الكتاب : كشف التغرير |
كشف التغرير
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
عندما تفقد أي حركة ـ سياسية كانت أو فكرية ـ مقومات وجودها تَعْمَد إلى محاولة سحق الآخرين؛ لتبني كيانها على أنقاضهم، لأن أفرادها يشعرون أن عظمتهم تَكْمُن في احتقار الآخرين وتشويههم، إذ لايجدون من المقومات ما يستطيعون من خلاله أن يقدموا للناس أفكاراً ورؤى تجذبهم وتعطيهم القناعة التامة. ولهذا فسلاحهم الوحيد انتقاص الآخرين وتشويههم واتهامهم بالباطل وافتراء الكذب عليهم.
وأصدق مثال على ذلك حركة الوهابيين فإنهم بنوا فكرهم على إلغاء الآخرين فلا يعتبرون لغيرهم إيماناً ولامذهباً، ويعتقدون أنهم محور الحق يدور الحق معهم حيثما داروا. وهذه الحركة منذ أن ظهرت في نجد عام (1136 هـ) استعملت ضد مخالفيها سلاح الإشاعة والتغرير، فإذا تمكنوا من إقناع أنصارهم بكفر مخالفين حولوا الصراع الفكري إلى صراع مسلح، طمعاً في إبادة كل من لايوافقهم، بل بلغ بهم الحال إلى تكفير من لم يحكم بكفر مخالفيهم.
كل ذلك يحدث تحت شعار الدعوة إلى اتباع السنة ومنهج السلف الصالح ومحاربة البدع، علماً بأن أهل السنة غير راضين عنهم بل قد عانوا من إشاعاتهم وتصرفاتهم الهوجاء في تكفير المسلمين والدعوة إلى إلغاء المذاهب الإسلامية بما فيها المذاهب السنية الأربعة، وشنوا حملات شعواء على الأشاعرة الذين هم غالبية أهل السنة.
ولما تمكن الوهابيون من السيطرة على معظم الجزيرة العربية حاولوا أن يبتلعوا اليمن فسربوا دعوتهم إليه بواسطة شخصيات مقربة عند الحكام كالشوكاني الذي كان قاضي قضاة اليمن في عصره، أو شخصيات اجتماعية مرموقة كالحسن بن خالد الحازمي الذي كان من الأسرة الهاشمية التي تحظى باحترام اليمنيين، لكنهم أخفقوا حين تصدى لهم رجال العلم والفكر في اليمن.(1/1)
وما زال الوهابيون يترقبون الفرصة للتمكن من الانتشار في اليمن، فحين انشغل اليمنيون بحروف داخلية استطاعوا أن يسربوا أفكارهم إلى عقول بعض السُّذَّج تحت غطاء التسنن، وساعدت المطامع التي كانوا يقدمونها لأصحاب النفوس الضعيفة ممن يعتنق مذهبهم أو يؤيده على الأقل على ذلك.
وكانت أول أعمال الوهابيين في اليمن بث الفرقة في صفوف اليمنيين بتحريض القحطاني على العدناني والعكس وتشويه الشافعي عند الزيدي والعكس، وبهذا تغلغلوا في أوساط الشعب المسكين المشغول بإصلاح أموره وترتيب أوضاعه.
ولا زال علماء الزيدية والشافعية في اليمن يقفون للوهابيين بالمرصاد فيناظرونهم، ويجيبون على مؤلفاتهم، ويردون على ما يبثونه من إشاعات بواسطة أشرطة الكاسيت.
ولما كانت دعوة الوهابيين تخاطب العوام أكثر مما تخاطب العلماء والمثقفين لأنها لاتملك إلا التزييف والتغرير فهي تسعى إلى بث أشرطة الكاسيت في أوساط العوام وهي محملة بأنواع التغرير والتشويه والكذب على مخالفيهم عامة وعلى الزيدية خاصة.
وفي كل ذلك كان الوالد العلامة بدر الدين الحوثي لهم بالمرصاد فقد ألف كتباً ورسائل كثيرة في الرد عليهم وإبطال حججهم، وحذر من الفُرْقَة التي ينشرها الوهابيون، ودعا إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وهذه الرسالة التي بين يديك هي عبارة عن شريط كاسيت أجاب به الوالد العلامة بدر الدين على أحد مشائخ الوهابيين، رأى بعض الأخوة أن ينقله إلى كتَيِّب ثم قام بعرضه على المؤلف ليصححه فاستحسن أن يبقى على ما هو عليه من سهولة العبارة وبساطتها.
ثم طلب مني الوالد العلامة بدر الدين أن أقدمه للطبع لتعم فائدته، فقمت بمراجعته وتقطيع نصوصه وترقيمها حسب الطرق المتعارف عليها، كما أضفت إليه بعض التعليقات، وأدخلت عليه بعض الجوانب الفنية في شكل إخراجه، وما أضفته في الأصل لتوضيح المعنى جعلته بين معكوفين هكذا: [ ]، ثم عرضته أخيراً عليه فأقره.(1/2)
وأخيراً أسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين، ويجمع شملهم إنه على ما يشاء قدير.
صعدة ـ محمد يحيى سالم عزان
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمدلله وصلى الله على محمد وآله وسلم، وبعد.
فإنه وصل شريط [كاسيت] من تسجيل مقبل فيه تغرير كثير على العامة بشأن الزيدية، فلزم الجواب عنه لكشف التغرير، فنقول وبالله التوفيق:
- جاء في كلام مقبل الذي هو مسجل في شريط قال: المذهب الزيدي مبني على الهيام.
( والجواب: أنَّه قال هذه الكلمة وهو مسؤول عنها يوم القيامة، لأنَّه يُغَرِّر بها على العامة، وهي من الباطل كما يعرفه العلماء العارفون بكتب الزيدية وأدلتهم على مذهبهم، وهذه كتبهم موجودة في بلادهم، وأدلتهم مذكورة فيها.
فكتبهم في الأصول تذكر فيها أدلتهم على العقائد، وذلك في (الأساس)(2)، و (حقائق المعرفة)(3) و (مجموع الإمام الهادي)(4) عليه السلام، و (مجموع الإمام القاسم)(5) عليه السلام وغيرها.
__________
(2) ـ كتاب الأساس في عقائد الأكياس، من كتب أصول الدين عند الزيدية وهو تأليف الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد أحد أئمة الزيدية في اليمن، والمتوفى سنة (1029 هـ).
(3) ـ كتاب حقائق المعرفة من أشهر كتب أصول الدين عند الزيدية، وهو من تأليف الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان أحد أئمة الزيدية في اليمن، المتوفى سنة (566 هـ).
(4) ـ مجموع الهادي، ويسمى (المجموعة الفاخرة) وهو يشتمل على مجموعة كبيرة من كتب أصول الدين للإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، أول أئمة الزيدية في اليمن توفي سنة (289 هـ).
(5) ـ مجموع الإمام القاسم يشتمل على مجموعة كبيرة من كتب الإمام القاسم بن إبراهيم أحد أئمة الزيدية في مصر والحجاز، توفي سنة (246 هـ).(1/3)
وكتبهم في الفقه تذكر فيها أدلتهم في الفقه، وذلك في (أحكام الإمام الهادي) عليه السلام و (المنتخب)(1) و (شرح التجريد)(2) و(الاعتصام)(3) و(الصحيح المختار)(4) وغيرها، وهذه الكتب موجودة يمكن المنصف أن يطلع عليها ويعرف أنهم بَنَوا مذهبهم على أدلة ثابتة لا على الهيام.
فإن أراد مقبل أن الأدلة غير صحيحة عنده فقد غرر ودَلَّس، لأنَّه لا يُشتَرَطُ في صحة الأدلة أن يعترف مقبل بصحتها، وقد أوْهَم أنَّه ليس لهم أدلة يعتمدونها لا صحيحة عندهم ولاعنده، والله المستعان.
فقوله: المذهب الزيدي مبني على الهيام، هذا القول من مقبل تغرير وتلبيس، والبحث والإنصاف يكشف الحقيقة.
* قال مقبل في الشريط: أهل السنة يحبون أهل البيت حباً شرعياً.
& والجواب: أنَّه أراد بأهل السنة شيعة معاوية فهذه الدعوى منه لادليل عليها، وإن أظهر الله الحق في كتبهم فأوردوا فيها بعض فضائل أهل البيت، فليس ذلك دليلاً على أنهم يحبون أهل البيت حباً شرعياً، وقد عارض ذلك حبهم لأعداء أهل البيت، وتعظيمهم لأعداء أهل البيت، هذا بالنسبة إلى أكثرهم.
__________
(1) ـ الأحكام والمنتخب من أهم كتب الفقه عند الزيدية وهما للإمام الهادي يحيى بن الحسين.
(2) ـ شرح التجريد: كتاب في الأدلة على فقه الزيدية، وهو من أجل الكتب، وهو تأليف الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، أحد أئمة الزيدية في الجيل والديلم توفي بآمل سنة (421 هـ).
(3) ـ الاعتصام بحبل الله المتين: كتاب فيه الأدلة على مسائل الفقه عند الزيدية، وقد جمع الأدلة من كتب الزيدية وغيرها، وهو من تأليف الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
(4) ـ الصَّحيح المختار من حديث الأئمة الأخيار، جمعه شيخنا العلامة محمد بن الحسن العجري وهو يشتمل على ما صح عند المؤلف من الحديث المدون في كتب الزيدية.(1/4)
ثُمَّ نقول له: ما هو الحب الشرعي؟ أهو الإعراض عن أهل البيت وتضعيف رواياتهم في الحديث، وتسميتهم روافض وغلاة ومبتدعين، وتضعيف الكثير مما يُروى من فضائلهم، وتضعيف الرواة منهم وعنهم، وترك التعلم منهم، واعتبارهم أهل بدعة؟! أم ماهو الحب الشرعي؟ فإن قال: بل الحب الشرعي حب من كان متبعاً لأهل السنة ـ بزعمه ـ وتَرك المبتدعين، قلنا: فقد جعلت مذهبك هو الحاكم على المذاهب، ولاينجو إلاَّ من وافقك في مذهبك، وعندك يجب على أهل البيت أن يكونوا على مذهبك، وإذا خالفوك فهم عندك أهل بدعة وضلال، ولايجب اتباعهم لأن حبهم غير شرعي، ولابد لك من حجة على هذه الدعوى وإلاَّ فهي عاطلة باطلة، فهل جاء من الله أمر باتباعكم جملة؟ فبيّنْه ولاتجد إلاَّ دعوى مثل غيرك من الفرق المخالفة لأهل البيت الَّتِي تدعي أنَّها على الحق فَتُوجِبْ على الناس اتباعها لأنها بزعمها هي الَّتِي على الحق، وإن أردت أنَّه قد تقرر في مذاهبكم على التفصيل في كل مسألة أنكم على الحق، فهذه دعوى لادليل عليها، لأنكم بَنَيْتم مذهبكم في العقائد على إهمال العقول ومحكم القرآن، وتقديم العمل بالمتشابه والروايات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل رواتكم أهل الصدق، ورواة المخالفين لكم جعلتموهم كذابين أو ضعفاء، وهذه منكم دعوى بلا دليل، ولايقبل قولكم في المخالفين لكم، لأنكم خصومهم تجرّون لأنفسكم، ولايقبل قول خصم في خصمه لأنَّه متَّهَم فيه.
وهذا لأنَّه لانزاع في وجوب اتباع الكتاب والسنة، إنَّما النزاع في المتبِع لهما مَن هو؟ فاتِّبَاعُ السنة عند أسلافكم هو الجَبْر والتَّشبيه وتجويز خلف الوعيد وغير ذلك، فإنكم تسمونه: السنة، ولذلك سمى ابن أبي عاصم كتابه (السُّنة) لما كان في الروايات الموافقة لمذهبكم، وكذا في سنن أبي داود كتاب السنة، وهو الكتاب المشتمل على مذاهبكم المذكورة.(1/5)