... العقبة الثاينة ـــ عقبة الزهد فتزهد أولا في الشبهات ، ثمَّ في الحلآل ، ثمَّ في كل شيء الاالله فإذا لم يبق في القلب الا الله فذلك غاية السعادة ،ولكن بثلاثة شروط : [ الأول ] التزام الطاعة والشريعة ، [ الثاني ] أن لا تكره الدنيا ولا تحبها فأن ذلك شغل وغرور ، [الثالث ] : أن لا تعلق قلبك بذات الله على الحقيقة ، بمعنى التصور والتكييف فأن من نظر في الذات ألحد ،ومن نظر في المخلوقات وحد لكن على سبيل التعظيم له والإمتثال لأمره والإستعانة به والحاجة إليه في كل حال ، العقبة الثالثة : وهي عقبة المواظبة ، وهي أن تواظب على عشر خصال: الأولى: الندم على كل قبيح لقبحه ، وعلى كل اخلآل بواجب لوجوبه ، الثانية : العزم على أن لا تعود الى شيء من ذلك ، الثالث :اللجاء الى الله في كل حال والتعويل عليه في كل أمر ، الرابعة : الرجاء له ولكرَّمه واحسانه في كل شيء الا عند الذنب وذكره فإن الأولى الخوف ، الخامسة : الشكر وهي أن تشكر الله على السراء والضراء والشدة والرخاء ، وعلى كل حال من الأحوال ، السادسة : الذكر وهو بالقلب واللسان والأفعال جهدك ، السابعة : أن تنوي كلما زال عنك من مالك من غير اختيار منك ونية حاضرة فيه أنه من أوجب حق كان أويكون للأخذ والأ فمن حقوق الله تعالى أن لم يكن في معلومه أنه يعود ولاعوضه ، الثامنة : أن تقصد أن كلما فعلته أو تركته فإنه لكل وجه حسن يريد الله على الوجه الذي يريده ، الواجب لوجوبه ، والمندوب لندبه ، وأجتناب القبيح لقبحه ، والمباح لما يقترن يه من القرائن التى تصيره مندوبا ، التاسعة : أن بقدم الأهم فالأهم مما يعنيك ، العاشرة: أن تعرض عنما نهيت عنه وما لا يعنيك .(1/151)
... وبعد أداء هذه العشرة لا تزال نادما ، عازما ، لاجئا ، شاكرا ، ذاكرا ، نأويا ، قاصدا ، مقدما للأهم فالأهم ممَّا يعنيك ، معرضا عن القبيح وما لا يعنيك فإذا فعلت هذه فأنت أما متشرع أو متصوف ، وهذا التقسيم إنما هو في الطريقة ، وأما في الحقيقة فهما لايختلفان قط ــ أعني الشريعة والتصوف ــ فإن كنت متشرعا فخذ بالأفضل فالأفضل في حقك من الشريعة تبلغ خصال المتصوف ــ انشاء الله تعالى ــ ، وإن كنت متصوفا فحبذا ، لكن تجنب مقالاتهم المخالفة للشريعة ، وقد أشرنا إليها في بعض المواضع لكن من الواصلي
ــ انشاء الله تعالى ــ ونشير إليها هاهنا ، ونأخذ من ذلك فنقول :اجتنب مذهب بعضهم في أن الإنسان فد يبلغ الى درجة يكون فيها قريبا من النبوة أو مثلها في بعض الأمور ، وأن التكليف قد يسقط عن بعض فضلائهم فلا يصلون ولا يأتون بواجب ، وعن اللوامة الذين يفعلون الذنوب حتى يلوموا أنفسهم ، وعمَّن يصوم الى آخر النهار ثمَّ يفسده لدفع العجب ، وعمَّن يعلق العظام برقبته في الأسواق لدفع الكبر ، وعن المذاهب الفأسدةمن التشبيه والجبر والإرجاء ، وعن تمثيل ( في ن: [ تصوير ] ) الوسواس والخواطر الفأسدة بالآلهام والوحي والمكاشفة والحظرة ، وعن امتناعهم من الجهاد مع أهل البيت وإجابة دعاتهم المحقين منهم ، وعن السماع والرقص ، والوجد ومشاهدة الجنة والنار ، وعن أفعال الحلولية الذين يقولون: أن الله عرض يحل الصورة الحسنة ــ تعالى الله عن ذلك علواً
كبيرا ــ .(1/152)
... وبعد فأن حدّثتك نفسك بأنك قد بلغت المراد بعد الجهد في قطع هذه العقبات فأعرض عليها أموارا فإن وجدتها منقادة سلسة فقد بلغت ، وهي أن تختار الفقر على الغنى ، والشدة على الرخاء ، والجوع على الشبع ، والآلم على الصحة ، والذل على العز ، والعزلة على الأهل ، وغير ذلك من المشاق في طاعة الله وقتل النفس فأنه دين القوم ويرجا لك أن تكون من الواصلين المتصلين ــ انشاء الله تعالى ــ فإنك تبلغ ، ثمَّ تصل ، ثمَّ تتصل ــ انشاء الله تعالى ــ . ولمَّا كان الإجتماع من التابعين ما لا يخفي ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ( عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ) فكيف عند اجتماعهم والبنا على وضائف تكون لهم فيه ــ انشاء الله تعالى ــ أحبَّ اضعفهم حالا في الطريقة الا مارحم الله الفقير الى الله ، تعالى على بن عبد الله أن يجعل هذه كالمقدمة لتلك الوضائف التى يختارونها ، وذكر تلك الوضائف بعدها ليذكرهم أن يشركوه في صالح دعائهم ، فلسان حاله ونطقه: يقول قد استوصيت جميع المسلمين بالدعاء وبما أمكن من القربات في الحياة وبعد الممات وما اصبنا فيه فالحمدلله ، وما أخطأنا فنستغفر الله ، والحمدلله عونك اللَّهم وصل على محمد وآله اللهم بلغنا رضاك وأختم لنابه يا كريم وجميع المسلمين واكفنا جميع الأسواء بمحمد وآله ، وتلك الوظائف ثلاث: منها ما يرجع الى الأوقات: وهي التى قد ترتبت الليل للعبادة قدر الإمكان ، والنهار للصوم قدر الإمكان ومن صلاة الفجر الى طلوع الشمس للذكر ، وبعده للعلم الى وقت الضحى ، وبعده لحوائج الدنيا ولأخوانه ، وبعد القيلولة الى الصَّلاة ، وبعده العلم الى العصر ، وبعده العصر للذكر والعلم أو الحاجة مما ينوب له أو لغيره من المسلمين ، ومنها مايرجع الى الأحوال: وهي أن لا يختص أحدا بشيء من رياسة الدنيا ولا بشيء من جهده ، ويكون اللباس الصوف وشبهه والأكل أي شيء كان ، ومنها ما يرجع الى الأشخاص : فالواقفون(1/153)
هذا حكمهم والزائر يكرَّم ويوعظ ، والمريد الوقوف يختبر حاله ، ثمَّ يعلم ، ثمَّ يدخل في الجملة ، وضابط الجميع : أن لا يشتغل بشيء وهو بقدر على أفضل منه ، ولا يقارب شيئاً من الدنيا الجايزة وهو يمكنه الصبر عنه . تمت المقدمة والوظائف ــ جزاه الله عن اخوانه وعن المسلمين كافة الجزاء الأوفا وحباه بالخير كله والحسنى ــ .
... وله ــ رحمه الله تعالى ــ فيما نحن بصدده موضع حسن سميَّ (عقد اللآلي في العشر الخصال في التزود للمئآل ) العشر: نادماً عازما ، لاجئا ، راجيا ، نأويا ، قاصدا ، شاكرا ، ذاكرا ، تاركا ، مقدما للأهم فالأهم ، وشرح كل خصلة بشرح عجيب ، وتفصيل أنيق غريب ، وله موضوع سمَّاه ( ثمَّرة النظر وجولة البصر في تأويل {ولذكر الله أكبر } ) ، وله كتاب :( اللآلي المضيئات في تحصيل مسائل النيات ) ، وله موضوع سماه ( اصلاح الطويَّة بتحصيل صالح النية ) وله موضوع سمَّاه إبراهيم بن أحمد الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ
( الكافية الشافية فيمن اعترض على أئمة الهدي ومصأبيح الدجا ) ، وله موضوع في: الأسماء الحسنى وصفات الباري جل وعلى ، ومن املائه في الفتن الواقعة بين المسلمين فإن القاعد خير من القائم فيها وأن الإنسان يعمد الى سيفه فيدقه بحجر ، وله موضوع في: الدعاء وكيفيته ، ومختصري هذا لا يتسع لشيء مما ذكرت وهي موجودة ، فمن بحث وجد فيها الشفاء لعيه ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( شفاء العي السوأل ) .(1/154)
... وأما كيفية الذكر والتلقين: فهو أخذ عنه إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ ، ورواه ، وتلقَّنه بمحضري من الفقيه الأمام فخر الأنام وعمدة أهل الإسلام على بن عبد الله بن أبي الخير أيده الله ، وهو أخذ وروى وتلقَّن من المقري العلامة أحمد بن محمد النسَّاخ ، وأنا أروي وآخذ وتلقَّنت الذكر الشريف عنه ، وعن سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وعن المقري المذكور تبركا بذلك وبهم وبحكاية سلسلة السمَّاع ، فهو ماروى: علي بن عبد الله ابن أبي الخير ــ أيده الله ــ عن: المقري أحمد بن محمد النسَّاخ ــ أعاد الله من بركاته وجزاه عنا خيراً ــ ، قال المقري: أروي عن: مشائخي أهل الطريقة والحقيقة ــ قدس الله سرهم ــ أن الذكر حياة القلوب ، وجاذب أسرار الغيوب ، وبه يتصل المحب الى المحبوب ، كما أن النظر حياة العقول وجالب الحكم والعلوم ، وللذكر أصل ، وفرع ، وشرط ، وبساط ، وخاصَّة فاصلة الصفاء ، وفروعه الوفاء ، وشرطه الحظور ، وبساطه العمل الصالح ، وخاصيته وثمَّرته فتح من الله المجيد ، ومكاشفات لأسرار التےحےد .
... وللذكر فضائل لا تحصى: منها: أنه لا ينقطع في الدنيا والآخرة ، ومنها: يدخل في الحصن الحصين ، قال الله تعالى ( لا إله إلاَ الله حصني فمن دخله أمن من عذأبي ) ، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أفضل ما قلت أنا .......... من قبلي لا إله إلاَ الله ) ، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم (سبحان الله تملأ احدى كفتي الميزان ، والحمد لله تملأ الكفة الأخرى ، ولا إله إلاَ الله ترفع الحجب بين العبد وبين الرب ) ، واجمع الراسخون في العلم ــ قدَّس الله أرواحهم ــ أن لهذه الكلمة الشريفة أثرا عظيماً ، خاصة بليغة في رفع الحجب ، وهي سراج الظلمة البشرية ، ومفتاح خزائن الملكوت والذكر منشور الولاية ، فمن أعطي الذكر فقد اعطي المنشور .(1/155)