ورسخت يده المباركة على مدينة صعدة الهادي ( ع ) ، وظفار المنصور ، وصنعاء اليمن ، ومدينة ذمار ، وهو الآن في شن الغارات على بلاد الباطنية حولي صنعاء ، وبلاد مدحج ، وناحية حراز ، ويام صعدة أقماهم الله ، ومكنه مثل مامكن أباه الناصر ( ع ) منهم ومن قلاعهم الحصينة ، وعلى سلطان اليمن وصأحبَّ جبل بعدان ، وجبل الشواقي محاصران المدينة جبل اليمن الآن والله المستعان وهما من أنصاره ( ع ) .
... وكلام الأمام الناصر في المواعظ والحكم كثيراً جمَّاً غفيراً ، لكنه كتب الى إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ كتاباً أورده ها هنا لكوننا بصدده وهو :(1/126)
... الله أسئل بجلآل جلآله وكمال كماله ، ومعاقد العز من كبريائه وبذاته العظماء وأسمائه ، وبأوليائه وأصفيائه وملائكته وأنبيائه أن يوفق الفقيه ، الأفضل ، الأعلم ، الأزهد ، صارم الدين ، قدوة الأفاضل المقربين إبراهيم بن أحمد الكينعي ، ويعيد من بركاته ، ويرزق الجميع عيشة سوية ، وخاتمة مرضية ، وتوبة صادقة ، وحالة لرضى الرب موافقة ، أن يكفينا شر أنفسنا خاصة ، وشر الشيطان ، وشر الناس ، أما النفس فهي الأمارة بالسوء بنص الكتاب العزيز ، وهي اللوامة بنصه أيضاً ، فهي آفة الآفات ومصيبة المصيبات الشهوات مرادها ، والمعاصي مقادها ، والطاعات ضدها ، ومخالفة الكتاب والسنة جدها ، وأما الشيطان فعدو راصد ، ومنتصب كائد يأتي الإنسان من بين يدنه ومن خلفه وعن يمينه ، وعن شماله ، لايفتر من الوسوسة ، ولا يميل من الهندسة ، قد بدأ بأبينا آدم فأخرجه من الجنة ، وسلبه من المنة ، ثمَّ إحتال على الإنبياء المعصومين حتى نظم كثيراً منهم في جملة المكلومين ، هذا عاثر من خطيئته ، وهذا معلن بمصيبته ، ثمَّ التفت الى الأولياء والمريدين والصالحين ، فطحنهم بكلاكه واحتنكهم إلامن عصمه الله ، وقليل ما هم ثمَّ نعق بالناس فوجدهم أخف من ورقة فتضاحك منهم وتشاغل عنهم ، ووجدهم في مهنته أرحب منه صدراً ، واحد ضفراً ، وأطول باعاً ، وأشد مصاغا ، فبث فيهم رسلاً وكانت له الجولة والصوَّلة في كب الناس على مناخرهم ، وأما الناس فكالذياب العادية ، والكلاب العأوية إن دانيتهم نهشوك ، وإن بعدت عنهم بهتوك ، وإن باينتهم عادوك ، وإن داجيتهم كادوك ، والهوى من بعد هذه الأشياء مضل ، وجنوده وافره ، والنار من بعد هذا محفوفة بالشهوات والجنة محفوفة بالمكاره ، فكيف يكون الخلاص من هذه العقاب الصعبة ، والذي أشار إليه سهَّل الله لقاه وأطال بقاه من عمارته للرباط المبارك بمسجد الأخضر بصنعاء ، فاعلم أرشدك الله وإيانا إن الوقت لا يحتمل ما في نفسك ، والناس(1/127)
غير ملتفتين الى هذه الطريقة ، فإن ترجح لك وعزمت عليه ، صرف إليه من الجهات ما يسد خلة من يقف فيه ، انشاء الله ، وبعد السلام عليك ورحمة الله وبركاته وهو مسئول الدعاء .
... ومن كتاب كتبه ( ع ) يعاتب فيه نفسه الشريفة ، وهو من أنفس الكتب ، وأعزرها لغة وعلماً وحجة وحكما : ... يا محمد منيت من أبناء دهرك بالأمرين ، وبليت منهم بالأطودين والأقورين ، وكنت في علاجهم كالفرس الأشقر إن يتقدم ينحر أويتأخر يعقر ، شغلوك عن خويصة نفسك ، واهتبلت بقولهم في سعدك ، ونحسك وسعد قولهم في الحقيقة منحوس وبخوس ، ونحسه في حقك لو تنطست مانوس مرغوس ، فهل لك في ترك نفاقهم بنبذ وفاقهم ، وفي الخلاص من رباقهم واسترقافهم باطراح رقراقهم ، ألا نظرت الى رميهم لك بالشكاسة والكزازة ، وتفكرت في نهوض أحدهم عنك بملاء الصَّدر من الحزازه ، يتألى على الله في صيور ( في ن: [جيور ] ) أمرك ، وتعجب الحاضر والبادي بدخيله صدرك ويفتن في الاحاديث ، كحاطب الليل ، ويستن في الأكاذيب كعاني الخيل، كما قال جار الله العلامة ملقيا أسباب الفتن ، محلفا في الأدب والسنن ، وراي استنابه : لا تدفع من صدره دافع ، ولا يزعه من دين حق وازع ، ولا يزعه من عرق حق نازع ، يأكل لحم أخيه بالنقيصة والثلب ، ويلبغ في دمه الحرام ولوغ الكلب ، ويصوّت ويصعَّد في تمزيق فروته ، ويقوم ويقعد في قرع مروته ، ويخلط ذلك باستهزاء متتابع واستغراب متدافع .
... يا محمد: تنبه علي أنارك وزحا ليقك ، ودع الناس ، وتأمل في قذاربقك فإن ذنوبك دائره واصبة ، وسوءتك عليك لازبه ، وإن الأمارة والأمامة إذا طلعت الأمارة حسرة وندامة ، فنافس نفسك قبل الإنتقاس ، واكمشها في فعل الخير قبل الإنكماش ، وروقها بأوقات الصَّلاح ونادها هلمي الى الفلاح ، وعرفها بملازمة الر قيب العتيد ، وبأهأويل الموقف الصعب الشديد ، وإن عللتها بعسى ولعل انتظمت ما قيل في المثل ( ) شقيت وحج الجمل ) .(1/128)
... يامحمد: إن كثرة الناس بين يديك حويجية يوم القيامة عليك ، وإن من تحت يدك من الخلائق خصومك يوم الفضائح والبوائق ، فارتفع عن ضلعك ، وخذ لقصرك من........ ولا تنافس فيما تنافس فيه الناس من الجذاذات والقذاذات ، وقيد نفسك فيها عن الرذاذات ، وانظمها في سلك القاذورات ، وحرزها في جملة المحظورات فإنك إن أردت النقدلم يكن لك فيها سند ولا نقد ، وإن خصمت في مباديها قذفتك في أقاصيها ، فادرها ( في ن: [ فاحرزها ] ) بقلب الآلمعي المعيدان ، وأقرع منها قرع الفقد السامن السميدان ، وإناك وإنطامك ( في ن: [ انتظامك ] ) في سلك الطياطرة ( في ن: [ الضياطرة ] ) ، فكلا الوجهين غير سديد والمتصف بهما أو بأحدهما غير رشيد .
... يا محمد: كن في أمر دينك لوذعي مذمذي ، وفي دنياك نطاسي أحوذي ، وخير الأمور أوسطها ، لاتفريطها ولا إفراطها ، في بعض الاثار : ثلاثه أشياء لا تخرج من العاقل: منها حديث النفس ، وقد ترجح ظهوره فربما ينتفع به ــ انشاء الله تعالى ــ .
... تم كتابة ( ع ) وكشف الفاظه اللغوية في الكتب البسيطة .(1/129)
... ومن كتاب كتبه ( ع ) الى القاضي آية الزمان وعلامة اليمن عبد الله بن الحسن الدواري ما لفظه : أيدالله المسلمين ، ودمرأركان الظالمين ، ببقاء المقام الأكرَّم ، فخر الملة والدين ، زهرة زمانه ، وكوكب نظرائه ، وغرة أهل أوانه ، وحلية أكفائه ، مهذب الأخلاق ، حلوالشمائل ، مرصَّع الأوصاف ، دثر الفضائل ، ورضعة المكارم ، حليا المكاتب ، أفعاله عقود تمايمها ، ونقطة بيكارها ، وفصوص خواتمها ، عين الفضل الناظرة ،ولمعته الزاهرة ، مشرق اللطافة ، حلو المذاق ، أكيد العلاقة ، يفتق به نور الأمال بعد الذبول ، ويعود به نور الذبال بعد الخمود والخمول الى أن قال : ومن بحلة الثناء كان كمن يجل عين الشمس إشراقا ، وورق الحمام ألوانا وأطواقا والله يتحفه بسلام حفت بالرحمة جوانبه ، وهملت باليمن والبركات سحائبه ، وتمتع ببقائه ، ويصرف الأسواء عن حوبائه ، ورد كتابك الكريم ، متضمنا لشفاء العلة ، ونقع الغلة ، حكى الروض نشره ، وازرى بروض الشمس بشره ، في خطة من كل قلب شهوة ، حتى كان مداده الأهواء ، ولكل قلب قرة في قربه ، حتى كان معينه الاقراء ، لو استنزل به العصم لأجابت ، أو استعتب به العوام لأنابت ، هو سماء فضل جادت لصوب الحكم ، وشيء طلع حاله من العلم وما أودعه من التعويد بماضي العبد ، فالله يهنيه نعمه الظاهرة ، ويصليها بخيراًت الآخرة ، ويعيد على الجميع من بركات العيد ، وينظر الينا بعين الرحمة يوم يقال: لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ ، وما أشار إليه من النعم المتكاثفة بما من الله من الفتوح المترادفه فهي نعم جليلة الأخطار متباعدة الرجاء والأقطار ، استيصال شأفة الباطنية الملحدين ، واجتثاث جرثومة الكفرة العمين ، أخرجهم من صياصيهم ومكن من نواصيهم ، فصاروا أسرى بعد أن كانوا أمراء ، لم يغن عنهم من الله شيئاً ، ولا منعتهم فدتهم (1) من جنود الحق ، ولا
__________
(1) ـ في حاشية الأصل : ( اسم موضع كان لهم )(1/130)