال ابن عدي: كان شديداً يميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي. وقال الدار قطني: كان فيه انحراف عن علي. وقال ابن حبان: كان حريزي المذهب. وحريزي المذهب نسبة إلى حريز بن عثمان الحمصي من غلاة النواصب. قال ابن حجر: الجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف. توفي سنة (259 هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 2/549، ميزان الاعتدال 1/57، تهذيب التهذيب 10/143.(1/8)
وأما تكذيب نصر فهو لأجل روايته ما يسوء شيعة معاوية وعمرو بن العاص، ولايضر نصراً تكذيبهم فقد كُذِب رسل جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير، وسيعلمون غداً من الكذاب الأشِر.
* قال مقبل: فعرفنا من هذا أن (المجموع) لاتثبت نسبته إلى زيد بن علي عليه السلام ـ يعني من جرح أبي خالد ونصر وتضعيف إبراهيم ـ.
& والجواب: أنَّه لاسماع لذلك لأنَّه من أعدائهم المحاربين لهم في المذهب، المحاربين (لمجموع الإمام زيد بن علي) لما فيه من الحديث في الإمام علي عليه السلام المخالف لمذهبهم، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت أخي ووزيري وخير مَن أخلفه بعدي بحبك يعرف المؤمنون وببغضك يعرف المنافقون، من أحبك من أمتي فقد برئ من النفاق، ومن أبغضك لقي الله عز وجل منافقاً ))(1).
وغير هذا الحديث مما يعرفه مَن قَرأ المجموع، فهو يسبب الحرص عند المخالفين على نفي صحته، وعلى دعوى بطلانه، وعلى بغض أبي خالد، فلا يقبل جرحهم فيه ولافي الراوي عنه إبراهيم، ولا في نصر بن مزاحم.
وقد روى الإمام زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: (( لاتجوز شهادة مُتَّهم ولاظَنِين ولامحدود في قذف ولامجرّب في كذب ولا جارّ إلى نفسه نفعاً ولادافع عنها ضرراً ))(2) انتهى.
وهؤلاء المتكلمون في أبي خالد متهمون لحرصهم على حماية مذهبهم.
* قال مقبل في (نهج البلاغة): إنَّه لايصح من أجل قدح الذهبي في مُؤلِّفِه.
& والجواب: أن الذهبي لا يُصَدَّق في هذا، لأن الرَّضِي شيعي يبغضه الذهبي، ولأن في (نهج البلاغة) ما ينكره الذهبي ويخالف مذهبه، فهو حريصٌ على إبطاله لأنَّه يُروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وذلك ثقيل على الذهبي جداً، فهو متهم فيه، لأنَّه عنده مُنكَر لمخالفته عقيدته، فلا يقبل منه رده لنهج البلاغة ولاتضعيفه للرَّضِي.
__________
(1) ـ مسند الإمام زيد 405.
(2) ـ مسند الإمام زيد 291.(1/9)
وكذا المَقبلي(1)، فالسبب واحد، وهما خصمان للرضي وليسا حجة عليه ولا على غيره من الشيعة، وكيف يكون الذهبي والمقبلي حجة وهما إنَّما اعتمدا على ظن السوء؟ فاتباعهما تقليد لهما فيما عمدتهما فيه سوء الظن، الذي أساسه اختلاف المذهب ومخالفة الرضي لاعتقادهما.
* قال مقبل: ليس مذهب زيد إثبات وصية أمير المؤمنين عليه السلام، واستند في إنكاره هذا إلى دعواه أن زيداً عليه السلام قال لمن أراد منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر: اذهبوا فأنتم الرافضة.
& والجواب: أن هذه الدعوى تدليس من مقبل وتغرير وتلبيس، يوهم بها أن زيداً سماهم رافضة لأجل أنهم أرادوا أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، هذا تغرير وهذا تدليس سلك فيه مقبل طريقة أهل التغرير والخداع من أسلافه، وعدل عن طريقة أهل العلم، لأنه يعرف أن الرواية: أن بعض الشيعة رفضوا زيداً فسماهم الرافضة لأنهم رفضوه، أطبقت على هذا الروايات، وإن اختلفت في ذكر سبب رفضهم لزيد بن علي.
قال الهادي عليه السلام في (كتاب معرفة الله ص 220 من المجموعة الفاخرة): (( وإنَّما فَرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب مَن بايع زيداً ويعاقبهم خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة هذا السلطان ـ إلى أن قال الهادي عليه السلام ـ فلما أن كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم حينئذ زيد: روافض )).
__________
(1) ـ صالح بن مهدي المقبلي اليمني له كتب منها: الأبحاث المسددة في فنون متعددة، والعَلَم الشامخ، والمنار، وقد تعرض للتشكيك في صحة نسبة النهج إلى الإمام علي، وقد أجاب عليه الإمام محمد بن عبدالله الوزير في لآلي الفرائد بجواب مفصل ومستكمل.(1/10)