... وفد الى صنعاء رجل من شيراز متصوفاً صالحاً فأمسى بالقرب من المشهد ، فشاهد في الليل أنوارا تصعد من قبر المهدي بن قاسم حتى تبلغ أعنان السماء ، فاتخذ فيه عريشاً ، وعبد الله فيه مدة من الزمان ، أعاد الله من بركات من ثوى فيه وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيراً .
... وكتب في لوح على قبر السيد الأمام المهدي هذه الأبيات: إبن عمه السيد الأمام يحيى بن قاسم بن إبراهيم بن مطهر، وكان عالماً ، فاضلاً ، كاملاً ، مجاهداً ، أستشهد في حرب الباطنية الملاحدة حولي صنعاء ، وقبره في غربي صنعاء مشهور مزور ، وهذه الأبيات :
... ... ... ضريح فاز بالخير العميم ... وفاق بذى الكرامات الكريم
... ... ... وذاك صلاح دين الله حقا ... أخي الايات والذكر الحكيم
... ... ... وكيف يحيط بالمهدي قبر ... ولمحو الحسن من وجه وسيم
... ... ... ولم تسع الأراضي منه مجدا ... واحسانا وحسن ثناء مقيم
... ... ... فزار ضريحه في كل حين ... سلام من لدي رب رحيم
... وأما الفقيه الأمام محمد بن عبد الله بن أبي الغيث(1/141)
الرقمي ــ رحمه الله تعالى ــ فكان عالماً ، مصنفاً ، مجتهداً ، عأبداً ، زاهداً ، ورعاً ، متواضعاً ، متخشعاً ، متبتلاً ، أواهاً ، منيباً ، قطع عمره في طاعة الله الخالصة ، النهار صيأما ، والليل قيأما ، ما ترك صلاة الجماعة خمسين سنةً أماماً شاهدته إذا خرج من بيته لصلاة الفجر يبكي كالثكلى ، وله جوار ، وكان إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ بأقواله وأفعاله يقتدي ، بارآئه يهتدي ، كما قدمت في أول الكتاب ، قال الأمام المهدي لدين الله على بن محمد بن على: من أحبَّ أن يرىَ مَلَكاً يمشي على الأرض فلينظر الى محمد بن عبد الله الرقمي ، والى حاتم بن منصور ، وله رحمه الله تصانيف جمَّة منها: كتاب ( تنبيه الراغبين الزاهدين ) ، بسيط ، ومنها كتاب ( التحفة في الأخبار النبوية ) ، وله كتاب: ( الأدلة من الكتاب والسنة على مراد الله تعالى من خلقه ) ، وله: ( مواعظ شافية ، وحكم بالغة ، موجوده مدونة ) ، نسخ بيده المباركة من ماله خمسه وعشرين ختمة القرآن العظيم ، وكتب أدعية وغيرها بيده المباركة ، وكان لا يدخر ممافتح الله عليه الا لثمَّانية أيام ، وإذا فضل عليه شيء من نفقة الثمَّان اتخذ مأدبة من اللحم والطعام ودعا عليه نفرا من اخوانه ، ومن طلبة العلم ، شاهدت ذلك مراراً ، وكان له كيس واسع يشتري فيه من السوق فتت الخبز والجزر وشيئاً من الزبيب ، ويطوف به على منازل الدرسة ، وكان يحمل الحطب والكبا على ظهره الى بيته وبيوت اخوانه تواضعا وتخشعا وتقربا ينفع المسلمين ، رأيته إذا مشى كأنه راكع من خشية الله ، وكان يدخل البيوت ويعظ النساء ويخبرهن بالواجب عليهن من الصَّلاة والزكاة وطاعة الأزواج ويطوف على الأرامل والأيتام ويقضى مأربهن حتى صلح من الرجال والنساء والصبيان ببركته خلق كثير في زمانه ، وكان إذا حضر في مجمع لم يكن منه فيه إلاّ وعظاً شافياً ودعاء وتضرعاً وبكاء وتخشعاً ، وترك الاقراء في آخر زمانه مشتغلاً(1/142)
بالعبادة الخالصة ، وقد فاز من العلم والتجارة الرابحة والسعايات الصالحة ــ انشاء الله تعالى ــ، وتوفي بصنعاء مشكوراً سعيه باقيافي الصالحين هدية ، قبره مشهور مزور ، تشد إليه الرحال ، وتسعى إليه زمر النساء والرجال ، قبلي صنعاء بالقرب من مسجده فروة بن مسك صأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ــ رحمه الله تعالى ــ وأعاد من بركاته على العارف والسامع والمبلغ . آمين ، وخلَّف ختماً وكتباً ووصية فيها إبن بنته الفقيه الفاضل محمد بن أحمد بن يحيى بن حبيب الصنعاني ، وهو رجل فاضل عالم يضرب بورعه الأمثال ، ويقتدي به في الأفعال والأقوال محلق في فقه آل محمد ــ عليهم السلام ــ ذو عفاف ، وورع ، وقنوع ، وخوف ، وفزع ، مرافب أواه ، تارك لهواه ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ(1/143)
... وأما الفقيه الأمام الحسن بن محمد النحوي ــ رحمه الله تعالى ــ فهو شيخ شيوخ الإسلام ، مفتي فرق الأنام ، مؤسس المدارس في اليمن ، محيي الشرائع والسنن ، طبق فضله الآفاق ، وانتشر علمه وفاق ، مضيت أقضيته وأحكامه في مكة ومصر والعراق وبلاد الشافعية والحنفية ، ولم يعاب ، كانت حلقته في فقه آل محمد تبلغ زهاء ثلاثين عالماً ومتعلماً في حلقه واحدة ، فشيوخ بلاد مدحج وآنس والمغرب وصنعاء وذمار وحجة والشرف والظاهر وبعض شيوخ الشافعية تحصرهم درسته وتلامذته وهو شيخهم ، وله تصانيف رايقة ، ومسائل في الفقه لائقة ، وأنظار منورة ، واجتهادات مسطرة علماًء العصر والأوان عاكفون عليها ومواظبون على درسها ، وهي تأتي مته مجلدة مفيدة جداً ، منها: كتاب في التفسير ( سمّاه : التيسير ) ومنها: كتاب في علم المعاملة ، كان لا يفارقه في أكثر الحالات ، وكان يقول: ذكر الصالحين وكرأماتهم جلاء القلوب القاسية ، وكانت أخلاقه شبيهة بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخلاق مفترة ، وسجايا شافية ، منبسط للقريب والبعيد ، مجلسه العام الناس فيه سواء موضف وضايف في يومه للأقراء ثلاثة أوقات أدْوَالاً تامة وللحكم وقتين لحاجة الناس الماسَّة الى أقضيته وأحكامه ، وللنسخ وقتا يعود به على نفسه وأولاده ، وما كان يأكل إلاّ من كديده حتى لقي ــ الله تعالى ــ ، وقد كان في بصره بعض ضعف ، وكان له من الورع الشافي والزهد في فضلات الدنيا الوافي ما لا يسعه كاغد ، يلبس العباء الخَلقَ والشملة الخلقة ، وما يلبس القمصان إلا للتجمل في المجلس العام .(1/144)
... وكنت أحضر في بعض الأحيان على غدائه أو عشائه فأجده خبزاً تارة براً ، وتارة شعيراً، تارة بحلبة ، وتارة يابس بجريش ملح ، ومن ورعه قال لي يوماً: ما لنا غداء اذاً لاضفناك وإن عندي لكيساً مملوءً دراهم لمسجد الجامع ما تساعدني نفسي اقترض منه درهماً ، وكان مجلسه ــ رحمه الله تعالى ــ لايذكر فيه احد من المسلمين الا بخير ، ومن ذكر فيه مسلماً بما لا يليق بحاله ظهر الضيق والظجر في وجهه الكريم . وقال لي يوماً: من تعود ترك الغيبة وظن السوء بالمسلمين سهل الله عليه ......... وسمعته يوماً ، يحكى: في مجلس الدرس أنه راى في المنام أن القيامة قامت وأن الناس في قاع صفصفا وليس راكب الا الأمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ( ع ) راكب على فرس بيضاء ورديفه عليها رجل من المشرق يعرفه صالح والأمام يسرع بسير الفرس وهو يقول : لمثل هذا اليوم حسن ( في نسخة ....... : حسَّنَّا ) الظن بالناس ، لمثل هذا اليوم حسن الظن بالناس .(1/145)