... ... إصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء ليس بمخلد ( في نسخة إبن مخلد )
... ... واصبر كما صبر الكرام فإنها ... نوب تنوب اليوم تكشف في غد
... ... وإذاأصبت بنكبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
هذه جملة من صفة أخلاقه المرضية :
وأما صفة ذاته الزكية
المقدسة بالرحمة والتحية ، فهو من أحسن الناس وجها ،وأتمهم خلقة ،وأقربهم الى الأصفرار والرقة ،ربعة من القوم ،ليس بالطويل ولا القصير ،وكان بنانه الاقلام ترعف بالبركة لمن قصده من الانام بوجه أبيض قد غشاه نور الأيمان وسيماء الصالحين ،قد أحاط بذاته من كل مكان ،صفاقلبه على وجهه يلوح ،ونوافح مسك الحكمة من فِيْهِ يفوح ،رقيق القلب ،ذايب الأطراف ،ذوسكينة ووقار وحياء ما عليه غبار ، سريع المشية ، غير ملتفت إلا الى قصده إذا مشى كأنه راكع من الاطراق ، أوخايف من ضارب الأعناق، إذا خرج نهاراً ازدحم الناس على تقبيل يده ،والتشبث بأهدابه ،والتبرك(1/36)
برؤية وجهه ،وهو يكره ذلك وينفر عنه ، يغضب إذا مدح ،ويقول : يافلان دع هذا لمرء يفرح به ، ويسر إذا نصح ، سمعته يقول غير مرة : ياليت لي مؤدبا ، من رأه بديهة هابه ،وانفتح له قلبه محبة، ويقول الر ائي : من هذا الذي ملأقلوبنا نوراً ،ووجوهنا حبوراً ؟ فيقال : هذا ابراهيم الكينعي ، فيقول الرائي سبحان من يصطفي ويعطي ـ بلسان حال الرائي ــ ، من قبل يده المباركة وجد لها حلاوة ،وعليها طلاوة ،ويود تقبيلها على الدوام ،ما وضع يده على قلب قاس الا رق وانشرح ،ولا على أليم الا سرا عنه ، ولعينيه فتح إذا تلا الكتاب العزيز سمعت في جوفه الازيز ، إذا رأه العلماء تواضعوا لرؤيته ،وعكفوا على اقتطاف ثمرات حكمته ،وإذارىه أبناء الدنيا عافوها، وودوا أن لم يحوزوها من الذلة وألأ نكسار والحياء منه ويقول لسان حالهم : إذاكان هذا عند الله المنزلة العا لية ،وهو في هذه البزَّة البالية ،وسأذكر من رفض الدنيا لرؤيته انشاء الله تعالى ،وإن رآه أهل المعاصي والفسوق أعجمهم القلق، ورشحت أجسادهم بالعرق ،وارتعدت أوصالهم بالفرق ،واستحيوا من الله عند رؤيته ،واضمروا التوبة ، وساء ذكر من تاب على يديه في موضعه انشاء الله تعالى , واقرع القلم بالاختصار ،والمفصل عن الأحاطة بصفاته الغزار لأنها فردوسية ،واجنحتة غرابها طاووسية تستملح ،وبها إلى الخيرات تستفتح ومن بركاته نستفتح ونستمنح وبها إلى معالم الهدات تنصح ، انشاء الله تعالى .
وما أجدره بما قيل :
... ... اني وإن كنت المحب له يقينا ... واصف في حلية الوصفه
... ... ولست أما هنا بمقتدر للعجز مني على بيان صفه
... ... قداعجز الناس وصف غرته ... رويك في السير آية الرصفه
... ... ان تحاذر الكلام قاظية ... ... بموجة الفصل منه مرتشفه
وأما حسبه الطاهر ومنصبه الشتهر :(1/37)
فهو من خلاصة العرت ،وذوي المنا صب والحسب ممن يحمون الجار،ويمنعون الذَّمار،ويكرمون الضيف ،ويغيثون الملم ،هم يقال لهم: بنو الكينعي ذوحصون ومنعة ،ورياسة ،ورفعة ،بلدهم من مغارب ذمار على بريد منها ، من نفاسة أخلاقهم يقال لهم: < عز المغرب> ـ وادي مزارعهم عظيم ،والزرع يأتي فيه كثيف جسيم ،ووطن بمحضري قصبة ذرة بوطن رمح الفارس الباسق ،وزاد ذراعا ونصفا ،وربما لحضتم عناية أزلية كما لحضت حليمة في شاتها ،وبنت شعيب في سقي غنمها
< ناقص صفحة رقم 34 >(1/38)
ومن ذوي البصيرة والعبادة والزهادة ،وأمهم كذلك ولها كلام وفعال في الأيثار للضيف والمساكين على أطفالها ما يخرجنا البسط ، وأخوه محمد رضي الله عنهما من الصالحين العظماء والحكماء الكرماء ،وغير ملتفت الى الدنيا ،زهدَّ أصلي، وطبع ليس بتكلف ، لأنها عنده كلاشيء يذكر ،وأمَّا أخته مريمَ رحمها الله تعالىَ فهي رابعة زمانها ،وسعوانة دهرها ،بلغت من الزهد الغاية ،ومن العبادات النهاية ،بكت حتى عمست ،وصلت حتى أقعدت ،وصامت حتى نحلت ،وخالطها الخوف حتى الموت لما عجزت عن القيام كانت تقول : ياابراهيم طوبي لمن قام ليلةَ قبل الموت ،ولها كرامات تطول وحكايات يرويها ذوو العقول ،وصلح على يدها رجال ونساء ،وسنت في هذه معبر سننا في وضايف العبادة الى الآن،ولاتزال انشاء الله تعالىَ ، وكان القاضي العلامة محمد راشد السحافي يقرء عليها في القرآن ،وهو رجل من أعلم أهل زمانه ، وأزهدهم واورعهم ،وافضلهم ،حكى لي رَحمه الله تعالىَ ، قال : أتيتها يوما بكتب نم الأخبار والصلوات المرغبات ،والأدعية للأوقات ، قالت: يا إبراهيم هذه من المفرحات ،ونحن الى التأديب أحوج ،ولكن اجتهد لي في الأنطاكي ،وغيره ، فأمرت بنسخ الأنطاكي وكتاب ، < جلأ الأبصار > وصل من مكة بسببها . والله أعلم . وكتاب الوافد والعالم . وحكى لي رَحمه الله ، قال : قضيت لصاحب لي حاجة من السوق وربما قد دخل أول الوقت فقالت: ما شغلك عن فضيلة المواظبة على أو الوقت يا إبراهيم فقلت: إشتريت لصاحب لي حاجة من السوق وعَول عليَّ ،فقالت :وهل هذا صاحب يشغلك عن طاعة مولاك في وقتها بئس الصاحب ، إشارة في بعض الصحف من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت في ساعته .(1/39)
وحكا لي رحمه الله تعالىَ ،قال: ما كانت أختي مريم تقبض شيئا الاماتواريه الى فيها وقد ربما يوما ما تكون القفوعة وهي خبزه غليظة في تلك الناحية بين ايدينا ساعة ،كل يتحرج من قضعها إلا أنه لايصير الى واحد منا إلا بعضها ، وقدربما تقوم وهي على حاله .
وحكي لي بعض الأصحاب: أنهم قي إبتداء أمرهم ما يدخل بيتهم شيء من الزكاة بل كان لهم ثور يحرثون عليه لسداد هم من شدت ورعهم .
وحكي لي رَحمه الله تعالىَ عن وقت صغره قال : كان لنا دون عشر من الغنم ، فسرحتها في بعض الأيام الى الراعي فندة علي شاة أكلت من ورق جوز غصب على قوم فأصابني أمر عظيم ،وخطب جسيم ،وأخذت حجرين بيدي وعالجت خروج الورق من فم الشاة خشية أن أقبض الورق بيدي جهلا مني بذلك ،وعمري في ذلك اليوم العشر أو التسع . والله أعلم
وهذا أمارة المورد العذب لمن ظمي ومن طرق رشاده عمي ولمع البارق يدلك على النو المطير
إشارة :
روي إن امرأة جائت الى إمام العلم أحمد بن حنبل رَحمه الله تعالى ، فقالت يا إمام الحكمة إنّا اهل بيت فقر ،وربما مرت مشاعل السلطان علينا ليلا فنغزل علىضوءها سلكاً أو سلكين ، فقال: ومن أنت يَرحمك الله فقالت: أنا أخت بشر الحافي، فقال :لقد عجبت أن يكون هذا الورع المشافي إلا لاهل بيت بشر الحافي ، لاتفعلين يَرحمك الله . ما أشبه هذا بتلك . وقلت: ولم يطرق سمعي أبدا شفا لمن سمع ........ ويعي من ورع ابراهيم الكينعي . اعاد الله من عوارف ماعرفهم ،ونفح مثل ما نفحهم من أحبهم من كافة الأخوان ، انشاء الله تعالى .
الفصل الثاني
... في ابتداء درسه ، وقرأته في العلوم(1/40)