الماء غير ظاهرة، ولكن إذا تعين وصف من بين أوصاف لالتفات الشارع إليه دون غيره يتوهم أنَّه مناسب وقد اجتمع في إزالة الخبث كونه قلعاً وطهارة تراد للقربة والشارع اعتبر الثاني في تعيين الماء كما في الصلاة والطواف ومس المصحف اعتباراً في الجملة إذا كانت الطهارة للحدث ولم يعتبر الأول في شيء من الصور فكان الحكم بإلغاء غير المعتبر أنسب من الحكم بإلغاء المعتبر. والعلة الشبهية إذا ثبت بها قياس فإنه لا يعارض القياس الثابت بعلة تقدمت، ومن طريق العلة (الدوران) ويسمى الطرد والعكس وهو كون الوصف بحيث يوجد الحكم بوجوده ويعدم بعدمه، فإذا وجد ولا مانع للعلية حصل الظن بالعلية والمانع إما معية كما في المتضايفين فلا يثبت علية أحد المتضايفين للآخر مع أن الدوران ثابت فيهما كالأبوة لمانع المعية وتقدم العلة على المعلول بشرط أو تأخر كما في المعلول كالحمى المعلولة للتعفن فإنه وإن وجد فيه الدوران لكن فيه مانع التأخر عن علته وهي التعفن، وأما غيرهما كما في الشرط المساوى لمشروطه لمانع القطع بعدم تأثيره في الحكم بخلاف العلة فهي المؤثرة كالإحصان(1) فإن المؤثر في الرجم هو الزنا الذي هو العلة لكن بشرط الإحصان، وقيد بالمساوى ليتحقق أحد شقي الدوران أعني الطرق وجوداً نحو: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود فإنه إنَّما يصدق في المساوى إذ مع الشرط الأعم كالإحصان لا يلزم وجود المشروط لوجود الشرط، ويشترط في الدوران إلتفات الشارع إليه في بعض المواد، وإلاَّ كان لاحقاً بالطردي فعلى هذا هو راجع إلى ضرب من الشبه.
فصل
__________
(1) ـ مثال للشرط.(1/31)
الاستصحاب معناه بقاء التمسك بالدليل حتى يرد ما يغيره وقد يكون استصحاباً لحكم عقلي كاستصحاب البراءة الأصلية وقد يكون لشرعي كاستصحاب الملك والنكاح والطلاق وهو معمول به؛ لكنه مؤخر عن جميع الأدلة الشرعية فهو آخر قدم يخطو به المجتهد إلى تحصيل حكم الحادثة ولا يستصحب حكم الإجماع في محل الخلاف فلا يستصحب المتيمم بحال الإجماع على صحة صلاته إذا دخل فيها ثُمَّ رأى الماء فلا يمض فيها بل يخرج منها لمخالفة هذه الحالة الحالة الأولى، والإجماع مقيد بعدم الماء فإذا وجد فلا إجماع.
فصل
كان صلى الله عليه وآله وسلم متعبداً بما صح له وعلمه من شرائع من قبله بطريق الوحي أو التواتر(1).
فصل
الإستحسان ترك حكم طريق إلى حكم طريق أولى.
باب الأوامر والنواهي
فصل
لفظ الأمر حقيقة في القول الإنشائي الدال على طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء وهو مجاز فيما عداه.
مسألة والوضع كاف في تمييزه عن غيره.
مسألة ومسماة وهو أفعل وما يقوم مقامها للإيجاب حقيقة مجاز في غيره.
مسألة والأمر بالشيء بعد الحظر حكمه كما كان قبل(2) الحظر.
مسألة مطلق الأمر يدل بوضعه على طلب دخول المأمور به في الوجود من غير تعرض لقصره على مرة أو تكرار إلاَّ أنَّه لا يمكن إدخال المأمور به في الوجود بأقل من مرة فصارت المرة من ضرورة الإتيان بالمأمور به لا أن الأمر يدل عليها بذاته بل بطريق الالتزام.
مسألة والأمر المعلق على علة ثابتة عليتها بالدليل يتكرر بتكررها كالأمر بالجلد المعلق على الزنا وإن علق على صفة أو شرط وكان غير علة نحو: أعطه درهماً حال قيامه وإن دخلت السوق فاشتر لحماً لم يقتضي التكرار.
مسألة ولا يدل الأمر المطلق على الفور أو التراخي بل يفيد مطلق الفعل إلاَّ لقرينة تدل على أيهما.
__________
(1) ـ معناه قبل البعثة. تمت
(2) ـ فالشيء المأمور به بعد حضرة حكمه كما كان قبل الحضر من وجوب وغيره لاستقراء الكتاب والسنة فالأمر إنَّما رفع الحضر. تمت منه(1/32)
مسألة والأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده بل يستلزمه.
مسألة والقضاء إنَّما يجب بأمر جديد نحو قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}.
مسألة إذا أمر آمر مكلفاً أن يأمر غيره بشيء سواء كان بلفظ الأمر كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <مروهم بالصلاة لسبع> أو كان بصيغته نحو: الزم عبدك أن يتجر، فإنه ليس أمراً من الآمر لذلك الغير بذلك الشيء فلا أمر للصبي من قبل الشارع بالصلاة.
مسألة والأمران غير المتعاقبين اختلفا أو تماثلا غيران وكذا المتعاقبان المختلفان مع العطف نحو: صل وصم ومع عدمه، والمتعاقبان المتماثلان بعطف تأسيس وبغير عطف، الثاني: تأكيد سواء منع مانع من التكرار كالتعريف نحو: أعط زيداً درهماً أعط زيداً الدرهم، أو عادة كقول السيد لعبده: اسقني ماء اسقني ماء، أو كونه غير قابل للتكرار نحو: اقتل زيداً اقتل زيداً، أو لم يمنع مانع من التكرار نحو: صل ركعتين صل ركعتين فإن حصل قرينتا التغاير والإتحاد نحو صلِّ ركعتين وصلِّ الركعتين واسقني ماءاً أو اسقني ماءاً فالترجيح إن أمكن وإلا فالوقف.
فصل
النهي اقتضاء كف عن فعل على جهة الاستعلاء وهو حقيقة في التحريم ولو ورد بعد إيجاب مجاز في غيره، وحكمه الدوام والتكرار والفور.
مسألة وهو يدل على الفساد المرادف للبطلان شرعاً في العبادات والمعاملات إلاَّ لقرينة سواء، كان النهي عن الشيء راجع إلى نفس المنهي عنه كصلاة الحائض أو جزئه كالنهي عن بيع الملاقيح أي مافي البطون من الأجنة لانعدام المبيع وهو ركن من البيع، أو صفة كبيوع الربا لاشتمالها على الزيادة أو لغيره، وهو ما نهي عنه لأمر يقارنه في غير باب المعاملات نحو: الصلاة في الدار المغصوبة المنهي عنها لشغل حيز الغير الذي هو المنهي عنه حقيقة.
باب العموم والخصوص
فصل(1/33)
العام الكلمة الدالة دفعة على جميع ما تصلح له بوضع واحد فيخرج نحو: زيد بما في لفظ جميع من التبعية على تعداد ما تطلق الكلمة عليه وتصلح له، ويخرج المعهودون وهؤلاء لما فيه من الإشعار بالشمول والإحاطة لما يصلح له ويخرج النكرات في الإثبات فإن رجلاً مثلاً يصلح لكل ذكر من بني آدم، لكنه لا يدل على كل ذكر دفعه بل على سبيل البدل، والمراد بالصلوح صلوح الكل للجزئيات فيخرج نحو مائة وعشرة لاستغراقه ما يصلح له صلوح الكل للأجزاء إذ لا يخرج عنه شيء من التعداد الذي يفيده مع أنَّه ليس بعام ويوجه صلوح الكل للجزئيات في الجمع المعرف نحو: الرجال على وجه لا يخرج من قولنا هو صلوح الكل للجزئيات؛ لأن عمومه باعتبار تناوله لكل جماعة فيوجه لأجل تناول كل فرد بأن يقال: المراد صلوح اللفظ لأن يراد به جميع جزئيات مسمى ما يشتمل عليه اللفظ تحقيقاً كالرجال، فإن أفراده هي الجزئيات لمسمى رجل المتضمن له لفظ رجال، أو تقديراً كالنساء؛ لأنَّه بمنزلة الجمع للفظ يراد به المرأة.(1/34)
مسألة وللعموم حقيقة أسماء الشرط والاستفهام نحو: من وما وأي فيهما ومهما وأينما في الشرط والموصلات نحو: من وما وأي والذي والمراد ما كانت صلته مستقبلة عامة نحو: {واللذان يأتيانهما منكم} وكل ونحوها كجميع، أما كل فالمراد إذا كانت في الإثبات نحو: {كل من عليها فان} أو قدمت على النفي ولم تقع معمولة للفعل المنفي كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {كل ذلك لم يكن} أما إذا تقدم عليها النفي لفظاً نحو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه أو تقديراً كما إذا تقدمت على العامل المنفي نحو كل الدراهم لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصة وأفاد ثبوت الحكم لبعض نحو ما كل سوداء تمرة، أو تعلقه به كالمثالين(1) السابقين فيفيد تعلق إدراك المرء لبعض متمنياته، وتعلق الأخذ ببعض الدراهم وهذا أكثري لا كلي لقوله تعالى: {والله لا يحب كل مختار فخور}، {والله لا يحب كل كفار}والنكرة في سياق النفي أو ما في معناه كالاستفهام والنهي نحو هل من أحد عندك {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} وكذا اسم الجنس دخلت عليه اللام مشاراً بها إلى الجنس نفسه من حيث الوجود على الإطلاق فخرج بقيد نفسه لام العهد الخارجي؛ لأن الإشارة بها إلى حصة معينة من الجنس، وبقيد الوجود لام الحقيقة؛ لأنها مشار بها إلى الماهية والماهية واحدة لا تتعدد، وبقيد الإطلاق لام العهد الذهني فإنها فيه مشاربها في إلى الجنس نفسه من حيث وجوده لا في ضمن أي فرد على الإطلاق بل في ضمن فرد غير معين والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية فالإستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج(2)
__________
(1) ـ حيث كانت مفعولاً لأن المفعول من متعلقات الفعل وشبهه.
(2) ـ قال في التلويح الأصل الراجح هو العهد الخارجي لأنَّه حقيقة التعيين وكمال التمييز ثُمَّ الإستغراق لأن الحكم على نفس الحقيقة بدون اعتار الأفراد قليل إلا لإستعمال جداً والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية فالإستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج خصوصاً في الجمع فإن الجمعية قرينة القصد إلى الأفراد دون نفس الحقيقة من حيث هي هي هذا ما عليه المحققون. تمت.(1/35)