فاعتمد على الصيام الابد الافي العيدين وأيام التشريق ، فإذا كان بعد العشاء الأخرة تناول الطعام ، فإذا تناول الطعام ثقل عن القيام وعجز عن التلاوة ، شاهدته: يوما يقع من قامته من غلبة النوم ، فجاهدها بقلة الادام مدة لايأكل الاقطع الخبز يابسا ، فما تهيأ له القيام على ما يريد ، فجاهدها حتى أنقادت له بأنها لا تناول الطعام الا في السحر ، فاعتدلت على ذلك وديدن عليه واستقام ،وانشرح حتى الموت ، سمعته يقول : كم من ليلة اسابق الفجر على عشاي فتارة أسبقه وتارة يسبقيني ، كم من يوم يدخل عليه بعض اخوانه وعشاه موضوع معد لمن يدخل عليه من أهل الحاجة من اخوانه ، وكان رَحمه الله تعالىَ: إذا كان عشاه بشيء من الادام تركه وآثر به بعض اخوانه ممن يعز عليه مرارا كثيرة .
قال لي يوماً : إذا دخل عليك فقير فأعطه شيئا يأكله ،وإذا دخل عليك عالم فراجعه في المسائل ،وإذا دخل عليك من أبناء الدنيا فاحتشمه وعظه واضرب له الامثال من غير تصريح ،وكان هذا طبعه فيمن يدخل عليه .(1/56)


وكان يوما يعول عليه بعض اخوانه المودين أن يدخل منزله فيساعده ويبسط ويأكل من طيبات ما اضيف به ،ويترك لصاحب المنزل شيئا يأكله تارة يلقه بيده، وتارة يقول: هذا لك ، وهذا لأهل بيتك ، لأجل التبرك ، فيدخل على أهل البيت الكل منهم بركات ومسرات ودعوات قبل الطعام وبعده ، وكان إذا وضع تحته شيء من اللحم قطعتين أو ثلاث وهو يريد لايأكل الا واحدة ، فان كانت منفردة أخذها ، وإن لم ينتبه ، فإن تنبه أحد من اخوانه أن يبددوهن ......يأخذ ما أحب ،والاترك الجميع ، وكذلك عناقيد العنب ، خشية أن يقبض فوق ما يدخل فاه لأنه بنا نفسه على ذلك منذ إبتدائه الى انتهائه ، لايقبض كتابا الاممَّن عرف ورعه ،ولايقبض طعاما الاما يواريه الى فيه ،ولا يقبض ثوبا الاما يستر عورته من ابتداء نشؤه ،وكذا كان أهله رَضي الله عنهمَ ، وكذلك كان يعاقب نفسه إذا أنس منها مللا وكللا بأن يحلف إلا أذاقها طعاما أياماً ، او سأل عما لا يعنيه ، او أجاب فيما لا يعنيه فيتنبه في اللحظة والسَّاعة ويتدارك ما قيل عنده وما قال فيأدب نفسه بذلك . سمعته يوما يقول : مارأيت مثل أخي الفقيه أحمد بن منصور رَحمه الله تعالىَ في المراقبة فيالخطاب ، كان إذا خرجت من فيه اللفظة لاحظها وانزعج إن لم تكن لله ،رحمهم الله تعالىَ ، كان إذا عرف ذلك منه سأله بعض اخوانه: بالله أن يفطر أو يتناول شيئا من الأدام فيعزم عليه السؤال فيتناول اويفطر ...... وهو يبكي ،وتارة يغشى عليه ويسقط ويبقى ملقافي الأرض على جنبه ساعة، وتارة ساعتين، وتارة بين الصلاتين ، أملى عليّ بعض اخوانه هذه الابيات:
... ... قوم همومهم بالله قد علقت ... فما لهم همة تسمو الى أحد
... ... فمطلب القوم مولاهم وسيدهم ... ياحسن مطلبهم للواحد الصمد
... ... ما إن تنازعنهم دنيا ولاشرف ... ولا المطاعم في اللذات والولد
... ... ولا لباس لثوب فائق أنق ... ولاالتلذذ في الاموال والعدد(1/57)


ولو جعلت هذا المختصر في مطعمه وملبسه لوسعه ،ولكن إشارة تدل على سعة ما قيل فيه ،وميلي الى الأختصار ، وقف على هذه الصفة من الصيام، والقيام، وقلة الطعام زهاء ....... سنه ،حتى بلغ من الضعف غاياته ومن السقم ، حتى رقَّ جلده ولو كشط لحمه كله لما ملأ الكف .والله أعلم . ومع هذا كان صلياً في الصلاة، وقويا على القيام والصيام والسير إذا أحب المرحلة أوالمرحلتين او الثلاث ما أفتره فيما أحب هذا الضعف عن صيام ولا قيام، صدق (ص) حيث قال : صوموا تصح أجسامكم من الألم وقلوبكم من الأسقام . ما علمت أنه مرض في مدة هذه إلا يسيرا عارضاً ألا مرة ضعف ضعفا عظيما حتى يظنه الرائي خرقة ملقاة ،وقعد ثلاثة أيام ملقا على قفاه ، فقال له اخوه سعيد بن منصور الحجي رَحمه الله تعالى : ابراهيم: اذكر ربك ، فقام منزعجا بأعلى صوته : ياسعيد: لم أنساه فاذكره ياسعيد ، لم أنساه فاذكره ، بأعلى صوته ثلاثا او أربعا ثم استلقى وبكى، حتى شاهدت دمعه على ملأ عينيه من الحاجبين الى وجنتيه ، لم يستطع مسحه بيده من الضعف، وقلة الحركة ،وأظن ذلك الضعف لحال عارضة قطع أوصاله .
وأما رياضته في الملبس(1/58)


فإنه لماَّ ترك الدنيا مع الغنى الحلال لبس مدرعة من خشن الصوف مدة، ثم تركها، ولبس شملة غبراء من خشن الصوف , وإزارا من مرقعات صوف وقطن ،وكوفيه من صوف مدة من الزمان، وإهاب كبش يسجد عليه ، ونازعته نفسه يوما بأن يقبل من بعض اخوانه شملة اخرى ربما هي أرطب ، فأقسم بالله لا استبدل بها خمس عشرة سنةً، وقد كانت خلقة، فكان كلما وجد خيطا ملقا في الطريق او في بيوت اخوانه من اخلاق فراشهم الصوف أخذه واتخذ إبرة، وكلما فترت نفسه من الصَّلاة استفتح الصلاة والذكر وحرَّك تلك الشملة بالخيوط ، ووجد في ذلك لذَّة ، والى الآن في بيت اخيه سعيد بن منصور منها قطعة للتبرك بها ، وفي بيته من شعر رأسه وقلامة أضافره ، وأوصى سعيد: بأن يدفن معه ، وكان بعض اخوانه يأتي له بالشملة او الإزار يلبسها فيكره رده بها، فتقف عنده مدة من الزمان، حتى يكون الغبار عليها والتراب ، ثم يقول لصاحبها: إني غير محتاج إليها فتفضل بنقلها لاتشغل عليّ مكاني ، فيرفعها . وعظم الشتاء في سنة فعوَّل عليه أخ له في عبائة غبراء يلبسها فساعده وأبقاها على ملكه، وأباح له لبسها، وكذى في كل ما ملك من مقراض، وإبرة، ونعل، ومشعل، وعصى ،كان يخرجه عن ملكه الى ملك من يحب من اخوانه ليلقى الله خفيفا كما خرج من بطن أمه ، وتارة يكسو بها بعض اخوانه من أحب شملة إيثارا إن لم يجد له من يحقه به .(1/59)


سافر سنة مكة شرفها الله تعالى وسار معه بعض اخوانه زهاء اربعة أو خمسة فاهتم رَحمه الله تعالىَ لكل واحد منهم في عباءة، ورداء، وهدايا، الى قدر اثني عشر عباءة لاخوانه المودين والمنقطعين ، وما رأيته لبس عمامة الإ في آخر مدته خشية البرد ، فكان يلبس عمامة من خلق بساط وتارة خلقة منيَّله ، وكان نعله من نعال الحجاج مقلوبة الجلد ،وكان إذا سافر أخذ عصى في يده، وركوة، وحبلاً ، مربوطا فيها. وفي الركوة كيس فيه إبر، وخيوط، ومقراض، وموس، ومسواك، واخلَّة، وقراطيس ادعيه وصلوات للأيام، والليالي ،هذه أهبة سفره، وشملة، وإزار، وسفرة للصلاة ، وكان يسافر في كل سنة في الاغلب ، تارة يزور اخوانه بصعدة وظفار وحوث وقعره ( ن : [ وغره ] ) وثلأ، وتارة يزور اخوانه بجهران ومعبر وذمار ومصنعة بني قيس وخبان ، ويتفقد احوالهم ويسعى لمن خلف أيتاما في سدادهم من حيث يعرف ويتفقد أولاد اخيه محمد بن احمد ويحثهم على الطاعة ، وير شدهم الى الطريق الحسنة ،ويتفقد اخوان اخته مريمَ رَحمها الله تعالىَ ،واخواتها في الله ، ويرم لهم من النفقة والكسوة سدادهم ، ويزور في كل عام شيخه في الدين، وقدوته في التقوى واليقين، امام أهل السنة والكتاب، ولبابة الولي الالباب، زاهد اليمن والشام، والسيد الحصور القوَّام المبرء من مقارفة الاثام ،ولي العترة الكرام الباذل نفسه لهم من كافة الانام، تاج أهل الايمان القاضي: حسن بن سليمان توَّجه الله بتاج كرامته، وازلفه بجواره، وأعاد من بركاته، فهو منشأ البركات في اليمن، والذي سن الحسنات والسنن ماكان يعرف في بلاد الزيدية من أهل الطريقة قبله أحد، ولايتزيا بزي أهل العبادة والزهادة من أحد ، وهو رَحمه الله تعالىَ وأهله من خلاصة شيعة آل محمد الطاهرين، ومن المجاهدين لاعدائهم المعتدين ، نشأعلى الزهد والورع والخوف والفزع ما لايمكن شرحه، ولا يتكيف وصفة، وحاز العلم والعمل، ماكان يوجد في وقته مثله من أحد في علم(1/60)

12 / 50
ع
En
A+
A-