وأدعيته كثيرة ، وكان يعتمد على المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في مجموع بن عزيز وغيره ، ولكني ذكرت ما كان يدعوبه وهو غريب .
وأمَّا مكاتباته الى اخوانه
فمنها ما كتب اليَّ بخط يده :
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم :
من العبد العاصي الخاطئ ، الى أخية الغافل اللاهي عما نحن إليه نعود من ضيق اللحود ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود ، وشهادة الجلود على أهل المعاصي ، وأهل الجحود
فنسأل من جلت عظمته أن ينجينا من شر هذا ومن النار ذات الوقود ، بمحمد وآله ،والسلام عليك ياأخي ، يايحيى ، وقرت عيني من قلب بك مشغول ، وبسيف الذنوب مقتول ، وبقيد الخطايا مكبول ،
أمَّا بعد ، يا أخي فالله يعطيك من كل خير في الدنيا والآخرة ، ويلهمك الى أحب الأعمال إليه ، وأن يجمعنا في داره مع أوليائه ، بحقه ، وصل مشرف عظيم شرفك الله وعظمك ، وانك في قراة داره ، فالله يبارك لك فيها ، ويجعلها خالصة لوجه .
وذكرت أن الدنيا عليك متعذرة ، وفي هذه اللفظة دعوى وشكوى :
أما الدعوي فأن كنت صادقا فقد ادعيت أنك من الأولياء ، لأن الله يحمي الدنيا الأولياء ويعطيها من يشاء ، وليست كذلك كانت متعذرة أيام النهده وأنت مليس السفرة ، ويعتريك الصفره أيام الغنيمة والأحوال سليمة ، ما أحد يصلك بقرص ولا أنت تجد قرص ، والأولاد يصاغون ما يجدون ما يأكلون هَدِيْكَ أيام الثواب وقلة الحساب .
وأما الشكوى فكيف تشكو مولاك الذي خلقك فسواك ؟
امثله يشكى وقد أنعم عليك ، وأولاك أن جعلك من أولاد الأنبياء ، وسلك بك مسلك الأولياء ، فأنته عن شكواك لا يسلبك ما أولاك من عظيم الإحسان ، ومن النعم ، وأنما مثلك الا كما قال تعالى في أول هذه :{ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خولَّه نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل } لما بسط لك الدنيا عدت عليه بالشكوة .(1/191)
وأما ذكرك زهد الناس فيك فلا تلتفت اليهم ، ولا تنظر اليهم بعين الاحتقار ، ولنفسك بعين الاستكثار ، فاحذر على نفسك أن تأخذ الكثير لكثره ، أو ترد القليل لقلته ، بل على قدر الحاجة, ، فكن على يقين أنه لا شرف أشرف من الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
وعلى الجملة انك تنقطع الى مولاك بالكلية ، فليس لك ولا لي سواه ، خزائنه ملآن من جميع الألوان . ولا تمنيك نفسك أنك تفيض على الأهل والبنات لتنال الدرجات ، فاني أخشى عليك أن تقع في الدركات ، والعياذ بالله ، فأنت انشاء الله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . أقبل إليه يعطك من كل خير لديه ، و يؤيك إليه . الجم نفسك بلجام الزهد ، وحرفها بعنان التقوى ، واجرها في ميدان الورع ، وسقها بسوط الصبر ، وادخلها اصطبل الخلوة ، وأعلفها الجوع ، واسقها ماء الدموع ، والبسها الذل والخضوع ، واربطها الىجدار التوكل . وهيهات ، وهل يمكن هذا ، ومعنا العدو مكالب ، والهوى غالب ، والقرير الى الدنيا يجاذب ، والنفس الى الرفاهية تطالب ، والوأحد في نفسه مكاذب ,
فالى الله المشتكا والألتجاء من هذه الأعداء . وقلت : زهدوا فيك ، ويالها من نعمة إن تمت ، وخصلة شريفة أن اقبلت . وما كنت أشتهى أن تذكر ما ذكرت ، من أهل الجهة ، لا يقال: الأنسان محتقر . لما فعلوه ؛ فمن أولاك معروفا قليل أو كثير ، فبفضل الله ليس لك على أحد مِنَّة ، ولا فضل الا بالتقوى . أو يمنّيك الشيطان الغوى أنك ابن النبي ، وأن لك الشرف العلى ، فتسخط علىالناس. هذا وأنا استغفر الله مما ذكرت ، فإن أخطأت فاغتفر ، وإن أصبت فانجز . ومقصودي تذكيرك أياي لا تنساني من الدعاء خاصة في الخلوات ، ووقت العبرات ، واوقات الصلوات .والا فما أنا ممن يكاتب ولا يعاتب , ومن العجب أن صحيحا يداويه عليل ، أو اعمى يهدي الى سواء السبيل ، ويكون الى خير دليل .(1/192)
وامَّا حالي فأشر حال ، امرني فتركت ، ونهاني فارتكبت ، وأفاض علي بالإحسان وقابلته بالعصيان ، فيا ويلاه ثم ، يا ويلاه ، إن لم يعف عني ، وأما عيش البهائم فهو علي متراكم بلطف الملك ا لحميد ، واحسان الأخ سعيد بعد السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وتحياته ومرضاته وصلى الله على محمد وآله وسلم .
ولقد نطق في كتابه هذا بالحكمة وفصل الخطاب ، وبالضياء التام لذوي الألباب .
أعاد الله من بركاته على أحبائه واخوانه المسلمين ، آمين .
وكتب الى تلميذه وأحب أخوانه إليه الفقيه قاسم بن عمر الحويلي ، وهو رجل نشاء على طاعة الله وخوفه ، واستصبح بنور علم إبراهيمبن أحمد الكينعي وفعله ، وخرج من ماله كله ، وأنفقه على المسلمين والفقراء والمحتاجين ذو بصيرة ، ودين رصين ، وورع متين ، يضرب بورعه ا لمثل ، ويقتدى به الآن في القول والعمل ، وكان إبراهيمالكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ يقف معه في بيته ، ويعتمد في أكثر مهماته عليه ، ويقبل بكله إليه ، وكان محسنا على يد إبراهيم الى كافة الأخوان ، وهو باق على ذلك الى الآن ، ممن يتعب نفسه في حوائج المسلمين وفقه الله ونفع به وبصالح عمله آمين آمين .
وهو ما أوله :من عبد أساء وعصى من ليس بأهل أن يعصى ، ذلك الله الملك الأعلى
السلام عليك يا أخي من قلب اليك مشتاق ، وفيه ألم واحتراق ، من البعد عنك ومن خوف يوم التلاق ، وما له من الله من واق ، يوم يؤخذ بالنواصي من كان لله عاصي ، ما فيه لأحد خلاص الا الخواص لمن نزل سورة الإخلاص فتأهب للقدوم الى هذا اليوم الذي يجتمع فيه الخصوم ، والله إنه ليوم شؤم على كل ظلوم . فإياك وخلطة الناس فإنها تكثر الوسواس ، ولاتخالط الا من كان فيه لله نصيب ، كعبد الله بن راشد ، وأحمد بن حبيب .
واعلم يا أخي أنها صدرت وأنا والله في مسجد في الخلأ ، بعيد من الملأ ، مجاور لأهل البلاء ، لعله يحصل للإنسان ملامة من نفسه اللوامة . . .(1/193)
الى آخر كلامه ، وهو عجيب غريب .
ومن كتاب كتبه الى تلميذه نشؤ هدايته ، وغذي حكمته وعلمه ، الفقيه الفاضل أحمد بن على بن أبي الغيث النونو -كان من أهل الدنيا وذوي الثروة والترف فيها - ، رأى إبراهيم الكينعي فزهد فيها وعف ، وعلى عوارف شيخه عكف ، وهو حدث السن ، فخالطه الخوف وأشرب قلبه حب الله والدار الآخرة ، واقتدا بأحوال شيخه إبراهيم وأقواله وأفعاله ، وهو من فضلاء وقته وعبَّاد دهره يستمنح منه الدعاء والبركات ، ويقتدى به في الباقيات الصالحات ، فكتب له هذا الكتاب ليكون له اماما ، ولدوعى شهوته زماما وهو : حسبي ربي ، وصل يارب على محمد وآله وسلم يا كريم
كان ــ رحمه الله تعالى ــ لا يكتب اسم الذات جل وعز في الكتاب خشية أن تنبذ ، وكان لا يذكر الجلا لة الا بنية وعزم على وفق ارادة الله تعالى ، وقد التمس منه ذلك ، فوعظه بما ترا ، وناهيك من كلام لكنه كان عنده أن كلامه من سقط ا لمتاع ، فوعظه بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مما نقلته بخط يده المباركة :إن العبد إذا لزم لنفسه الوظائف وكان من الله خائف ، حصل له من الله لطائف .اللهم اغفر لإبراهيم. قل يا أحمد : آمين .
ثم قال : روي عن النبي (ص) أنه قال :( ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك الا وجهه الا ناداهم مناد من السماء : قوموا مغفورا لكم ، قد بدلت سيأتكم حسنات .)
وعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن في الجنة عمدا من ياقوت أخضر عليها غرف من الزبرجد الأخضر عليها أبواب مفتحة.
قيل : يارسول الله من ساكنها ؟
قال: المتلا قون المتصافحون المتحابون في الله عز وجل ) .(1/194)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : يقول الله عز وجل :( يا أيها الشاب التارك شهوته من أجلي أنت عندي كملائكتي ، وجبت محبتي لمن يجالس فيَّ ، وجبت محبتي لمن يزاور فيَّ ، وجبت محبتي لمن يباذل فيَّ ، من اشتغل بذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما اعطي السائلين ) .
ما انصفني ابن آدم يدعوني فاستجب له ، وعصيني فلا يستحي مني ، فضل كلامي على غيره كفضلي على خلقي .)
وعن أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة ، فيقول: بيني وبينك الله . فيقول : ما أعرفك .
فيقول : بلى أنا اعرفك الا تعرف يوم كذا مررت بحائطي فأخذت منه تبنة فتخللت بها ، ثم رميت بها , أنا اليوم محتاج الى منفعتها ردها علي .)
وكان بعضهم يبكي ، ويقول: أخشى أن أوكون مثل بكر أذهبت بكارتها ، فإذا زفت الى الزوج فرح الناس بها وهي حزينة لما تعرف من نفسها ، فإن سترها زوجها فالحياء منه أبدا ، وإن فضحها فالويل العظيم .
وروي عن إبراهيم بن أدهم : أنه رأى رجلاً يحدث الناس بشيء من الدنيا ، فوقف عليه
فقال : هذا كلام ترجو فيه الثواب ؟
فقال الرجل : لا .
قال : فتأمن فيه من العقاب ؟
فقال الرجل : لا .
فقال: ما تصنع بكلام لا ترجو فيه ثوابا ولا تأمن عليه عقاباً ؟ ، عليك بذكر الله .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم :( ان العامل بالحسنة يحتاج الىخوف أربعة أشياء :
أولها : الخوف أن لا تقبل منه لأن الله إنما يتقبل الله من المتقين .
الثاني: أن لا يخلص عمله بل يشاب بالرياء ونحوه ، لان الله تعالىيقول :
{ وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
والثالث : الخوف من أن يكون عليه من المعاصي ما يبطلها أو من الحقوق ما يستغرق ثوابها .
والرابع : الخوف من احباطها بعمل المعصية بعدها الخاتمة السوء .
نسأل الله أن يكفيناها .(1/195)