بحراز وغيره ، وتحمل في ذلك المغزى مشقة السفر وكأبة المشقة ، وكان معه تلميذه وقرت عينة وعيون المسلمين السيد الأمام الصَّوام القوام المختص بالفضائل المنير با شرف الخلآل وألطف الشمائل الناصر بن أحمد بن الأمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى ، وهذا السيد أعاد الله من بركاته أكمل أهل زمانه ، وآية أوانه ، جمع العلم والعمل والورع والزهد والكرَّم ومكارم الأخلاق برمتها يؤهل للخلافة ويرجا لدفع كل مضرة ونيل كل مسرة ، وهو بحمد الله لعيون المسلمين قرة ، وقرائته في كل العلوم على الفقيه الأمام على بن عبد الله بن أبي الخير ، وهو له ولآل محمد كالوالد الحدب ، وشيخه في كتب الحديث عمه الأمام الواثق المطهر بن يحيى ، وكان إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ في ذلك المغزا ثالثهم مع عدة من العلماء الراشدين والأفاضل المقربين أعاد الله من بركاتهم ، ونفعنا بمحبتهم ، وجزاهم عن الإسلام وأهله خيراً ، ولمع البارق يدلك على النوا المطير ، ــ وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة والبركة ــ .
... وسأذكر من عين من اخوانه ــ رضي الله عنه وعنهم ــ في موضعه إن عنّ ــ انشاء الله تعالى ــ وبالله الثقة .
الفصل الثامن ، والتاسع في كرأماته الظاهرة والباطنة
وما فتح الله له في مجأورته البيت العتيق من الأسرار والكرامات في اليقظة والمنام :(1/161)


الأولى: كتبت الى الفقيه الأمام علي بن أبي الخير ــ رحمه الله تعالى ــ وقد تضجر في بريه مدينة صنعاء لخريف العنب اسأله عما يعرف من كرأمات سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه ا لله تعالى ــ ، فجوَّب كتاباً منه أن قال: سأل من أمره مطاع: ومخالفته لا تستطاع أن أذكر من أمور أخي الفقيه الأوحد بركة الزمان ونور الأوان أويس العصر وإبراهيم بن أدهم الدهر إبراهيم بن أحمد الكينعي نفع الله به وأعاد من بركاته فلقد فاقت فائضلة (1) الحصر وفاق على فضلاء العصر ــ فرحمة الله عليه ــ في كل حين، مزورة في البكر والاصيل ، هيهات ان يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل ، فأقول: كان الفقيه نفع الله به وافر العقل ، رصين الذهن ، شديد الورع ، عالم في كل فن من الفنون الدينية ، درس في الإبتداء على فقيه اليمن وعلامة الزمن أمام أهل العبادة المشهورة بالتقى والزهاد حاتم بن منصور في الفقه حتى بلغ الغاية ، فأقرأ فيه ومن تلامذته فيه: الشيخ الخضر بن الهرش المعروف بالتدقيق ، والتحقيق ، والذكاء ، والمعرفة الباهرة ، وكان تلازمهما في الصحبة أمر مشهور ، وكان في الفرائض وتدقيقها هو المشار إليه فيها حتى فاق في ذلك أهل عصره ، وكان في سائر الفنون من الرجال المهرة ، ولقد كنت أعجب من ذكائه وفطنته وفهمه في كل فن ومراجعته منه المراجعة الحسنة الواقعة ، ثمَّ اشتغل بكتاب الله تعالى فأتقنه غيباً ، ثمَّ طالع تفاسيره وكتب الصوفية فكان أماماً في ذلك ، ثمَّ مع هذا ، فتميز علم الشريعة والطريقة والحقيقة ، ويقوم بكل واحد منهما علماً وعملاً بحيث جمعهما على أحسن وجه محمود الوفاق ، ثمَّ كثير التحنن على الإخوان ، لا يغفل النظر في حوائجهم والعناية فيها بكل جهده ، وأما تحرزه وورَّعه فبلغ منه أنه قال لي : قد عزمت أني لا أريد اكل من العنب لا أجل تخليط المواريث ، وكان لباسه الخشن من الصوف ، وأما المأكل ،
__________
(1) ـ لعلها : فضائله .(1/162)


فقال: أنه لايضره مع أنه قد تحققه في كثير من الأوقات غاية وأكثر وقته الصوم ، وقال لي: أن الآلتفاتة الواحدة قد تشغله عن قرأته ، وذكره ، وإقبالة قلبه ، وقطع الليل في العبادة كان دأبه ، وقال لي في أوائل أمره: أنه يرا كأنه يطير ، وكأنه في ربعة في الجو ، أوشبه هذأوهو من بركة قراءته: قل هو الله أحد فيما أظن ، وقال في انتهاء امره: أنه يجد لذة في نفسه يختارها حتى على الجنة وعلى كل شيء وقال: لا يجد في نفسه شيء من الشك في العقيدة ، ولا تغير قلب علىمسلم ، ولايرضا أن أحدا يعاقب من أجله ، وربما قال: لوكان الموت مكنه لفعله ، وكان يذم نفسه كثيراً ، وكان يذكر أنه بعد ما لزم الطريقة يشم رائحة طيب المرأة كأقبح ما يكون ، وينفر عنه غاية الى غير ذلك من الخصال الحسنة ، نفع الله به آمين آمين آمين ، تمَّ كتاب الفقيه الذي كتب اليَّ
... الكرامة الثانية :ما أكرَّمه الله بقوله تعالى في محكم كتابه الكريم: { الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعرَّ منه جلود الذين يخشون ربهم ، ثمَّ تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ، ذلك هده الله يهدي به من يشاء } ، وبقوله تبارك وتعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، والذين هم بأيات ربهم يؤمنون ، والذين هم بربهم لا يشركون ، والذين يؤتون ما أتو ا وقلبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ، أولائك يسارعون في الخيراًت وهم لها سابقون } وبقوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم أياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون ، أولئك هم المؤمنون حقا لهم جنات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } ، وبما روي: أن بلآلا أذن الفجر ، واستبطأ رسول الله(ص) ، فدخل عليه منزله ، وقال :يارسول الله فما أجابه ونظر إليه فإذا هو ساجد ، وناداه: فلم يجبه ، وحرَّك قدمه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه ، فصاح(1/163)


وا ويلاه ! مات رسول الله فأغارت ابنته فاطمة ــ عليها السلام ــ ، وقالت: مهلاً يا بلآل هذه الغشوة التى تصيبه من خشية الله تعالى ، فأفاق صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه قطنة غمست في زعفران وعرقه ينحدر كالجمان فقال : يابلآل مر أبابكر فليصل بالناس فإن اعضاي مضطربة لمَّا ترك ــ رحمه الله ــ الدنيا كما مر في أول المختصر ، وأقبل على نقل الكتاب العزيز فنقله غيباً على أخية يحيى بن محمد الخشخاسي كما حكى لي ، قال: لما نقلت القرآن الكريم ، وكنت أتلوه بالليل ، ويخيل لي أني واقف في الهوا ، فتارة أتلوه بالعذوبة والشفا ، وتارة ما اجزع فيه واتردد في الآية الواحدة مراراً ، وكان أولا يرتعش ويصفار ، ثمَّ في التشهد ينتفض ويتململ جنوبه ، ثمَّ تناهى به حتى ينتفض انتفاضا شديدا ، ثمَّ يسقط على الأرض مغشيا عليه ،ثمَّ يفيق وقد مج دمه ،ثمَّ تناهى به حتى خيف عليه الموت ويقع من قامته على ما وافق من حجر أومدر أو شاهق أوجدار أوشوك ، لأنه لا تستطيع دفعه ولا دفاعه بالمرة الكا فية أولا من خوف الله والنار ، قال الفقيه الأمام علي بن عبد الله: من أراد أن يقتل الفقيه إبراهيم ذكر عنده النار ، فاتقوا الله أيها الإخوان فيه ، ثمَّ تناهى به حتى يسقط ويقف مغشيا عليه أكثر النهار أولا من الخوف ،ثمَّ الحياء من ــ الله تبارك وتعالى ــ ، ثمَّ من الإجلآل والتعظيم ، ثمَّ إذا ذكر سبحانه عنده بما لا يليق بحاله الكريم فسألناه عن ذلك فقال ــ رحمه الله تعالى ــ : كنت أولا أخشر على نفسي أن تزهق وأجد الم الموت عيانا ، ثمَّ أني الآن أجد في سقوطي لذة وقلبي كامل العقل مشغول بالله بعالى ، ولقد أجتهدت في سقوطي أن أحرك يدا أورجلاً أو لسانا أو جفن عيني ما استطيع أبداً وأما عقلي فبحمد الله محفوظ ولا ينتقض عليَّ طهور، وتناهى به حتى أعتراه الثمَّول ، شاهدته مرة يمحض أخاه في الله سعيد بن منصور الحجي على هذه الحالة واميس منه ،(1/164)


فناداه: يا إبراهيم: اذكر ربك فانتعش وقال : ياسعيد لم أنساه فاذكره ، وكانت هذه الكلمة موقظة له في ذلك الثمَّول ، وكان يسقط في الخلاء والملأ وقد تقدم من بهت من سقوطه في أول المختصر ، فهذه أجل الكرامات ، وقد روي: أنها لا تكون إلا في المصطفين من الأولياء كما حكي: عن مالك بن دينار ــ رحمه الله تعالى ــ أنه مرعلى سوق الشوائين ، فنظر الى الرؤس المشوية فتلى: { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون } ، فسقط مغشيا عليه ، فحمل وما أفاق الا بعد ثلاثة أيام ، وقد قيل: أن القلب إذ صفي ورق كان كالماء في الإناء ادني شيء واهراق ، روى أبو طالب المكي في كتاب ( قوة القلوب ) : أن للخوف سبع مفائض يفيض إليها من القلب وقد يفيض الى السحر وهي الرية فيذهب الأكل والشرب وينشف الدم ، وقد يفيض الجوف الى الكبد ، وقد يفيض من القلب الى المرارة فيحرقها فيموت العبد ضعفا ، وقد يطير الخوف من القلب الى الدماغ فيحرق العقل ، وقد يفيض من القلب فيورث الكمد اللازم والحزن الدائم ، ويحدث الفكر
الطويل والسهو الدائم الذاهب ، وهذا من مقأمات الأخيار المصطفين ، وقدكان في هذه
الطبقة جماعة من التابعين والصَّحابة ، كان عمر: يغشى عليه فيقع من قيام فيضطر كالبعير ، وكذا سعيد بن خثيم ، وكان من زهَّاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أمراء الاجناد ، وقد روي عن حمران بن أعين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ آية في سورة الحاقة فصعق ومات حمران ــ رحمه الله تعالى ــ ، ومن التابعين منهم الربيع بن خيثمَّ ، وأويس القرني وزرارة بن أوقا ونظرائهم ، قال أبوطالب: وقد يفيض الخوف من القلب الى النفس فيحرق الشهوات ويمحو العادات ويخمد الطبع ويطفي شعل الهوى وهذا أحمد المخأوف عند العارفين ، والعارف معتدل بين الخوف والرجاء .. الى آخر كلامه .(1/165)

33 / 50
ع
En
A+
A-