( من ملأ بطنه من الطعام فقد الخشوع ) ، ولهذا قال النبي داود ـ عليه السلام ـ : لأن أترك من عشائي لقمة أحب الي من قيام عشرين ليلة ، يافلان: مثل القلب مثل الجوهرة الشفافة فإذا أضيف اليه ما يوافقه من الخشن القليل كان له كالصقال ، وإذا أضيف اليه الدسم والزهم والكضة وسددت عليه الحواس أيان يعقل ويصطقل وبالله يشتغل هيهات ..هيهات ، أما سمعت أمير المؤمنين ــ كرم الله وجهه ــ في الجنة : العبادة حرفة آلتها المجاعة . وقال النبي (ص): ( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم ) . وقال (ص) ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن ) . وقال: ( ماشبع محمد وآل محمد من طعام حتى لقي الله تعالى ) . وقال : ( إن من كان قبلكم يعرون بعرا وأنتم بثلطون ثلطاً فأتبعوا الحجارة الماء ) . وقال: (ص) ( لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، ونوم الصائم عبادة وصمته تسبيح ،وعمله مضاعف ودعائه مستجاب ) أ ق.(1/81)


سمعت ما قال العالم للوافد ــ عليهما السلام ــ لما سأله عن الخشوع ؟ قال العالم : أكثر الصيام تسلم من الاثام ، أقل من الطعام تشتق الى القيام وتخشع جوارحك للعزيز العلام ، من شبع من الطعام غلب عليه المنام وقعد عند القيام ، الشبع يظلم الروح، ويترك القلب مقروح ، الشابع يفقد الخشوع، ويذهب عنه الخضوع، ،ويحرص بعد القنوع ، الجائع عفيف خفيف ،والشابع عاكف على الكنيف ، الشبع يصيب منه الوجع، ويذهب الورع ،ويكثر الطمع ، الصوم في الفواد نور، وفي المعاد سرور ، كم من طاعة نبغت عن مجاعة ،وكم من جوعة أتت بخير بضاعة ، يافلان: الجهادَ الجهادَ ، فما سمي المحراب محرابا الا أنه موضع حرب النفس والشيطان { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ، فالنفس لا تنقاد الا بالرياضة التامة مع رواض جريت ، وقال بعضهم : معاشر المريدين: لا تأكلوا كثيرا وتشربوا كثيرا وتحسدوا كثيرا , وقال بعضهم : النفس تطلب يوما تسهل فيه الطاعة وذلك يوم لم يخلقه الله . وقال بعضهم :ماشبعت يوما قط الا عصيت او هممت ،اوتعرف يافلان: كيف نية الصوم ، أما سمعت ما قال الجنيد ــ رحمه الله تعالى ــ يجعل أحدكم مابينه وبين الله مخلاة من الطعام ،ويريد أن يجد حلاوة المناجاة ، هيهات . قال: صف ــ وبالله التوفيق ــ قال نية الصوم الأمساك عن المطعومات ليميت به دواعي الشهوات ،ويحفظ به جوارحه الست ، هي السباع في الوثبات ، يغض بصره، ويحفظ سمعه، ويحبس لسانه ، لأنه الكلب العقور من الغيبة والنميمة وأذا المسلم ، ويحفظ قلبه من الاشر، والبطر، والرياء، والسمعة، والتزين للخلق، والمباهاة، والترفع، والأزدراء بالمسلمين، والحسد، والحقد ، ويحفظ يديه ورجليه وبطنه عن تناول الحرام والشبهة ،ويستحب له أن يصبح كحيلاً دهينا ليبعد عن الرياء لأن ذبول الشفاه واسراج العيون يعتري الصيام وبأظهار ذلك ومحبة ذكره يكون رياء فيجهد في إخفاء ذلك . وقال بعض العارفين الراسخين : إخفِ حسناتك(1/82)


كما تخفِ سيئاتك .
... فلما انتهى كلامه: لاخيه: انتحب بالبكاء طويلا ثم مد يده وابتهل الى الله تعالى، وقال: الهي: قد ضمنت لصاحب المصيبة في الدنيا العوض والثواب، فإن رددت علينا أعمالنا لعدم الاخلاص لوجهك وكما ينبغي لك فلا تحرمنا أجر مصيبة الرد والطرد يا معروفا بالمعروف، ياذا الجلال والإكرام ، وصل على محمد وآله وسلم .
... ومن أوراده الصَّالحة: ... التفكر
في آلاء الله ومخلوقاته ،وفي زوال الدنيا وأحوال الاخرة ، كان له ورد في التفكر ، ورد بالنهار وورد بالليل فيعمل معه التفكر مالايعمله العمل من الثمول والذهول وتتابع الزفرات ،وهو داعي البكاء والعويل والحزن الطويل ، وقف على كتاب: ( العبر والاعتبار في مصنوعات الجبار ) للجاحظ فازداد خوفاً وعلماً ، لكنه كاد أن يذهب عقله فرفعناه عمه وغيَّبناه منه ، دخلت عليه يوما وهو مغشي عليه فرفعت رأسه الى حجري وفاتحته الكلام، فانتعش وقال: هاك هذا القرطاس اقرأه فأخذته من يده المباركة وقبَّلتها وقبَّلت القرطاس تعظيما ، وإذا فيه ما نسخته بخطه : حسبي ربي ونقل من التصفية للديلمي عن بلال أنه قال: أذَّنت أيام رسول الله (ص) لصلاة العتمة، وانتطرت خروج رسول الله 0ص) فلم يخرج من الدار، فدخلت عليه فوجدته ساجداً ويسيل من دمعه نهر فقلت: يارسول الله، الصلاة فرفع رأسه من السجود ، فقلت: بأبي وأمي أنت يارسول الله أشر أصابك ؟ فقال: نزل جبريل وقال لي : يامحمد: إن صلواتك، وصومك، وحجك حسن، ولكن انظر بعين العبرة الى القدرة الى السماء مع طوله وعرضه وغلظة وتأليفه وهو معلق بلا علاق ولاعمد ، فانظر بعين العبرة الى قدرتي ، فتفكر ساعة في هذا أحب اليَّ من عبادة العباد ألف سنة ، وفيه: الفكرة مخ العقل ، وفيه: الفكرة تذهب الغفلة وتحدث الخشية كما يحدث الماء الزرع والنبات ، ما استنارت القلوب بمثل الفكرة ،ولاجلبت بمثل الأحزان ، وفيه: إنما فضل الفكر على سائر العبادات(1/83)


بثلاث: أولها: أنه من أمر الغيب ،وذلك غايه التصديق ، وثانيها: أنه لا يحسد صاحبه، ولا يدخل رياء وذلك غاية الإخلاص ، وثالثها: أنه لاسبيل للشيطان عليه وذلك غاية السلطان .
وفتح يوما كتاب التصفية للديلمي ــ رحمه الله تعالى ــ وقد علَّمه بخيط من صوف ، قال : فائدة شافية كافية ، اعلم أن التفكر على خمسة أوجه: الاول: في صنع الله وعظمته وقدرته ، فمنه تتولد المعرفة ، الثاني: في نعمائه وإحسانه ، فمنه تتولد المحبة ، الثالث: في وعده ووعيده وشدة انتقامه فمنه يتولد الخوف والزهد والورع وترك الإشتغال ، الرابع: في إلطافه وحسن صفاته وارادته لصلاحك ورشادك، فمنه يتولد الرجاء والرغبة والمواضبة على ما يقرب اليه ، الخامس: التفكر في سوء أدب نفسه، وهتك حرمات ربه، وقبح معاملته إياه ، فمنه يتولد الحياء وذلة النفس ، فقال: أكتب في الحاشية ، يالهامن كلمة شافية موقظة .(1/84)


سرت معه الى خبان مدحج لزيارة الاخوان ثمة، فانتهينا الى فوق هجرة الاخسى ببني قيس تحت عرقة شاهقة فاستقام مبهوتا ، فبهت .حزراً عليه من التردي في ذلك الشاهق، فوثبت عليه أنا وأخ لنا أسكناه فقال : تقولون: ممَّ خلق الله هذا الجبال والصخرات الصم ؟ ثم ارتعش مليا وغشي عليه ، ثم أفاق وقال: : سبحان من خلق هذا الجبال من عدم وعلى غير مثال ، ثم قال: ( قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه ) . ثم قال: الذي خلقها سودا وغبرا يجعلها جوهرا شقافا ، كما روي: أن حصباء الجنة من در وياقوت ، فسبحان من أحاط بكل شيئ علما، وأحصى كل شيء عددا، ولم يعجل على من عصا، وستر على من غفل وجهل بالمولى. ثم قال: ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ ذكر الرازي في مفاتيح الغيب أن غلظ الأرض خسمائة عام، وبينها وبين الأرض الثانية خسمائة عام، والثالثة كذا، والربعة كذا، والخامسة كذا، والسادسة كذا، والسابعة كذا ، والسماوات كذا بين الأرض والسماء خمسمائة عام، وغلظها خمسمائة عام، وكذا الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة ، ثم قال: والحوت الذي أقسم الله به: { ن والقلم وما يسطرون } ، لو أدرجت السموات السبع والأرضون السبع في أحد منحريه ما تبرم بهنَّ ، فنطر الينا قد بهتنا من جهلنا وغفلتنا ، فقال : الذي خلق هذه الجبال من عدم قادر أن يجعل منها روجا ، ثم قال: إنَّ هذا الجبل من عدن الى مكة يسمى: في العراق جزيرة اليمن لأن البحر من جميع جوانب هذه الجزيرة من عدن الى مكة الى الشحر الى تهامة . ويحكى: أن بحر عدن وبحر هرمون كالكمَّين للقميص والله أعلمَ ، ثم قال: قيل: أن لارضين السبع بجنب سما ء الدنيا كحبة خردل ، ثم السماء الدنيا تحت الثانية كريشة في فلاة، والأرضون السبع والسموات السبع بجنب العرش العظيم كخاتم في أرض فلاة ، قال :وذكر في الثعلبي في قوله تعالى: { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } قال: على صورة الوعول ما بين(1/85)

17 / 50
ع
En
A+
A-