وروي عن الفضيل بن عياض أنه قال : قرأت آية من كتاب الله تعالى والعمل بها احب الي من ختم القرآن ألف مرة ، وادخال السرور على المؤمن ، وقضاء حاجته احب الي من عبادة العمر كله ، وترك الدنيا ورفضها احب الي من التعبد بعبادة أهل السماوات والأرض ، وترك دانق من حرام أحب الي من مائة حجة بمال حلال .
وعن غيره : ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف كيس يتصدق بها .
قالت عائشة: أنه ليأتي علىآل محمد الشهر ما يختبزون خبزاً ولا يطبخون قدراً .
قال علي ــ عليه السلام ــ : جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة ابنته في خميلة وقربة ووسادة من أدم ، حشوها ليف ، وما كان لنا الا إهاب كبش ننام على ناحيه ، وتعجن فاطمة على ناحيتة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( من ترك ثياب جمال وهو قادر عليها تواضعاً لله جل ثناؤه , كساه الله حلة الكرامة ) .
قيل: أنه دخل على ابن سيرين نصرانيان، فلما خرجا من عنده قال : لولا أن تكو غيبة لأخبرت أيهما (1) أطيب
( أطب ) .
قال :نقلا ؟
قال: سماعا .
تم كتابه الى أخيه أحمد ــ رحمه الله تعالى ــ .
ومن كتاب له اليَّ من مكة المشرفة :
سلام عليك من قلب مشغول ، ومن نفس معلول .
أحوالي جميلة فوق ما تظنه ، من سكون قلب , وقرار ودعة ، وما طعمت لذة الحياة الا في مجاورتي هذه المباركة . حالي في مكة كبعض الزيالع ، ما بيني وبين أحد معرفة ، ومن عرفني قطعته ، الا هذا السيد محمد واخوانه ، وهم قوم عجم ، انتفع بهم ولا يضرولي بشيء .
والنفس متطلعة لقدومك الي هذا البيت الشريف ، وتزور جدك صلى الله عليه وآله وسلم وعليكم أجمعين ، وقد صدر لك محباً ( أي عطاءاً ) من السيد كوفية ومسبحة وسجادة :
... ... ... ان كنت تسمع ما أقول وتفعل ... فارحل بنفسك قبل أن تك ترحل
__________
(1) ـ في حاشية الأصل هكذا ( ينظر إنشاء الله )(1/196)


... ... ... ودع التشاغل بالذنوب وخلها ... حتى متى والى متى تتعلل
... ... ... تلهو وعمرك يضمحل وينقضي ... والظهر منك بما قضيت مثقل
... ... ... كن كالذي حذر البيات فلم يزل ... في ظلمة الليل الطويل يقلقل
... ... ... يدعو الإله بذلة وتملق ... ... وإليه بما قد جنى يبتهل ( يتنصل )
... ... ... فغدا يقوم من الحفيره آمنا ... ... يعلو النحيب ووجهه يتهلل
... ... ... إن كان جاهي أخلقته خطيئتي ... فبجاه أحمد راغبا اتوسل
... ... ... يدنيك منا عن قريب عاجل ... ... والله يستر أمرنا ويجمَّل
واعلم يا أخي أن ذكر الله منك من علامة ذكره لك ، فاستكثر منه ، وإن اكتسابك الطاعة من علامة التوفيق ، فاستكثر منها ، ووقوعك في الغفلة وكسب الذنوب علامة الخذلان ، فاجتنبها ، والزهد في الدنيا ممايريح قلبك وبدنك ، فاطلبه ، والتوكل على الله شرف الدنيا والآخرة ، فالزمه ، والموت آت غير فائت ، فأدم ذكره ، والدنيا حانوت الشيطان ، فاخرج منها ، والناس فتنة ، فافزع الى الخلوة .
ويا ليتك يا يحيى تأخذ معنا مما أنعم الله علينا من برد اليقين ، وقرار الدعة ، ولذة العيش ، وصفوة النعم من الباري جل وعز . . الى آخر كلامه .
وأمَّا كلامة في الحكمة فقد تقدم ما أغنى عن ذكره ، وأقواله وأفعاله وأفكاره كلها حكمة ، وقليل من العلم يحتاج الى كثير من العمل , لكني أجد بنشر ما عرفته من حكمه لذة ومسره وقرة عين ــ إنشاء الله تعالى ــ .
روى لي تلميذه الفقيه الفاضل علي بن أحمد بن همدان قال :سألت سيدي وشيخي وطريقي إلى الله: أي البكاء أعظم : بكاء الخوف ، أو بكاء الحب ، أو بكاء الشوق ، أوبكاء الفرح ؟
فقال : بكاء الفرح لأنه يكون مقرونا بملاقات المحبوب .(1/197)


قال: قلت له يوماً : ياسيدي ، أي الإسمين أعظم: قول العبد الله الله . أو قول: العبد أنت انت ؟.فقال: قوله: أنت أنت ، لأن الغيبة على العارف ، حرام والحضور مرام ، فذكر الحاضر مع مولاه بقلبه والغايب بعقله .
قال لي يوماً : ذكر الرازي في مفاتيح الغيب: أن من لزم اسم الذات وهو (الله الله الله ) إنقادت له العوالم الجسمانية والروحانية بشرائطه وتحقه .
قلت: فما الشرائط والحق ؟
قال الشرائط : الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات ، والحق الإجلال والتعظيم .
وسألته يوماً قلت : لو أن سيدي استعمل أسماء الله تعالى .يحصل له الإسم الأعظم ؟
فقال لي: نعم ، لكنه شعلني عن الله والإشتغال بمادونه علل ، نعوذ بالله منها ومن البعد عنه .
وقال لبعض إخوانه : إن العدوّ غايته أن يأخذ الروح والمال .والشيطان ــ نعوذ بالله منه ــ ،العدوّ الأكبر يطلب هلاك الروح والمال ، والعار والخلود في النار وداعي الفسوق وأنواع العقوق والكفر والنفاق ، وإلى سوء الأخلاق ، وإلى الدنئ من الطباق .فأيهما ـ يا أخي ــ أضر عداوة وأشدَّ مكيدة؟
فهو الكلب الكلب ، وليس المفزع منه إلا إلى ربه ، والإستعانة به ، والإستغاثة من شره بربه ، والفرار من طريقته ، والهرب من قربه ــ إنشاء الله تعالى ــ .
ومن حكمه ماوجدته بخطه وأظنه خبراً قال :
( من لزم سبع كلمات كان شريفاً عند الله ، وعند ملائكته ، وغفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ، ووجد حلاوة الطاعة ، وحيي بخير ، ومات بخير :
أولها : أن يقول عند إبتداء كل شئ من عمله :بسم الله .
وثانيها : أن يقول عند فراغ كل شئ من عمله: الحمد لله .
وثالثها : أن يقول بعد كل كلام ليس له :استغفر الله .
ورابعها: أن يقول بعد قوله أفعل كذا أو أقول كذا : إنشاء الله .
وخامسها :إذا أصابه مكروه أن يقول : لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وسادسها : أن يقول عقب كل مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون .(1/198)


سابعها : أن لايفتر لسانه من لاإله إلا الله .
وروى لي: خبراً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( من صلى عليّ في يومه مائة مرة جاء يوم القيامه ،وعليه قميص من فضة ورداء من ذهب ، يحلف بالله الذي لاإله إلا هو ماخلق الله عذاباً له قط ) .
وروى لي: خبراً عنه: صلى الله عليه وآله وسلم :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون ) .
ومن حكمه التي كان يكتبها لخواص إخوانه بخط يده المباركة :
قال فصل: يقول الله : أنا العوض الحاضر عن كل غايب وحاضر ، مخوف دون النار مرجوّ دون الجنة مأمول ، دون الدنيا معدود ، دون المال محبوب ، دون النفس قريب ، دون القلب ، من أعطاني كلاما أعطيته كلاما ، ومن أعطاني عملاً أعطيته عملآ ،ومن سوّف بالتوبة إليّ سوفت بالعفو عنه ، ومن أرجأ بالإقبال إليّ أرجيت بالإقبال إليه ، ومن وعدني وعدته ، ومن أنجزني أنجزته ، وكان الله على كل شئ رقيبا .
إن من أجهل الناس من يطلب معروفي بمنكره ، وكرمي بشحه ، وإحساني بإسائته ، ورضاي من طريق سخطي ، وجنتي من طريق ناري {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ؟؟ }
ومن حكمه : أن قال لإخوانه في مجمع ذكر الله واجتماع في رباط أحدثه رحمه الله تعالى: إخواني ، أسقطوا عن رؤسكم الدعاوي ، واخبتوا إلى الملك الباري . تواضعوا إذا رفعتم ، وتضرعوا إذا وضعتم ، فإن أجل الأحوال والكرامات الموهوبة والمقامات المطلوبة: عقل عالم، ولسان صائم ، وذكر دايم ،وقلب بحقوق المحب قائم ،ولما بينه وبين بارئه من الأسرار كاتم ، فإذا سألتم ، فأسألوا الحكمة ، وإذا طلبتم ، فاطلبوا العصمة .جاهدوا أنفسكم حق المجاهدة ، فإنه من مات على مجاهدة نفسه لحق بأرواح الشهداء .نزهوا رُبطكم ومجالسكم عن الطمع والجدال ، وتنزهوا عن الشبه وإلا فالأسواق في طلب الأرزاق أولىمن التعرض لمقت الخلاق ، فاقتدوا بالسلف أيها الخلف .(1/199)


ووجد بخطه قال : طاووس اليماني ــ رحمه الله تعالى ــ لرجل : إن كنت تريد الصاحب فالله يكفيك ، وإن كنت تريد العبرة فالدنيا تكفيك ، وإن كنت تريد الرفيق فالحفظة الكرام تكفيك ، وإن كنت تريد مؤنساً فالقرآن يكفيك ، وإن كنت تريد العبادة فطاعة الله تكفيك ، وإن كنت تريد الموعظة فالموت يكفيك ، فإن كان الذي قلت لك لا يكفيك فالنار يوم القيامة تكفيك .
وقال لي يوماً : قال صلى الله عليه وآله وسلم :( إنَّ القلب إذا لم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله ).
وقال ( ص ) ( لا تحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتىتغين وتشتعل ) وقال لي: وجدت في كتاب أن صبيين وثبا على ديك فنتفاه ولم يتركا عليه ريشة ، وشيخ قائم يصلي ، فلم يأمرهما ولم ينههما ، فأمر الله الأرض فابتلعته {كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } .
وقال لي :وجدت في كتاب: أنَّ إمرأة رأها رجل وهي تسعى مهرولة وهي تذكر الله تعالى فقال لها: إلى أين أيتها المرأة؟
قالت :أريد أرضا لايعصى الله فيها الخبيث .
وولّت فارة إلى الله ــ تبارك وتعالى ــ .
ومن كلامه :ليس الزاهد من لايملك شيئا ، إنما الزاهد من لايملكه شئ .
ومن كلامه ــ رحمه الله تعالى ــ : رض الله بالفقر ، والإفتقار ، والذل ، والإنكسار ، تحي قلوب العارفين .
وتكلم بحضرته رجل شريف قذز بكلام فيه مافيه . فقال ــ رحمه الله تعالى ــ : أما أنا فذلي عطل ذل اليهود.
وقال يوماً :ما أحسن ما قال فلان ــ غاب عني إسمه ــ :حقيقة الإنقطاع: أن لاتأتي ، ولا تؤتى ، ولا تعرف ، ولا تعرف ، ويكون الحق ، ولا يكون ترك ، ومرك حلوه وجلوه .
ومن حكمه :(1/200)

40 / 50
ع
En
A+
A-