... وقيل: جرت مناظرة بين زيدي وجبري في القضاء والقدر ، فقال الزيدي : هي مسئلة خلاف بين آدم ــ عليه السلام ــ وبين أبليس ، فقال آدم: ربنا ظلمنا أنفسنا ، وقال إبليس: فبما أغويتني لأزييَّن لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين ، ثمَّ قال المجبري : فما يقول في علي ومعأوية ؟ فقال الزيدي: أحدهما في النار لا محالة ، والتعيين اليك ، فانقطع الجبري .
... ووقف زيدي على جماعة من المجبرة ، فقال لهم مامعناه : ما أعرف المجادلة والإطاله ، لكني أسمع في القرآن قوله تعالى: { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } ومفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن موقد النار غير الله وأن المطفي للنار هو الله فكيف تقولون: أن الكل من الله وأن الموقد للنار هو المطفي لها ، فانقطعوا ولم يردوا جوأبا .
... وسئل عدلي عن آية ؟ فيها معنى الإضلآل ــ تعالى الله علواً كبيراً ــ ، فقال العدلي للجبري : أما تعتقد أنت وسائر المسلمين أن القرأن نزل حجة لنبيكم صلى الله عليه وآله وسلم على الكافرين والعاصين ؟ قال بلى: قال : فإذا منع الله الكفار والعصاة من الإسلام والطاعة كان القرآن حجة للكفار والعصاة على نبيكم ، فانقطع خلق كثير الله أعلم بعدتهم .
... وكان ــ رضي الله عنه ــ إذا رآى أليما أو بهيمة أليمة قال : أنذروا للأمام صلاح فيها نذرا وهي تعافا ، وجدت بخط يده بعد موته ــ رحمه الله تعالى ــ ما لفظه : يا هو، يا هو صلي على محمد وآله لما كان ، في صفر غالب ظني سنة احدى وتسعين وسبعمائة ، وأنا بمكة ــ شرها الله تعالى ــ وأنا مشغول القلب بشخص أحبَّه كثيراً ، وأود عوله بان الله يحفظه وينصره ويرضى عنه فأجبت وأنا في اليقظة بأنا قد حفظناه ، ونصرناه ، ورضينا عنه ، وأمرت أن اكتبه لا أنساه وكرر عليَّ مراراً ، وقيل لي: بشّره بهذا ، فيطيب نفساً، ويقر عيناً ، وهو الأمام الناصر صلاح بن علي .(1/121)
... ورأيت بخط يده المباركة بعد موته ما لفظه: أنت أنت نَمْت في بعض الأيام في شعبان في سنة تسعين ، وأنا في مكة ــ شرَّفها الله تعالى ــ ، وإذا بحي القاضي حسن بن سليمان
ــ رحمة الله عليه ــ فسألته عن شيء يتعلق بالأمام ؟ فقال : أنا أشهد أنه أمام حق بالتحقيق والسلام .
... ورأيت بخط يده المباركة مالفظه : حسبي ربي وكفى ونعم الوكيل ، لما كان في النصف الأول من الشهر المعظم شهر رمضان أعاد الله علينا من بركاته ، طلبت أدعو عند الملتزم ، وهو مأبين الباب والحجر الأسود لأن الدعاء في هذا المكان مستجاب على ماروي بما كنت أدعو للشخص فنهيت أن أدعو لأن الحاجة قد أنقضت وأمرت أن أكتبه فكتبته ، وكان إذا دخل عليه أحد من اخوانه أو رآهم مجتمعين قال: قلوبنا يازيدية فيها قسوة والشوفع إذا أهمهم أمر فزعوا الى كتاب الله، وأمامكم من المشرق الى المغرب ومن البحر الى البحر بين أعداء معه وأعداء يقصدهم ، إقرأوا عليه ، واستحفظوا ، وأقرأوا يسّ مراراً ، ويلزم كل واحد منكم قرآءة يسّ على قدر اقباله ، وكان يقول: لولا أني نهيت لأخبرتكم عن الأمام صلاح من الكرامات والتنويرات ما يزيدكم فيه اليقين ، وكان ــ رحمه الله تعالى ــ يأمر أخاه سعيد بن منصور الحجي ــ رحمة الله عليه ــ أن يتخذ للأمام من طيبات الطعام والآلوان والرمان وعنب البياض وغيره ، ويقول: لا تحمله حتى أشاهده فارآه حي الوالد سعيد قدرا فيها طبيخ محلا، وقدرا فيه زيرباج ، وصحن فيه حبز شعير ، وبرنية فيها عسلاً ، وأوعية من عنب البياض من عنبه قدمها للأمام ــ عليه السلام ــ ، فرأيت سيدي إبراهيم ــ رحمه الله تعالى ــ في وجهه السرور وقال : أدخلت عليَّ بقعلك هذا السرور أدخل الله عليك الفرح والسرور في اليوم العسير ، ورأيت الوالد سعيد في ذلك اليوم مسرورا ، وربما أن الأمام دخل على قلبه مسرة ، وهي التى قصد إبراهيم لأنه يعرف أن ذلك بإشارته ، وأن(1/122)
في ذلك الطعام مقصداً صالحاً ، فكان كما ظن ، وبلغ مسرة الأمام بذلك وفرق منه شيئاً لأولاده وأزواجه ، والله أعلم بتركا بقصده ــ رحمه الله تعالى ــ .
... وسار مع الأمام الىصعدة فلما وصل صعدة قال: أريد الحج ، فدافعه الأمام ــ عليه السلام ــ أشد الدفاع ، وقال: لابد لي ، فأخذ منه الأمام ( ع ) عهداً وخطأبا بالرجوع فوفى بعد وقوفه في مكة ثلاث سنين ، وقال الأمام الناصر ( ع ): مهما كان الفقيه إبراهيم بين أظهرنا فما نرى مكروها ــ انشاء الله تعالى ــ ، وكان كما قال وظن ، وجاء مرة الى عند الأمام فنزل الأمام عن جواده ، وعانقه ، وصفحه ، وهو في بزَّة بالية فقال بعض من يليه: من هذا الذي عانقه الأمام ؟ فالتفت إليه الأمام وقال: هذا مجهول في الأرض معروف في السماء ، وكان الأمام يزوره الفينة بعد الفينة ، زاره في ذمار الى بيت أخ له من اخوانه ثلاث مرات ، قال له: إن علم الله مني أني أحبَّ وصولك وتعبك اليَّ لم يكن لي جزاء إلاّ النار ، وزاره الأمام الى بيت سعيد بن منصور الحجي مراراً ، وإذا كان معه في مخارج جهاد تفقده الأمام ( ع ) بنفسه الشريفه ، ويأمر من بتفقد طهوره وركوبه ونفقته ، قال الأمام المهدي لولد الناصر ( ع ) : جاءني الفقيه إبراهيم الكينعي وقال: يريد المسير معك الى رداع ، فعرفت أن الله قد نصرك وحفظك ، وما هو إلاّ كالحرز في يدك ، أو ما معناه ، هذا فقال الأمام الناصر ( ع ) : ذلك من فضل الله وبركات مولانا وسره ، وكان كما قال نُصِرَ ( ع ) نصراً ظاهراً لم يكن مثله في الوقت ، قال لي الأمام الناصر ( ع ) يوماً بيريم : ما كدنا نصدق بما يحكى عن الصالحين المتقدمين حتى شاهدنا الفقيه إبراهيم فوجدناه على أبلغ ما حكي عنهم لأن خوف الله تعالى والشوق الى لقائه كاد يذهب روحه ، يعلم الله تعالى ما أقف عنده ساعة إلا أظن أن روحه قد خرجت ، قال لي يوماً ــ رحمه الله تعالى ــ : يا يحيى ما كنت أعرف الواصل(1/123)
والمتصل والحال إلامن الأمام صلاح ، قلت: فكيف ذلك ؟ قال : قد عرفته من الأمام ، رقد وقفت عليه في كتاب (عوارف المعارف ) للشهروردي وهو في الخزانه فطالعه ، كنت مع الأمام الناصر بذمار ، وكنت احضر معهم في سماع كتاب الثعلبي في تفسير القرآن ، فابتداني الأمام وقال جاءتني ورقة من صعدة: بأن الفقيه إبراهيم وصل من مكة وتوجع من حلي الى صعدة ، وقد بلغ معه الضعف غاياته ، يعلم الله أني سهرت هذه الليلة شغلا عليه وخيفة ، فلما بلغه موت الفقيه ــ رحمة الله تعالى ــ وبركاته عليه سقط ما في يده وقال : الآن والعياذ بالله وقع ما كنا نحاذر فإنا بالله عائذون ، ووقف بعده الأمام أشهراً ، ووقع عليه أمر الله الموت الموت الموت فإنا لله وإنا إليه راجعون ، نحمده على مامنح ووهب وعلى ما استرجع وسلب ونستغفره ونتوب إليه ، ونسأله ونتضرع إليه أن يوفقنا لكل ما يرضيه من كل قول وعمل واعتقاد ونية ، ويختم آجالنا بالخير والحسنى ، ويثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والأخرى ، ويتقبل منا موالاتنا لأوليائه ومحبتنا لمحمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقبره ( ع ) بالقبة الغراء بصنعاء اليمن مشهور مزور مقصود .(1/124)
... ونجم عقيب لقائه لربه قرن الشقاق ، وارتفعت بعده أرباب أهل الكفر والنفاق ، فاسترجع الباطنية أقماهم الله قلاعهم وقراهم ، واظهروا دينهم ، وطلعت جرائد سلطان اليمن لحصار مدينة ذمار ، والباطنية وأحزابهم ، حاصروا صنعاء اليمن ، والحمزات أجلبوا على صعدة الهادي ( ع ) ، فاجتمع الى صنعاء علماًء صعدة وظفار وحوث وبعض علماًء صنعاء ، ونظروا في الإستقامة لدينهم ، ودفع الكفر الملاحدة وشياطينهم ، فلم يجدوا لهذه الملَّمة ، ولاسراجاً في هذه الأزمة أحرى وأولى من ولده ( ع ) لما رأوا فيه من الهمَّة العالية ، والتقوى الخالصة ، والنشَّو الطاهرة ، فعولوا عليه تعويلاً كثيراً وعكفوا عليه طويلاً ، وقال: أنا قاصر عن هذه المرتبة لكن أكن لمن رضيتموه معيناً ، قال القاضي الأمام عبد الله بن حسن الدواري : الكلمة في وقتنا قليل ، ونرجو من الله أن تكون كاملا كأبيك الناصر وجدك المهدي ( ع ) فقام داعيا الى الله تعالى والى دين أبائه الأكرَّمين ، وشهدوا له بالأمام ، وأنه أولى من تحمل الزعامة غرة شهر محرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وكنَّوه المنصور بالله على بن محمد بن علي رحمه الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، فصَّدق الله ظنهم وفراستهم فيه حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، فقام بالأمر ضليعاً ، رفع المحاط التى على صنعاء اليمن وكبت سلطان اليمن ورد جرأيده خائبة خاسئه تحت السيف ، وخابت طنون الحمزات من صعدة ورجعوا عنها خائبين مقتولين مرذولين ، وشن الغارات على بلاد الباطنية ليقميهم ، وظهر بحمد الله عدله على العباد ، وحسن سيرته في البلاد ، وانتشر فضله ، وابتدء ظله ، وأحدق عليه العلماء ، ودعا له المساكين ، وأهل الطرق والضعفاء ، واعترف به من حاربه من بني عمه وأشياعهم وسائر القبائل والحمزات بفضله ، وهطعوا الى ظل عدله ، وفاؤو الى عوارف عطائه الجسيم واحسانه العميم ،(1/125)