لما بلغ التكليف وكمل عقله الشريف ،وتوفي والده رحمه الله تعالى وبركاته عليهم وعليناَ معهم ضرب أكباد المطي بالارتحال الى صنعاء اليمن ليرقا الى درج الكمال، فأناخ مطي سفره، وعزمه بعقوه من استنار بعلماء واستصبح بمصباح حكمته وفضَّله وفهمه إمام أهل الشريعة المحمدية ، وسلطان علماء الحقيقة الربانية ، السجاد في الليالي ،والبكاء في صلواته من خوف الباري ، حاتم بن منصور الحملاني قَدس الله روحه في الجنانَ وحباه بالحور الحسانَ .......عليه كما قال تعالىَ في سورة الرحمن { هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان } في الفقه مدة من الزمان حتى حصل الفائده من فقه أل محمد عَليهم السلآم قدر عشر سنين ، وضرب فايدته فحلق عليه وأقرى فيه برهة من الزمان ،من جملة من قرى على ابراهيم: الشيخ الخضر رَحمه الله تعالىَ وصحب في عرض قرأته فضلأ ذلك العصر ، وأخذ منهم ،وأغترف من بحور علومهم كحاتم رَحمه الله ،ومحمد بن عبد الله الرقمي ، ولابد من نكتة في ذكرهماَ في موضعهماَ انشاء الله تعالى ، لنأخذ من البركة وسطها من أولها الى أخرها إنشاء الله ، وقرى في الفرايض على الشيخ الخضر بن سليمان الهرشي حتى برز فيها على مشايخه ، سمعت من القاضي العالم أحمد بن محمد الشامي رحمة الله عليه ورضوانه قال: ما في الجيل واليمن، أفرض من ابراهيم بن احمد سيماء في الجبر والمقابله ، وسمعته يوماً قال: يمكني أفهم ما في هذه البركة من ارطال الماء بالمساحة ،وطالت صحبته مع الشيخ الخضر ،ولم يفترقا حتى الممات ، حجا معاً سبع سنين ،وتوفي الخضر في البحر ودفن في جزيرة ،وجعل وصية أخاه في الله ابراهيم الكينعي ، وجعل ولاية كتبه اليه ،وهي الآن من جملة تراثه ،واتخذ مدينة صنعاء له وطناً ،لاجتماع العلماء والصالحين فيها ،والجمعة والجما عة ،وتأهل وأولد بناتاً ، الله أعلم بعدتهن ،وسكن في درب الفقيه العالم ، المدرس احمد بن حميد شيخ الأئمة عَليهم السلآم في علم الكلام(1/41)


،وأصول الفقه ،قرى عليه الامام المهدي على بن محمد بن على ،والامام الواثق مطهر بن محمد بن المطهر ، وقرى عليه الامام المهدي بن القاسم في الاصولين حتى فهمهما ،وكان هذا احمد بن حميد أعاد الله من بركاته عالما فاضلاورعا ،يرى لاهل بيت محمد أبلغ مما يرى لنفسه ،ويهش عند رؤيتهم اهتشاش المنهم الضرم ما لم أره في غيره كافأه الله بالحسنى ، حكى لي رحمه الله أنه قرأ سورة { كهيعص } وانتهى الى ذكر الانبياء عليهم السلام ابراهيم الخليل ، واسماعيل ،ويعقوب ،وموسى ،وهارون , وإدريس صَلوات الله عَليهم فارتعش قلبه ،وقال يالك من شرف ، يعظمهم الله ،ويذكرهم عنده ،أوما في معنى هذا فسمع قائلا لا يراه يقول : وأنت منهم ،وأنت منهم . وكان نفع الله به في علم الكلام كعبد الجبار قاضي القضاه ،وفي الورع كعمر وبن عبيد ،وفي ولاءأهل البيت كالصاحب الكافي ،وهذا الدرب المذكور شرف بشرف احمد بن حميد رَحمه الله تعالىَ ،حتى صار غرة المدينة وخلاصة سككها .
وتزوج ابراهيم ــ أعاد الله من بركاته ــ إبنة الفقيه العالم الفاضل الزاهد العابد ربيب ومفسر آية القرآن ، محمد بن احمد ، عرف بالذبياني ، أسكنه الله بحبوحة جنته ،واعاد من بركته ومن بركة ولده الفاضل الزاهد المفسر على بن محمد ،وقف معهم مدة ساكناً في الدرب ،وتعلق بصحبة أخ له في الله تعالى يقال له: الفقيه الفاضل راشد بن محمد ، وخالطه مخالطة حتى قيل : راشد بن محمد الكينعي ، وليس منهم ، فحج البيت العتيق معه سنين ،والخضر رحمه الله متجردين .
الفصل الثالث
في زهده وتركه الدنيا(1/42)


مع الغنا ، فإنه رحمه الله لَما خيل له الاستغناء عن الناس ومشقة الاولاد ،وما لابأس به حذراً من ما به البأس وعلم ما قال (ص) ( أن من الذنوب مالايكفرها إلا همّ نفقة العيال) ، وقال (ص) : الوقوف من العيال ساعة ،والنظر اليهم أحب الى الله من عبادة ألف سنة لايعصي فيها طرفة عين > رواهما: على بن محمد عن: أبيه محمد الرباني ، وفي قوله تعالى { إن من أموالكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } ذكر جار الله الزمخشري في كتاب الكشاف أن النبي (ص) رأى الحسنين يعثران ناذيالهما وهو يخطب الناس على المنبر ،فنزل يرفعهما ويقبلهما ،ويقول : صدق الله العظيم { إن من أموالكم وأولادكم عدواً لكم } . وقيل: يكلفون على الكسب من هنا وهنا . و في بعض التأويل , يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: هذا أكل عياله حسناته . وقال بعض السلف: العيال سوس الطاعة .(1/43)


وحكى لي رَحمه الله تعالىَ قال : ما بعت سلعة مرابحةً ، وربما قلت: يوما لمشتري السلعة تروَّى فربما أن في السوق خيراً منها ، قال لي: يافلان ما علمت مدة تجارتي أني خسرت في بضاعة قط ،ولوشريت في التراب لربحت فيه ،وكان يخالط في تجارته ،ويأخذ برأيه الفقيه العالم الفاضل شديد الورع كثير الخوف والفزع راشد بن محمد بن نسيب رَحمه الله تعالىَ رحمة واسعة وغفرله مغفرة جامعة ولولده الفاضل العالم المثالة في حب الله عبد الله ابن راشد وأعاد من بركاتهما ، وكان هذا راشد بن نسيب من المشهورين في ليله ونهاره في حوايج المسلمين واخوانه في الدين ، أشَّد الناس ورعا،ً وأقلهم طمعاً، وأكثرهم للمسلمين نفعا ،وله من شدة التحرز في الورع ما يخرجنا عن المقصود ،وكان إذا شرا حطبا مشتركا لم يقسمه الابالميزان ،وكان على وجهه نور الايمان ،وفي وجهه رَحمه الله عَلامة عيسة من تحت أنفه الى أسفل ذقنه ،وعلماء اليمن < صعدة > يروون فيه: خبرا عن رسول الله (ص) الله أعلم بصحته ،وصفته [ إشارة ] روي أن عمر بن عبد العزيز رَحمه الله تعالىَ كان يؤخذ له حلة الابريسم بالالوف فلبسها ، فيقول :ما أحسنها لولاخشونة فيها , فلما استوا على ظهر الخلافة زهد في الدنيا ،وكان يؤخذ له القميص البالي ، قيل: بثلاثة دراهم ،فيقول: ما أحسنه لولا لين فيه ،فقيل له : سبحان الله كيف هذا؟ ،تقول بالامس: هذااحسن خشن ،وتقول اليوم: هذاحسن لولا لينه ؟ فقال لي نفس تواقة تاقت الى الخلافة ،حتى أدركتها ثم تاقت الى ماعند الله ثم زهدت فيها ،وأرجو من الله الزيادة .(1/44)


فلما انتهى رَحمه الله في التجارة على هذه الصفة المحمودة ، والسيرة المنقودة ،وجمع مع علمه مالا من حله، وعاد به على اخوانه وأهله، بقصده الحسن وبركة البيت العتيق الراحض للفقر والمحن لخطته عين الرحمة من رب العباد،وأدركته عناية القرب والوداد ،وقرأكتاب الله بالتدبر والخشوع والتفكر والخضوع ، فتنبه من قبل أن الاشتغال بغير هذا أجل وقد كقيناك فتوكل بلسان حاله ،أيها الاخوان فعند ذلك وجل قلبه فطرقه دمع ،ولبس سرابيل أهل الورع وخالط أهل الخوف والعبادة ،وغفل عن اخوانه أهل الشريعة والافادة ،وقلق منه الوضين، واستوحش من كل صديق أمين ،ونظر بعين قلبه ولبابة لبه الى كتاب ربه، فوجد فيه البغية المقصودة والضالة المنشودة، فاقتبس من قبس نار الكليم نوراً، ونظر في كتاب مسطوراً { أنك بالوادي المقدس طوى، وأنا أخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله لاإله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري، إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ، فلا يصدنك عنها من لايؤمن بها واتبع هواه فتردى ... الآية } فأخذ رَحمه الله تعالىَ عصى غنم الهوى وهرول ,واتكل على الله عَز وجلَ , وهش بها على غنم هواه ,ودافع بها عداه ،واتخذها ستره في قبلة الصلوة ،وتعبان حفظ في النوم والانتباه ،وظلاَّ في الحرور ,ودثاراً في اليوم المقرور ،وورقا يقتطف به من ثمراتها ،ويستخرج الماء المعين من سغباتها ،فتارة هي في يده عصى ،وتارة تكون حوله أربعون ذراعا هذه مئارب ابراهيم في عصى غنم هواه ،وعصى موسى الكليم آية من آيات الله تعالى ،ونظر الى قول الله تعالى لنبيه بالقول الحازم، والحتم اللازم: { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبدربك حتى يأتيك اليقين } ونظر الى قوله تعالى: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } وفكَّر في قوله تعالى لنبيه (ص) بالنهي التام، والزجر العام: { ولا تمدَّن عينيك الى ما(1/45)

9 / 50
ع
En
A+
A-