الى عند الأمام على الجمال والدواب ، ثمَّ القاضي آية الزمان وبركة الأوآن الحسن بن سليمان ، كان متوليا وجامعا للأموال ، وحاشدا للرجال للجهاد في سبيل الله بين يدي الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ وقد قدمت في زهده وورعه فصلاً شافياً ، ثمَّ الفقيه العالم الفضل الزاهد سعيد بن الدعوس ، كان والياً لبلاد عنس والمتصرف على خراجاتها وواجباتها .
... هؤلاء فضلاء العصر وأوتاد ، الدهر عرفوا فشمروا ، ولخدمته ابتذلوا ، وكانوا كحواري عيسى بن مريم ــ عليهم السلام ــ وكأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ماترك واحد منهم ممكنا فيما عرف أنه يحسنه ، وقد مر ما قال القاضي حسن بن سليمان ــ رحمه الله تعالى ــ ، قال : ماأحسن نفع الأمام ــ عليه السلام ــ الا أني أكون خزانا للتبن لأن السوس يخونون فيه ، وكان ابرهيم الكينعي رحمه الله يقول : نتنعم وننام وأمير المؤمنين المهدي لدين الله محصور بصعده ما فينا تقوى ولأخير ، وكان يأمر اصحابه من أهل صنعاء يجمعون أشياء من الواجبات ويصدربها على يده هذا هو الفضل المبين لأهل التقوى واليقين ، وأيده الله بولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ ، وكفاه كل مؤنة في أمر الجهاد(1/111)
من القبض والصرف والغزو الى بلاد الباطنية والجبريه وقمع الظلمة والفسقة وقطَّاع السبل ، سمعت الأمام المهدي يوماً يقول : ماالناس مصدقون مني فيفك عنهم هذا اللجام لجام الحق ، ثمَّ اختار الله له مالديه ونقله الى واسع رحمته ، وبعد إبلائه في الله وجهاده في سبيل الله ما يقر الله به عينه ويزلفه عنده ــ انشاء الله تعالى ــ ، أصابه خلط فالج أزال عنه التكليف وولده الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ القائم بالأمر والنهي وسداد الثغور مده سنة كاملة ، ثمَّ أن الأمام الناصر ــ عليه السلام ــ جمع العلماء من صعدة وعلماًء بلاد مدحج ، وقال: هذا الأمام فد سقط عنه تكليف الأمامة وأنا مسكين ، وكنت أصدر وأورد عن أمر أمير المؤمنين الذي أجمع على أمامته علماًء المسلمين ، فالآن ألقيت حبلها على غاربها فانظروا لأنفسكم ، وهذه عهدة المسلمين وألآت الجهاد على أيديكم ، فحاروا في الأمر وساروا الى ظفار بأجمعهم ، واتفق فيه علماًء الأمصار الى الآلف وثلاث مائه من العلماء وأهل البصائر المنورة ، فنظروا لأنقسهم ولمذهبهم ولدينهم ، فأجمع رأيهم على تقليده الأمام الأمامة وتحمله للزعامة ، فما ساعدهم ، وقال : أنا قليل البصيرة بل عديمها ، قالوا : الواجب عليك القيام وإن تركت فأنت مخل بواجب وخبروه وراجعوه ، فوجدوه ،كاملاً في العلوم ماهراً ، وللمسائل ممارساً ، فبايعه العلماء من حضر ذلك الجمع المبارك منهم: السيد الأمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن مطهر بن يحي ، وقال : أشهد لله أن هذا أمام مفترض الطاعة رضيت به أماماً لي وللمسلمين ، ثمَّ قام القاضي عبد الله بن أحسن الدواري ــ أيده الله ــ ، ثمَّ قام السيد الأمام عبدالله بن الأمام يحي بن حمزه ، ثمَّ الفقهاء العلماء بنو حنش ، ثمَّ الأول فالأول ، حتى أتو على آخرهم فنوَّر الله بصائرهم ووفق أنظارهم ، وجعل الله في ذلك خيراً كثيراً ، وقام بالأمر ضليعاً ، وجاهد(1/112)
أعداء الرحمن ، وشن الغارات الى حرب سلطان اليمن فغزى عدن وأخرب فيها ، وغزا زبيد وأخرب قصورها ، وغزا المهجم وأخرب دورها ، وغزا حرضا وعمر حصنها ، ووقف بعد الدعوة شهوراً ، وتوفي الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ واجتهد في اخفائه كيما يحصل مراده في نقله الى مشهد جده الهادي لأنه أوصى أن يدفن بصعدة ، فامتثل وصيته ، فوقف في ذمار في تأبوت أشهر ، ثمَّ سار به صأحبَّهم الكافي شبيبة أبي السرايا في حق آل محمد الفقيه الزاهد العابد على بن صالح بن يحيى ، فلم يشعر به أحد حتى دفن بصعدة ليلاً ، رأيت بخط الأمام المهدي ــ عليه السلام ــ ، أني جعلت الوصي من بعدي السيد العلامه دأود بن يحيى ، والسيد العلامة الهادي بن يحيى ، والقاضي العلامة عبد الله بن حسن الدواري حتى أتفقت بالولد محمد ، وكنت أظنه بخلاف ما هو عليه من الكمال فهو الوصي من بعدي في اموري كلها ، وأوصي أن يكون المتولي للصلاة عليه السيد الأمام دأود بن يحيى واتخذ الأمام الناصر له فبة بجنب قبة جده الهادي ــ عليه السلام ــ والتحية والإكرام ، ثمَّ أن الناصر ــ عليه السلام ــ مدَّ الله ظل عدله ، ونشر من فضله ، مالا يمكن شرحه ، من أخبار سوم الدين ، وزم ايدي الظالمين ، ورفع منار المسلمين ، والإحسان الجم ، والمعروف الذي عم ، على السادات والعلماء والمتعلمين والفقراء والمساكين ، سمعته يوماً يقول : ما أجد من الأصحاب الأوله أقطاع وعادات في كل عام فادني من تمسك بالدين أميراً في هذه الدولة الحميدة ، وهوكما قال ــ عليه السلام ــ ولنقتصر على ذكر أوراده المباركة وما عز (1) من مكارم أخلاقه ، وثناء العلماء عليه ، ومودة حي إبراهيم الكينعي ــ رحمه الله تعالى ــ فيه ــ انشاء الله تعالى ــ ، وأخرب بلاد الباطنية بعد أخذه لصنعاء اليمن وأهلكهم قتل في يوم المنقَّب زهاء من خمسمائة وقبض حصونهم ، وحاصرهم في فدة والقلعة مره سبعة أشهر ومره
__________
(1) ـ أي : بدا(1/113)
ثلاثة أشهر ، حتى أبأدهم الله وأقماهم ، وجرا قلمه المبارك من حلي بن يعقوب الى باب زبيد الى الشحر بساحل البحر الى كور الجحافل بالمشرق الى جبلة اليمن الى بيشه ، وأطلع له سلطان اليمن العاده في كل عام أربعين ألفا ، وأحيا الله به الدين ، وأمات بسره وبركته وهيبته شوكة الكا فرين والفاسقين ، وأمن السبل ، وحقن الدماء ، وسكن الدهما ، واستوفي حقوق الله الواجبة من الأعراب والرعايات وكانت دولته المباركة ودولة أبيه الأمام المهدي نيفا وأربعين سنة واستمر من ذكرت من العلماء في ولا يته كما كانوا في ولاية أبيه ــ عليهما السلام ــ ، وكانت له هيبة في قلب الكافرين والفاسقين والحأسدين ما لا يمكن وصفه ، حتى أن الواحد منهم إذا كلمه دهش وارتعدت فرائصه ، وكان كثير التهيَّب في مجلسه ــ عليه السلام ــ بالسلاح والعدد والآلات ، وكانت له محبه ومودة في قلوب المسلمين والعلماء والصالحين ، كما مرَّ ما لايمكن شرحه ، رأيت يوم فتح حصن جربان الباطنية كان بحضرته علماًء عصره ، وأوتاد دهره ، فساعة الفتح شاهدتهم يقبلون أقدامه الشريفة ويضعون رؤسهم في حجره المبارك ويقولون: الحمد لله ا لذي بلغنا هذا اليوم ، وأدركنا دولتك ، ولم نسمع بشيء من هذا في وقتنا هذا ، وكانت القوافل تمر من صعدة الى صنعاء الى ذمار الى نقيل صيدا الى مخلاف جعفر وجبلة بلارفيق ولا مطلب ، وأين ما أحبَّوا الحطاط حطوا في الليل أو في النهار في القفار والشعاب ، وبين القرى المتباينة ، وما ذلك الا ببركاته وفضله وسره وقصده الصالح ، كان إذا طلب من أهل القوافل الزبيب والتمر ، قالوا : إن المخيط في يد صلاح بن على ، والحكايات في ذلك كثيرة ، سمعته: وهو على أعواد المنبر بذمار بعد قيامه بأمر الأمامة يقول : يا معشر المسلمين بعد أن حمد الله وأثني عليه ووعظ الناس حتى ضج ا لمسجد بمن فيه من البكاء والعويل والخشوع الطويل : إني ما قمت بهذا الأمر الا لله ولإعزاز كلمة(1/114)
الدين ، وزم أيدن المارقين ، لا لغرض دنيوي ولو كان لنا في الدنيا غرض لكان أيسر ما نحن فيه يكفينا ، فاخترنا خيرت ما في أيدينا وسكناها ورفهَّنا على أنفسنا ، اللَّهم إن علمت مني خلاف ذلك فلا وفقتني ولا هديتني ولا رحمتني ، ولا أجرتني من نارك وغضبك ، وأسبل دموعه شبه المطر حتى تقاطرت على ثيابه وعلى منبره وفراشه وعلى المنبر وأنا شاهد بذلك ، كلامه وبكائه فأشهد به .
... وأوراده الصالحة
كان يحيي بين العشائين بالصَّلاة ولا يتكلم بين الصلاتين ، فإذا فرغ من ورده صلَّى العتمة وبعدها ركعات ، ثمَّ يسجد سجدة طويلة قدر قراءة جزء من القرآن ، ثمَّ يقبل الى أهل حضرته وهم العلماء الفضلاء العبَّاد الصالحون ، فيفطرون ويخرجون من عنده ويستقبل الليل مطالعة للكتب ، ونظراً في مصالح المسلمين وسداد الثغور ، وينام هُنيهة ، ثمَّ يقوم في أول الثلث الأخر فيحييه صلاة واستغفاراً وبكاء وخشوعاً ودعاء حتى تطلع الشمس ولا يتكلم قبل طلوعها ولو عراه مهم ، وكان يدعو قبل الفجر بدعاء من اللمعة النورانية للبوني ثمَّاينة وأربعين مرة ، ربما شاهد فيه سراً واجابة ، وهو رب أغمسني في بحر هيبتك حتى أخرج منه وفي وجهي ساعات هيبة يختطف أبصار الحأسدين من الجن والإنس فتعميهم برمي سهام الحسد ، وأحجبني بحجابك النور الذي باطنه النور ، وظاهره النور ، واسألك بإسمك النور ، وبوجهك النور ، أن تحجبني في نور اسمك بنور اسمك حجأبا يمنعني عن نقص وشين يمازج مني جوهرا أو عرضا إنك نور الكل ومنور الكل ، يانور يانور يانور ، يامصور الأنوار يامودع الأنوار قلوب عباده الأخيار: { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء } ، ثمَّ دعاء علَّمه أياه إبراهيم الكينعي ، أوله: بمعتبر(1/115)