الكرامة الخامسة والعشرون ــ مارواه لي تلميذه ، وتربيته ، الفقيه ، الفاضل ، الزاهد ، المتخلي عن الدنيا ، المنقطع الى الله بالكلية: يحيى بن أحمد الصنعاني: أنه رءا في المنام وهو بصنعاء ،ملائكة في ساحة مسجد نضير ، عليهم الهيبة والسكينة ، وهم في الطول كالمنارات ، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاعد بينهم كالقمر المستدير ، فأمسك بيد الرائي وقال للملائكة : انتظروني ها هنا حتى أزور إبراهيم الكينعي ، فأمسك على يد الرائي وسار حتى دخل عليه موضع خلوته بيت سعيد بن منصور الحجي ، فدخل لزيارته وانتظره الرائي حتى خرج ، فأعطاه زبيبا حسنا وسار معه حتى دخل بين الملائكة في تلك السَّاحة المباركة .
الكرامة السادسة والعشرون ــ ما رواه يحيى المقدم الذكر: أن الفقيه عبد الله بن قاسم البشاري سمع عليه كتاب ( عوارف المعارف ) ، فسأله عبد الله البشاري بمحضر الفقيه يحيى : هل تسرنا بكرامة لك تشرح صدورنا ؟ فقال : مالي كرامة الا أني إذا أردت أمرا أو سفرا وسألت الله الخيرة سمعت شخصا يقول: أفعل أو لا تفعل .
الكرامة السابعة والعشرون ــ مارواه هذا يحيى عن: تلميذ إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله ــ منيف ــ رحمه الله تعالى ــ: أنه كان قاعدا معه في نواحي ذمار فالتفت ولم ير الفقيه إبراهيم ، فسار منيف حتى وصل الى صنعاء فسأل سعيد بن منصور متى وصل إبراهيم ؟ فقال : قبل أمس وقت كذا فنظر منيف فإذا هو الوقت الذي استلفت فيه ولم يره .
الكرامة الثامنة والعشرون ــ ما تفاءلت في حقه ، وفتحت المصحف الكريم ، وظهر لي في حقه هذه الآية الكريمة : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه الى صراط مستقيم ، وأتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الأخرة لمن الصالح } ــ انشاء الله تعالى ــ في شهر رمضان سنة ست وتمثَّلت وسبعمائة ، ولله القائل ـ تمثلت به وتفاءلت:(1/181)
... أحبَّبت ياسيدي أناسا ... في وسط البابهم حللتا
... شغلتهم بك فاستراحوا ... انلتهم منك ما أردتا
... سألتك الله أن تهب لي ... مثل الذي لهم وهبتا
... ومن نظر الى كرامات الإمام الناصر الأطروش الحسن بن على ( ع ) استصغر ما حكيناه: ، والذي حكيناه عنهم وعن الأمام الناصر بجنب ما أعد الله لهم في دار كرامته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، قليل في جنبه ، والله تعالى يقول:
ــ وقوله الحق المبين ــ { إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قلبلا من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون }
... الكرامة التاسعة والعشرون ــ أني رأيت في منامي في نصف شهر شوال سنة ست وثمَّانين: أن حيَّ سيدي الفقيه الأمام إبراهيم بن أحمد مسجى بيننا وحضر قوم على دفنه ليسوا من جنس بني آدم ، فقال قائل منهم : فما يرون أماناً دون ما يرجون ، ولا خوفا دون مايحذرون ، وقال قائل منهم: يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة اللشاربين ، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون .. آية الصافات الى آخرها .(1/182)
... ومما نقل من كلامه ومن خط يده مما نحن بصدده ، قال: الحمد لله الذي أسعدنا به عن غيره وبه عن ذكره ، ولا يعرف هذا ويصفه الا من ذاقه ، ولا يجد لذة طعم العسل الا من ذاقه ، فمن لم يسلك الطريق فلا يكن منه نكير على أهل التحقيق ، فهي منح من الملك الجبار يفيضها على من يشاء ويختار ، فإن لله عبادا لهم معه أحوال إذا فارقتهم بقوا إليها يحنون وعليها يأنون لهم في أول الليل مكأيده ، وفي آخر الليل مشاهده ، بعين قلوبهم لا بعين أبصارهم ، فهم به والهون ، وعن غيره غافلون ، شغلهم به عما سواه ، فقطعهم عن الذكر والصَّلاة وعن الفكر والقرائة هؤلاء الأبطال لا أنت يابطال ، لم يشتغلوا بالقيل والقال ، ولا في مجالسة الرجال ، ولا في المراء والجدال ، تم كلامه الرائق ورسمه الفائق ، ولله القائل مما نقلته بخطه:
... ... ... تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا ... وتذهب بالاشواق أرواحنا منا
... ... ... بعادكم موت وقربكم حيا ... وإن غبتم عنا ولو نَفَسَا مِتْنا
... ... ... نموت إذا غبتم ونحيا بذكركم ... وإن جاءنا منكم بشير اللقا عشنا
... ... ... فلو لا معانيكم تراها قلوبنا ... إذا نحن أيقاظا وفي النوم إن نمنا
... ... ... فقل: للذي ينهى عن الوجدأهله ... إذا لم تذق معنا شراب الهوى دعنا
... ... ... الم تنظر الطير المقفص يافتا ... إذا ذكر الأحبَّاب حنَّ الى المغنا
... ... ... وفرح بالتغريد يوماً فؤاده ... فيطرب أرباب العقول إذا غنا
... ... ... كذلك أرواح المحبين يافتا ... تحركها الأشواق للعالم الأسنا
... ... ... فإن لم تذق ماذا قت القوم يافتا ... فبالله ياخالي الحشا لا تعنفنا
... ... ... وسلم لنا فيما ادعينا فإننا ... إذا غلبت أشواقنا ربما صحنا
... ... ... وفي السر أسرار دقاق لطيفة ... تباح ذمانا جهرة لوبها بحنا(1/183)
... ... ... فلا تلم السكران في حال سكره ... فقد رفع التكليف في سكرنا عنا
ولله الحلاج (1) حيث يقول في أبيات وجدتها بخط إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ
... ... ... لبيك لبيك ياسري ونجواي ... لبيك لبيك ياقصدي ومعناي
... ... ... أدعوك بل أنت تدعوني اليك فهل ناجيت إياك أم ناجيت إياي
... ... ... ياكل كلي وكل الكل ملتبس ... وكل ذلك ملبوس بمعناي
... ... ... يامن به كُلِفَّت نفسي فقد تلفت وجدا فصرت رهينا بين أهواي
... ... ... أدنو فيبعدني خوف ويقلقَّني ... شوق تمكن في مكنون أحشاي
... ... ... حبي لمولاي أظناني وأسقمني ... فكيف أشكو الى مولاي مولاي
... ... ... يأويح روحي من روحي فيا أسفاه علي مني لأني أصل بلواي
... ... ... كأني غرق تبدو أنامله ... ... تغوثا وهو في بحر من الماء
... ... ... وليس يعلم مالا قيت من أحد ... الا الذي حل مني في سويداي
... ... ... ذلك العليم بما لاقيت من دنف ... وفي مشيئته موتي وإحياي
... ... ... ياغاية السؤل والمأمول ياسكني ... يا عيش روحي ويا ديني ودنياي
... ... ... قل لي: تعاليت ياسؤلي ويا أملي ... كم ذا اللجاجة في بعدي وإقصاي
... ... ... إن كنت بالغيب عن عيني محتجا ... فالقلب يرعاك في الابعاد والناي
__________
(1) ـ في حاشية الأصل هكذا ( في بيت الحلاج قسوة وخلاف الأدب ........ ترشد ) .(1/184)
ومما نقلته من خطه ــ حفظه الله ــ: من عابد زمانه وأويس أوانه سليمان بن محمد البوسي الصنعاني ، وكان رجلاً صالحاً ترك الدنيا مع الغناء ، ولبس الشعر ، وسكن في القبور ، وطال عمره في الزهد والعبادة والفقر والإفتقار ، وكان دأبه إذا دخل المدينة يلتقط القراطيس المكتوبة من الأسواق والأزقة ويدعها في بيت حتى إمتلاء منها ، وأوصى ببيته لمن يلتقط القراطيس الى الآن ، وأنفق جزءً من ماله أتخذ منه طرزا في محاريب الجامع والمساجد بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتطرف برواية في فضل أهل البيت عليهم السلام وهو :
... ... ... ... رأيت ربي بعين قلبي ... ... فقال: من أنت ؟ قلت: أنتا
... ... ... ... أنت الذي حزت كل جود ... وكل ملك قأنت أنتا
... ... ... ... فأين لا أين منك كلا ... ... وليس حيث بحيث أبتا
... ... ... ... وليس للوهم فيك وهم ... فيعلم الوهم كيف أنتا
... ... ... ... أشار سري ليك حتى ... ... فني فناي ودمت أنتا
... ... ... ... ففي فناي فنى فياي ... ... وفي فياي وحدت أنتا
... ... ... ... خيال عيني سرور قلبي وحيثمَّا كنت كنت أنتا
... ... ... ... وذكرك بفمي وحبك بقلبي وجلآلك بروحي
... ... ... ... وجمالك بعقلي وكما لك بكلي فأني تغيب
... ومما قاله إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ
... ... ... ... ببابك عبد واقف متضرع ... مقل فقير سائل متطلع
... ... ... ... حزين كئب من جلآلك مطرق ... ذليل عليك قلبه متقطع
... ... ... ... أنا الضارع المسكين ممدوة يدي ... اليك فمالي في سوابك مطمع
... ... ... ... أغنني اغنني من علاك بنظرة ... الي فقلبي مستهام مفجَّع
... ... ... ... فؤادي محزون ونومي مشرد ... ودمعي مسفوح وقلبي مروَّع(1/185)