... ... واليت لاأبقي تراثا لوارثي ... وإن غاض اخواني وساء عيالي
... ... أأترك ما جمعته لمفرَّق ... قليل فعال الخير غير مبالي
... ... خسرت إذاً سعيي وخبت وإنما ... أروح من الدنيا بحسن فعالي
... ... وأعظم أموالي علىَّ عطية ... ... تقرَّ بها عيني بغير سوالي
... ... يرد إلهي في المعاد ثوابها ... ... ويخلفها الرحمن بعد ليالي
... ... وأحرزتها من غير قفل وخاتم ... وبت خفيف الظهر ناعم بال
... ... ... ولله القائل:
... ... إنَّ الزهادةمن ثلاثة أحرف ... زاي وهاءفانتقده ودال
... ... فالزاي ترك للتزين عامدا ... والهاء ترك هواك فهو ضلال
... ... والدال دنياك الذميمة فاطرح ... وكذ العبادة أحرف أمثال
... ... فالعين علم بالأدلة باء ها ... بين تبين العد اوالمال
... ... فإذا فعلت دنوت وهو كماله ... وهناك والله العظيم كمال
اخواني: هولاء القوم ركبوا الجادة، وخلو بثبات الطرق ،ولم يلو هم عن قصدهم تعلق ولا تعوق ،
وا شوقاه الىسفرهم ما أيمن بشراه وا توقاه الى اولاجهم ،ما أحمد صباح سراه .(1/51)


أما الكينعي ابراهيم فقد شرب في عين الحبوة شرب الهيم ،وشد الرحل بالانساع ،وحاسب نفسه في الأوقات والسَّاع ،وراض نفسه ، كأنها حبة مقلاه ،أوريشة في فلاه ، فشرب بالكأس الرويه ،وعكف على خدمة مولاه بالجارحة والروية، فما فكرته إلا في باهر ملكه وملكوته ،ولاتعرض له خاطر إلافي قاهر جببروته ،إن قام فلله ،وإن قعد فللَّه ،وإن تكلم فللَّه ،وإن صمت فللَّه . سمعته يوما يقول : أنا وقلبي في علاج أريده لايدخل إليه شيء الا لله ،ولا يخرج منه شيء الا لله أدع الله لي ياأخي: تقريبا منه لأخوانه ،وإلا فالدعاء منه يستمد ، إن ولي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين .. نعم . فلما عرف، ومن ثمار علمه اقتطف ، جاد بالعطية ،وأيقن بالخلف ، جمع أموال التجارة من الورق والعين ،وقال : تبا لمن يفتح لك العين ، وأسلمها الى أخيه في الله ( ن : [ الفاضل ] ) راشد ابن محمد الكينعي ،وقال: دونك هذا المال إصرفه في نفسك، وفي أولادك ،واخواني، واخوانك ،وأرحامي ،وأرحامك ،وخرج من كل ما يملك ، حتى نعله وثياب ابدانه ،وطلق نسائه ،ولبس من أخشن الصوف ،وانتعل المخصوف . قال لي رَحمه الله تعالىَ : دخلت يوما الى البيت وقد كان لي ابنة تقم البيت وتفتح الباب فانزعجت ، وقالت : يا ابه من أخذ ثيابك البيض ؟ ، وودعها وخرج فار الى الله لايلوي على أحد سواه ،واتخذ ركوة وعصا وحبلا وقدح ،وهام على وجهه يريد مكة، والعراق، وبيت المقدس ، فخرج من صنعاء ،وشعر به اخوه هذا راشد ،وكافة اخوانه ، فلحقوا بالاثر حتى أدركوه قريبامن ظفار ، فتعلقوا تعلق المرضع بأمه ،وكثر منهم البكاء والضجيج ،والتحرج والضيق ،وأقسموا بالايمان المغلظة لئن لم يرجع معهم ليسيروا معه ، محبة فيه، وشفقة عليه، وفقدا لما بينهم من الصحبة و المودة والقربى ، ولما انطوا عليه من المواساة في البأساء والضراء والشدة والرخاء ولفضل علمه وعميم فضله ، فأدركته الشفقة باخوانه البشريه،(1/52)


وعرف أن في هذا رضى لبارئ البرية ، فرجع الى مدينة صنعاء ،واعتكف في مسجد الرصاص، وحوليه الحدائق المورقة ، والعيون المغدقة ، احمد بن حميد ، وحاتم بن منصور ، ومحمد بن حسين ، ومحمد بن عبد الله الرقيمي ، وأعانوه على مقصده ،ودافعوا عنه من يريد شغل قلبه من الجنة والناس ، ووقف على حالته الحسنة في مسجده المبارك زهاء سنة ، واختار الله لابنته داركرامته ، فحمد الله على الخلاص من ربق التكليف ، وقال لسان حاله : حسنة تقبلها الله ،وعورة سترها ،ومؤنة كفاها الله ، واتخذ أخاًله يقال له: يحى بن محمد الخشنخاشي ، رجلاً فاضلاً ،زاهدا ، عابدا ، مقري للقرآن ، فسار نحو اليمن رفيقان ، نقل عليه الكتاب العزيز غيبا وقراة القرا رضي الله عنهم ، وكان في سفره هذا يقطع الليل بركعة أوركعتين ، كما حكى لي: أخوه هذا يحيى ،وزار أخته مريم رَحمهما الله تعالى بمعبر ، ووقف معها أياما ،واشتد فرحها بتركه الدنيا وزهده فيها لانه لم يعجبها دخوله < فيما > لابأس به، وإن لم تكن ضاقت ، لانهامن الفضل والزهد كما حكيت فيما مر ، وكانت قد زمنت , واخوه الكبير محمد المؤنس لها ،والقائم بحالها ، ولم يضع الله له ولياً، قال تعالى في قصة ابراهيم الخليل: { اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عندبيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } .(1/53)


كنت معه بمكة المشرَّفة فسرنا الى موضع التجارة ليلا يقال له: < السويقه > فقال : ها هنا كنت أجمع الدنيا ، فيمد نطعه فيه يصلي ما كتب له ،ويستغفر ويبكي ، ويقول < كانت > حاله التلصص وصانه الله عن ذلك ،لكن من نظرها بعين الورع اتخذها كالكنيف، وعند الضرورة يؤتي الكنيف ، وقال: هاهنا في هذا المكان دفنت مدرجة فيها ذهب وفضة حتى نرجع من الجبل فيا ليتني لم أرجع اوما معناه هذا من شدة الأسف وتضييع أيامة في التجارة ،وكانت يسيرة مع أن العلماء الراسخين في العلم لا يستقيمون على ما أستقام عليه أيام تجارته ، وقال لي : يا فلان كانت لي وظايف ايام تجارتي حسية، ووردا في التلاوة ،ووردا ً في الصلاة ، وورداً في الدرس ، فقال رَحمه الله تعالىَ يوما : لابارك الله في قرين السوء يقرب الى الدنيا، ويقوي العزم عليها اوما معناه ، وحكى لي الثقة: أنه لبس ثوبا سويسيا حسنا فقال له : ما رأيت أحسن في هذا الثوب عليك ، فقال له ابراهيم : من رق ثوبه رق دينه ، هذا كلامه في حال التجارة .
الفصل الرابع
في رياضاته ومجاهداته .(1/54)


لما عرف بعين التحقيق، وفكرة التوفيق، ولاحت له سبل الطريق، وعرف عدوه الملازم والغريم المحاسم ،وهي النفس الامارة بالسوء ، فثاغرها جهارا ،وسل عليها سيف العزم ليلا ونهارا واعلانا وإسرارا، ومنعها فضلات الطعام والشراب والمنام، وقلة مخالطة الانام مدة من الزمان ، حتى خرجت من النفوس الأمارة بالسوء الى النفوس اللوَّامة ، فتنبهت ولامته على مامضى، وتيقظت فداركها وحاسبها محاسبة الشريك الألد لشريكه ، وكنت اسمعه يحاسبها فاظن معه رجالا يخاصمونه حتى اشرف عليه وليس معه احد ، مدة من الزمان ، حتى خرجت من النفوس اللوَّامة الى النفوس المطمئنَّة ، فتروحت واطمأنَّت وانشرَّحت مدة من الزمان ، فتعلقت بالمولى ومحبته وخدمته حتى رضيت وقنعت ، قال لي يوما : لو اعطيت الدنيا بجوانبها ،ومفاتيح الجنة كلها لما اخترت الا وقوفي بين يدي الله ساعة أناجيه فيها . ولاتخرج النفس الأمارة الى النفس اللوامة الى النفس المطمئنة الأ بعد الرياضة التامة والمثاغرة القوية والمحاسمة العظيمة ، والحرب خدعة، والخير عادة ، قال بعض العارفين :
... ... لكل امرء منا نفوس ثلاثة ... يعارض بعض بعضها في المقاصد
... ... فنفس تمنَّيه ونفس تلوَّمه ... وثالثة تهديه نحو المراشد
وهي التي قال الله تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } .
أما رياضته في المطعم(1/55)

11 / 50
ع
En
A+
A-