ومنهم: قاسم بن عمر الحويلي ، ومحمد بن أحمد بن يحيى بن حبيب ، وقد تقدم شرح حالهما أما قاسم: فخرج من ماله ، وأنفقه ، ولبس الصوف ، وانتعل المخصوف ، وجاهد نفسه ، وراض حتى تنعم في حدائق الذكر والرياض ، وكان من أحبَّ الناس الى إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وهو أحد اوصياء إبراهيم من بعده ، ومحمد بن حبيب وصيَّه أيضا ، وصنوه: الفقيه ، الفاضل ، الورع ، الزاهد ، علي بن عمر الحويلي وصيّ إبراهيم أيضا ، وهو من أكمل الناس عقلا ، وأشدهم ورعا ، هؤلاء الثلاثة ــ رضي الله عنهم ــ قدوة لأهل الدين وملاذ للفقراء والمتعلمين. ولاخوانهم في الدين ، ورعهم شاف ، يعجز عنه الوصاف .
إذا علموا أن بالمدينة شيئا مغصوبا من حطب أو لحم تركوا الشراء منه حتى يعلموا ذهابه بالمرة مع الحاجة المهمة ، وبنو أمرهم على الورع والخوف والفزع .
ومنهم: الشاب ، التقي ، الناشئ ، على طاعة الله تعالى وخوفه يحيى بن حمزة البرم الصنعاني
كان: فاضلا ، عابدا ، زاهدا ، ترك الدنيا مع الغنى ، واقتدى بشيخه إبراهيم في لباسه وأوراده ، ولقي الله على أحسن الطريقة ، خالطه الخوف حتى الموت .
ومنهم: بصنعاء اخوان ، وبذمار اخوان ، وبثلا اخوان ، وبحوث اخوان ، وظفار اخوان ، وبمعبر اخوان ، وببلاد مدحج اخوان ، صبّر ، فضلاء ، نبلاء ، عقلاء ، تركوا الدنيا وزينتها ، وشمَّروا على ساق الجد في خدمة المولى ، وليهنيهم الشرف الأعلى والفوز عنده جل وعلا ، وليهن إبراهيم من على يديه اهتدى ، وترك الدنيا ، وطار الى الله بأجنحة الخوف والرجاء . أعاد الله من بركاته وبركاتهم ، وجمع بيننا وبينهم في برد العيش وقرار الدعة بجوار نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .(1/211)


قال القاضي الإمام فخر الإسلام عبد الله بن أحسن الدواري ــ رحمه الله تعالى ــ : لإبراهيم الكينعي وقد قصده للزيارة في بيت ذمار : اني رأيت في هذه الجهات من الصالحين ، وذوي الزهد والتقوى واليقين جمَّا كثيرا من سالكي هذه الطريقة الذين يلبسون المرقعات والشمال ، وكل هذا من بركة قصدك وسرك المبارك .
ـ أو ما هذا معناه ـ ، ونحن في صعدة وبلادها ما نرى أحدا من أهل هذا الزي واللباس والإنقطاع الى الله والمواظبة على العبادة ، فنحب منك ونعول عليك لتسير الى بلادنا ليشمل أهلها البركة .
فساعده إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وسار الى صعدة الغراء ، فصدَّق الله فراسة القاضي الإمام ، وقوي ظنه ، فرشد وسلك هذه الطريقة من أهل صعدة الغراء خلق كثير ، ولزموا هذا الزي ، وتركوا زينة الدنيا ، ولزموا المساجد ، وحلقوا على ذكر الله تعالى ، وكتب المعاملات في مسجد الإمام المنصور (1) بالله في برَّية صعدة .
وقدوتهم في العبادة وشيخهم في الزهَّادة الآن : القاضي : الأفضل : العالم، الأكمل ، داود بن محمد الجيلاني ، الواصل من جيلان لزيارة إبراهيم الكينعي .
وهو إمام أهل الطريقة ، وقدوة أهل الحقيقة ، له تنويرات ومكا شفات ، ويحكى له كرامات جمَّة ، وتصانيف في علوم المعاملة مع خوف ملازم ، وحزن دائم ، وقلب لشروط الأدب قائم .
وتلميذ إبراهيم الكينعي علي بن قاسم النخار الصعدي في جماعة وعصابة: يعبدون الله تعالى ، ويذكرونه ، ويمجدونه ، ببرَّية صعدة ، ومسجد الهدارس بفللة .
ووقع قلب إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ : مودة شافية ، ومقة كافية ، في صعدة وفي أهلها ، ويثني عليهم الثناء الجميل الحسن .
__________
(1) ـ في الحاشية هكذا : ( في مسجد المنصور بصعدة ) .(1/212)


وقد أناخ بها ، وسكن جسده ببريتها الى يوم ينفخ في الصور وتبعثر القبور ، ويقوم منها ــ انشاء الله تعالى ــ مبجلا محبورا ، وبالنور مغمورا ، مع الأئمة السابقين ، والعلماء الراشدين ، والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .
كان ــ رحمه الله تعالى ــ إذا ضطجع على الأرض من غير وسادة ولا فراش تنفس الصعداء بالزفرات والتأوه وقال : يا ليت شعري أين يحط هذا الرأس ؟ الله أعلم .
قال الخاطي والجاني: اللهم حطة في أحب البقاع إليك .
وقصده مكة ، ولهذا جاورها ثلاث سنين رجاءً لذلك .
فجاء من المجاورة ، وانحط بصعدة ــ فهذا دليل على فضلها وفضل من فيها من الأئمة الهادين ولأن من لمعة اتخذها عند الله خبية صالحة اذكر فيها من بصعدة الغراء ، من الأئمة ، والعلماء ، والزاهدين ، والفضلاء من الأموات والأحياء ، ــ أعاد الله تعالى من بركاتهم ــ .
الفصل الحادي عشر في تراثه ومخلفاته وموضع قبره
وحسن الثناء عليه بعد موته رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه
أما تراثو رضي الله عنه ونفع به فهو ما وجدت في وصيته التى كتبها احب اخوانه إليه الفقيه الإمام يحيى بن محمد العمراني في سنة 764 وهو ساكن معه في الحيمة ، من إملائه ما لفظه :
هذه وصية الفقير الراجي لعفو مولاه العلي الكبير إبراهيم بن أحمد بن علي الكينعي
يشهد لله بالوحدانية ، ولمحمد بالرسالة ، ويوصى الى كافة اخوانه والى المسلمين أن يشركوه في صالح أعمالهم وأدعيتهم جزاهم الله خيرا .
وقد خلف شيئا من اثاث الدنيا ، وقد وقفه على من صار بيده شيء منه لله وفي سبيله وهو: مقصان ،وموسى ، وابرتان ، وركوة ، وحبل ، وشفرة ، ومقضمة للقلم ، وأوراق ، وكراريس فيها صلوات وحكم فقد وقفتها على من وقع في يده شيء منها من اخواني في آخر جزء من أجزاء صحتي التى تتعقها وفاتي ، وشملتي المرقعة تكون كفنا لي فلي في ذلك غرض .(1/213)


ولا احل على من خالف أو بدل أو حول والكتب التي أمرها إليّ موقوفة وشروطها مكتوب في شيء منها ، فيعمل عليه .
والله خليفتي على اخواني وكافة المسلمين ونعم الخليفة .
وأما وصيته في مرض موته رحمة الله عليه ، التي وصلت من صعدة فليس فيها مزيد فائدة الا توقيع كتبه التي هي تراثه .
قال رضي الله تعالى عنه : الكتب التي تحت يدي لحي القاضي احمد بن معافا ، ولحي الشيخ الخضر الهرشي ، وكتب الزهد كلها موقوفة ، وفي كل كتاب وفقية ، وقد جعلت ولايتها بعد وفاتي الى الفقيه عبد الله بن قاسم الباري ، ثم الى السيد العلامة الكامل جمال الدين الهادي بن علي بن حمزة العلوي .
وجعلت الناظرين على ذلك الفقيه علي بن عمر الحويلي ، واخوه الفقيه قاسم بن عمر الحويلي ، والفقيه محمد بن أحمد بن حبيب ، والشريف يحيىبن المهدي .
فإن نظروا في ولد اخي علي بن محمد، صلاحية ، وكان من أهل المعرفة صيروا الكتب إليه ، والا وفقت بصنعاء لا تخرج منها .
وتوقيع الكتب الخزانة العود ، وقفلها فيها .
وفيها شرح القاضي زيد < اللمع >شرح الأصول اصول الأحكام ،< عقد الفرائض >، بيان معوضة ،< محموع زيد بن علي> ،< الأحكام >للهادي عليه السلام ، مجموع الهادي ، الأو امر في تقديم أهل البيت عليهم السلام ، التذكرة لحسن بن محمد النحوي ، شمس الأخبار ، المهدب للمنصور ، سلوة العارفين ، المغني للناصر عليه السلام شمائل المصطفى الناسخ والمنسوخ مجموع زهري ،ديوان الادب درب، الفرائض، الطرف والتحف ،ديوان شعر التهامي ، فقه اللغه المفصل في النحو، اسرار الفكر ، شرح مقدمة طاهر ، فضل الحج ، تعاليق فرضيه ، كراريس الزهد ، ختمتان كريمتان ، روض الرياحين ، كتاب جواهر قوى القلوب ،كتاب الانطاكي ، الحكايات، والوافد والعالم ، بداية الهداية ، كتاب المرافق ، عوارف المعارف ،كتاب التصفيه للديلمي .(1/214)


وكلما يصح وقفه مني ولي فقد وقفته لله تعالى وفي سبيله ومصرفه للاخوان وخرق من بطاين الكعبة ومسابح ،وخرق اخر تفرق على الاخوان .
ومن عين له مني سلم إليه الإمام الناصر عليه السلام سجاده ليحيى بن المهدي عمامة الصوف هذين من بعض الاخوان هدية والنوى والكحل وخرق الكعبة تفرق على الاخوان من بني قيس الى ظفار . بتاريخه سنة ثلاث وتسعين سبعمائه سنة .
هذا تراثه وميراثه يشبه الأنبيا ، وكما قال أبوهريره فيما تقدم : انتم هاهنا وميراث محمد يقسم في المسجد‍.‍‍‍‍‍‍ يعنى العلم والحكمه.
وبعض الأوليا حضره الموت فبكى وقال :قال رسول الله صلىالله عليه واله وسلم :< ليكون بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب .>
وانظروا الى ماحولي من هذه الأوساد وانما حواليه مطهره وجرة وقميص ورداء ونعلان وكوفيه . وكان رحمه الله تعالى لايمك شيئا قط لا حقيرا ولاكثيرا ولا يقبض الا ما وارى عورته أو سد فاقته ، ملكني شملته ومدرعته ووسادته وركوته مرارا وقال : قد ابحت لي استعمالهن أباحة مطلقة ونذرت علي بهن في آخر جزء من اجزا ء صحتك التي يتبعها سبب وفاتك؟؟
قلت: نعم.
قال: ان صح هذا والا فهي وصية مقدمة على كل وصيه واعمل فيهن بصرف المالك من هبة أو ايثار ؟
قالت :نعم ، وكلتني ما اردت تدخل في ملكي اقبضه لك على هذه الصفه؟
قال : نعم هذا الذي ترونه.
وقال: ما أحب اني القى الله تعالى بشئ من الدنيا الامثل ماخرجت من بطن امي ويا ليتني اسلم مما اسلفت ، أو قال اسرفت .
ولله القائل
له خصائص مصطفون بحبه اخبارهم في سالف الازمان
اختارهم من كل نظرة خلقه فهم ودائع حكمه وبيان
ومن حكمه وهي جمه وافرة ، ما وجدته بخط يده:
من ترك الادب على البساط رد الى الباب , ومن اساء الادب على الباب رد الى سياسة الدواب. ومن اساء الادب في سياسة الدواب رد الى سياسة الكلاب ، ومن اساء الادب في سياسة الكلاب سلطوا عليه انواع العذاب .(1/215)

43 / 50
ع
En
A+
A-