... رَوَى لي ولده هذا: أن تاجراً من أهل صنعاء وكان صالحاً تقيا جاءه ليودعه وهو يريد التجارة الى مصر ، فقال له حاتم ــ رحمه الله تعالى ــ : يافلان لو خيرت بين أن أحوز هذا الذي شغلك أو أكون أعمى واصم لاخترت العمى والصمم ، وكان لا تأخذه في الله لومة لأئم . جاءه يوماً أمير صنعاء وملكها : معتذرراً في حد سارق وجده أخذ على أخ من اخوانه ثوباً في الليل ، فسلم على الفقيه وأراد تقبيل يده ، فانزوى عنه الفقيه وعن مس يده كأنها ثعبان ، فقال :ياسيدنا قد فعلنا بهذا السارق وصنعنا ، فقال له الفقيه ــ أعاد الله من بركاته ــ : ياعبد الله هذا السارق يأخذ الناس بالليل ، وأنت تأخذهم بالنهار ، فبهت ذلك الأمير وولي منكسر القلب مسودَّ الوجه .
... [اشارة ]
... أروي: بالسند الصحيح عن: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا لقيتم أهل المعاصي فالقوهم بوجوه مكفهرة ) . وقال (ص): ( إنه من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطالله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) .
... وقال ــ تبارك وتعالى ــ : { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا أبائهم أو أبنائهم أو أخوانهم أو عشيرتهم } ولا أخص من الولد والوالد والأخ ولست أنا في شيء من ذلك استغفر الله .. استغفر الله .. أستغفر الله .
... في مناجاة موسى ( ع ) : يقول الله تعالى : ياموسى إن خزانتي مملؤة من الصلوات والقيام والعبادة ، ولكن هل آتيتني بمعاداة عدَّو لي وموالاة وليَّ لي أو آتيتني بعد آبق .
... وله ــ رحمه الله تعالى ــ : من مكارم الأخلاق ومحبة أهل البيت(1/136)
والإحسان إليهم ، سيما الى الأمام يحيى بن حمزه مالا يمكن وصفه لكثرته ، وكان للمسلمين ولأخوانه في الدين والأرامل والمساكين والضعفاء والمرملين كالوالد الشفيق ، يتحمل لمصالحهم ومرافقهم الصعب من الأمر ، والذب عن الدين ، فجزاه الله عن آل محمد وعن أخوانه والمسلمين أفضل ماجزا محسناً على احسانه آمين آمين .
... وقبره مشهور مزور بصنعاء على باب اليمن بمشهد السيد الأمام ، الصّوام ، القوَّام ، علم أعلام أهل الإسلام ، خليفة زين العابدين ، المختص بالكرامات من رب العالمين: المهدي بن قاسم بن مطهر بن زيد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فهما ضجيعان وتوأمان وأليفان في حياتهما ومماتهما ــ حباهما الله تعالى بالرضى والرضوان وأسكنهما الجنان ــ ، رضيعا لبان ثدي أم تحالفا باسحم داج عوض لانتفرق .
... وكتب حي السيد الأمام عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بخط يده الكريمة في لوح على قبر حاتم بن منصور هذين البيتين:
... ... ... عمت فضائله فعم مصابه ... والناس فيه كلهم مأجور
... ... ... والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنة وزفير
... وضمَّ مشهد السيد الأمام المهدي بن قاسم من العلماء والفضلاء والكملة في أهل زمانهم من أذكره لأتبرك بذكرهم .
... لما توفي حي الأمام المهدي بن قاسم بعد أن فاز ، وبكماله على أهل زمانه أمتاز ، وعلى صراط الله ودينه الممستقيم جاز ، كان ( ع ) أعلم أهل زمانه ، ومستند أوانه ، مجتهداً في العلوم ، راسخاً في المسموع والمعلوم ، أقرأ في أصول الدين وأصول الفقه والفقه مدة من الزمان زهاء ثلاثين سنة ، وكان يؤهل للأمامة وتحمل الزعامة العامّة ، واشتَّد الزحام عليه والمطالبة بعد موت المؤيد بالله يحيى بن حمزة ــ عليه السلام ــ فامتنع أشد الامتناع ، وكان له رحمه الله الورع الشافي ، والحجا الوافي ، والكرامات الظاهرة ، ما لا يستطاع ذكره في هذا المختصر .(1/137)
... من ورعه أن العامي يستفتيه فيحكي: له خلاف أهل البيت ويقول: خذ بقول من شئت ، فيقول العامي : ما أعرف إلاّ ماترجح ، فيقول : ما أفعل .
... ومن ورعه ــ عليه السلام ــ أن أهل قرية جاؤا إليه بحب كثير، وشك أن واحدا منهم وضع عليه مكيال حب من زكاة ، فأظهر الضيق عليهم ، وأقسم لولا أن الله ندب الى إكرام الضيف والتجأوزله ماذقتم لنا طعأما وأمر بتفريقه على المسلمين ، وكان على أوقار من البهائم .
... ومن ورعه ( ع ): أن الأمام المهدي علي بن محمد ( ع ) صدر له من صعدة بثياب نفيسة مفصلة فما قبلها لشكه أن يكون فيها شيٌ من الزكاة حتى جائه جواب الأمام ( ع ) ما يعلم فيها من الواجبات مثقال ذرة فقبلها ، وما لبسها حتى لقي الله ... ومن كرأماته: أن القاضي العلامة جارالله بن أحمد بن عيسى ، وكان جامعا للعلوم حاز الكرَّم والإفضال ما لم يسبقه إليه في وقته أحد ، مشمَّرا في الجهاد والقيام في حرب الباطنية ونصرة الأمام المهدي علي بن محمد مالم يسبقه إليه أحد مع فرلاضل ظاهر مشتهر ، روى لي: أن راعياً في زراجة جهران كان له عشرمن الغنم فتبرك بالسيد وذبح له العاشرة ، وحكى للسيد الراعي بمقصده ، فدعا له السيد بالبركة فجاء الراعي بعد مدة ، وحكى للقاضي: أن غنمه التسع وضعن ثمَّانية عشر سخلة في مدة ثمَّانية أنام .(1/138)
... ومن كرأماته أن رجلاً فاسقاً رجم ولداً له بحجر حتى أبكاه ، فدعا عليه ، وأبتلي بالجذام في وقته حتى كان عبرة بين الملأ وتقطعت أعضاؤه ، ومات ، وله ( ع ) موضوعات أصولية وفروعية وقياسية ، روى في الفقه الأمام أحمد بن حميد بن سعيد شيخه ( ع ) قال :لو قسم عقل المهدي بن قاسم على الناس لكفاهم ، وكان يستوحش من الأمراء وأهل الرياسات وإذا وفد عليه منهم أحد أضافه ، وإذا سوروا عليه عيشا منع أولاده وأهله من أكله ، الى غير ذالك من كماله وعقله ( ع ) ، وكان ساكنا ( ع ) بالتجاف من بلاد سنحان مهاجراً لما رأى من شوكة الظلمة بصنعاء اليمن ، فدخل صنعاء لمهم له فمرض بها ، وتوفي فيها ، وكان يدعوالله أن يميته بين المسلمين ، فاستجاب الله ــ سبحانه وتعالى ــ ، وتولى الصَّلاة عليه أخوه حاتم بن منصور ، وأتخذ عليه مودة في الله ، ومعينة على طاعة الله ، وعونه على مأربه كلها حبيب آل محمد ، وولي صالحي أوانه عن يد عفيف الدين ، ذوالدين القويم ، والقلب السليم ، والإحسان العميم ، والورع المستقيم ، سعيد بن منصور الحجي مشهدا بالآجر والقضاض على قبره ودفن بالقرب منه حاتم ــ رحمه الله تعالى ــ ، وبعده الفقيه الأمام شحاك الملحدين ، وناظورة المسلمين ، إبراهيم بن علي العراري ــ رحمه الله تعالى وأرضاه ــ ، وكان عالماً ، جامعاً للعلوم ، محتهداً فيها محلقاً لم يسبقه أحد من أهل زمانه ، وقبر بعده فيها : السيد الفاضل ، العابد ، الزاهد ، المجاهد ، ربيب القرآن ، وحليف الأحزان ، الحسن بن المهدي بن الهادي ، وقبر فيه: السيد الفاضل، العابد ، الراكع ، الساجد ، محمد بن على الأعقم ــ رحمه الله عليه ورضوانه ــ ، وقبر فيه: الفقيه الأمام العلاَّمة فخر العصابة الزيدية ، وتاج اكليل الفرقة الناجية ، محمد بن زيد بن داعر(1/139)
ــ رحمة الله عليه وأرضاه ــ ، وكان محلقا ، مجتهداً ، سيما في أوصول الدين ، زاهداً عن الدينا ، متورعا عنها ، بسأما في وجوه الناس أجمعين ، وقبر فيه: المقري الأفضل ، العابد الأكمل ، عمر بن أحمد الشرقي ، وكان من عباد الله الأبقياء ، الخفيا ، أنحله الخوف ، وقطع أوصاله الحياء من الله، والشوق الى لقاءه ، وقبر فيه: راشد بن محمد بن نشيب وولده عبد الله بن راشد ، وكانا من أفاضل المسلمين ، ومن ذوي التقوى ، واليقين ، والورع الرصين ، والنفع لإخوانهما في الدين ما يفوزان به عند رب العالمين ، وقد قدمت ذكرهما في ذكر ورع إبراهيم الكينعي ــ رضي الله عنهم وأعاد من بركاتهم ــ ، ودفن فيه: الفقيه العالم يحيى بن محمد التهامي ، وكان عالماً في الأصولين والفرائض علماً راسخاً ، وتحقيقا بالغاً ، شيخه فيها الأمام المهدي بن قاسم ــ رحمه الله تعالى ــ وكان حسن الخلائق لطيف الطريق ، محسن الظن بالله ــ تبارك وتعالى ــ ، ومعتقد أن الله لا يعذب أهل التوحيد بالنار ، وكان يقول ــ رحمه الله تعالى ــ عفواًلله وكرَّمه أوسع من غضبه وانتقامه ، وبقي في المشهد المقدس موضع دفن فيه عامره سعيد بن منصور الحجي ، وكان فاضلاً ، عأبداً ، زاهداً ، أنفق أكثر ماله على اخوانه المسلمين والفقراء والمحتاجين ، وكان يتخذ الضيافات العظيمة للسادات والعلماء ويفكههم بأنواع الطيبات واللذات ، ــ فجزاه الله عنهم وعنا خيراً ــ ، وعلى هذا المشهد المقدس انوار النبوة وأعلام الهداية ، مقصود للزيارة من كل فج ، لايزال فيه الزائر والتالي والمتضرع الى الله في قضى مأربه أكثر النهار ، ما دعى فيه داع في حاجة الا قضيت .(1/140)