الثاني: مالا نظير له وهو قسمان أيضاً قسم له معنى ظاهر كترخص المسافة إذ علته الضر وقسم ليس به معنى ظاهر كضرب الدية على العاقلة، وأما ذو النظير وهو الحكم الثابت بنص وارد بخلاف قياس الأصول مع كون المعنى فيه ظاهراً معقولاً فإنه يقاس عليه كرخصة العرايا ولا يشترط موافقة الخصم على علته ولا على وجودها فيه بل للقائس أن يثبت حكم الأصل بنص ثُمَّ يثبت العلة بمسلك من مسالكها.
مسألة ومن شروط الفرع مشاركة الأصل في عين العلة أو جنسها فالعين كالشدة المطربة في تحريم شرب النبيذ المشتركة بينه وبني الخمر، والجنس كالجناية في وجوب قصاص الأطراف المشتركة بين القطع والقتل ومنها مماثلة حكمه لحكم الأصل في عين الحكم أو جنسه فالعين كما قيس القصاص في القتل بالمثقل عليه في القتل بالمحدد فحكم الفرع بعينه حكم الأصل وهو وجوب القصاص والجنس كما قيس إثبات الولاية على الصغير في نكاحها على إثبات الولاية عليها في مالها فإن ولاية النكاح من جنس ولاية المال لأنها تسبب نفاذ التصرف وليست عينها لاختلاف التصرفين ومنها عدم النص بمخالفة التصرفين ومنها عدم النص بمخالف لا موافق فيجوز ومنها عدم تقدم حكمه لحكم أصله إلاَّ للإلزام لا عدم مخالفة الفرع الأصل تخفيفهاً أو تغليظاً فلا يشترط كأن يقال في مسح الرأس في الوضوء مسح فلا يسن فيه التثليث كالتيمم ولا يعتبر من الشروط غير ما سبق.(1/21)


مسألة ومن شروط العلة شرعيتها بمعنى أن المنوط بها حكم شرعي ومنها انتفاء شمول دليلها حكم الفرع نحو ما روي: الطعام بالطعام مثلاً بالمثل، فإنه دال على علية الطعم فلا حاجة في إثبات ربوية الذرة مثلاً بقياسها على البر بجامع الطعم إلاَّ لفائدة تقتضيه كأن يكون النص مخصصاً والمستدل أو المعترض لا يراه حجة إلاَّ في أقل الجمع، ومنها كونها وصفاً ظابطاً لحكمة شرعية الحكم لا حكمة مجردة عن الضابط لأجل خفاها كالرضا في التجارة أو لعدم انضباطها كالمشقة في السفر فيعتبر المظنة كصيغ العقود والسفر إلاَّ أن توجد حكمة مجردة عن المظنة تكون ظاهرة منضبطة بنفسها بحيث يمكن اعتبارها ومعرفها كحفظ النفس والعقل فإنه يجوز اعتبارها، ومنها ألا تكون(1) المتعدية المحل أو جزئه لا القاصرة فيجوز والقاصرة صحيحة وذلك لظن كون الحكم لأجلها، ومنها أن لا تتأخر عن حكم الأصل إذا كانت بمعنى الباعث كما لو قيل فيما أصابه عرق الكلب أصابه عرق حيوان نجس يكون نجساً كلعابه فتمنع نجاسة اللعاب فيقال: أنَّه مستقذر؛ لأن الاستقذار هو مترتب على ثبوت نجاسته، أما إذا كانت أمارة معرفة للحكم لا باعثة عليه فكدليل ثاني بعد الأول فلا يضر تأخرها فإن الحادث يعرف القديم، ومنها أن لا تعود على الأصل بالإبطال مثاله قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أربعين شاة شاة، علله الحنفية بسد خلة المستحق فجوزوا قيمتها فعاد على أصله وهو إيجاب الشاة بالإبطال؛ لأنَّه يلزم منه أن لا تجب الشاة عيناً، ومنها أن لا تخالف نصاً ولا إجماعاً، ومنها أن لا تتضمن المستنبطة زيادة على النص منافية مطلقا أو غير منافية حيث كانت الزيادة ناسخة، مثال غير المنافية
__________
(1) ـ لعل العبارة ومنا ألا تكون المحل أو جزءه تمت مثال التعليل بالمحل أن يقال: الذهب ربوي لكونه ذهباً، ومثال التعليل (بجزء المحل)كقولك: الترياق نجس لدخول لحم الأفاعي فيه. تمت راجع الجزء الثاني من شرح الغاية صفحة 515.(1/22)


نحو: لا تبيعوا الطعام بالطام إلاَّ سواء بسواء، فيعلل أن حرمة بيع الطعام بالطعام متفاضلاً لكونه ربوياً، فكونه ربوياً فيما يوزن يوجب اشتراط التقابض في المجلس في بيع الطعام بالطعام كما في النقدين وهذه زيادة على النص.
مسألة ويجوز كونها عدمية وإن كان الحكم ثبوتياً ويجوز أن يكون العدم جزء علة ولو في حكم ثُبوتي كالدوران(1).
__________
(1) ـ فإن الدوران علة لمعرفة كون المدار علة وهي وجودية والدوران مركب من وجودي وعدمي؛ لأنَّه عبارة عن الوجود مع الوجود والعدم مع العدم فأحد جزئيه عدمي فهو عدمي.(1/23)


مسألة ولا يشترط اطرادها وهو كلما وجدت العلة وجد الحكم حيث كانت منصوصة مطلقاً، وإن كانت مستنبطة وتخلفت لمانع أو عدم شرط فكذلك أيضاً لا يشترك وإن تخلفت لا لأيهما بطلت ولا يضر العلة نقض حكمتها وذلك بأن توجد الحكمة في محل بدون العلة والحكم كالحدادة في الحضر فيصح قياس سفر المعصية على سفر الطاعة بجامع السفر لمناسبة السفر للترخيص بما فيه من المشقة، وإن تخلفت العلة والحكم عن الحكمة في الحدادة في الحضر إذ تخلفهما عن الحكمة لعدم تيقن القدر المعتبر من الحكمة في الحدادة إما لو تيقن مساواة حكمته لما يراد نقضه ولم يحصل معارض يجعل قدر الحكمة ناقضاً أبو باطلاً بطلت العلة ولا يضر العلة نقص بعض أوصافها بأن يكون ذلك البعض موجوداً مع الحكمة من دون حكم كان يقال في منع بيع الغائب: مبيع مجهول الصفة فلا يصح كبعتك عبداً فينتقض بما لو تزوج امرأة لم يرها فإنها مجهولة الصفة عند العقد وهو صحيح فحذف قيد كونه مبيعاً ونقض الباقي فلا يضر؛ لأن العلة المجموع إلاَّ أن يلغى البعض وهو كونه مبيعاً بطلت العلية ولا يضر العلة عدم انعكاسها وهو كلما عدم الوصف عدم الحكم ويجوز تعدد العلل فإن وجدت مترتبة فالحكم لأولها وقوعاً كما إذا دبر السيد عبده، ثُمَّ كاتبه فإنه يثبت العتق بالسابق من موت السيد وتأدية مال الكتابة، وإن وجدت دفعة كمن قتل وارتد وزنا محصناً في حالة واحدة فعلل مستقلة عند الإجتماع كاستقلالها عند الانفراد ولا يضر العلة كونها إمارة بأن لا يظهر اشتمالها على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم وذلك كأن يثبت بالنص حرمة الخمر ويعلل بكونها مائعاً أحمراً يقذف بالزبد فإنه يكن أمارة على ثبوت الحرمة في كل ما يوجد فيه ذلك الوصف من أفراد الخمر.(1/24)


مسألة ويجوز تعليل حكمين شرعيين بعلة واحدة سواء كانت أمارة أبو باعثة كالسرقة للقطع زجراً له ولغيره عن العود وللرد للقائم جبراً لصاحب المال، ويجوز كونها حكماً شرعياً ويجوز كونها مركبة من عدة أوصاف كالقتل العمد العدوان وتعليل تخلف الحكم بالمانع عنه أو بانتفاء الشرط لا يتوقف على وجود المقتضي للحكم كتعليل عدم صحة البيع بالجهل بالمبيع أو عدم وجوده في الملك فلا يتوقف التعليل بهما على وجود المقتضي وهو بيع من أهله في محله مثلاً وإلا فالعلة عدم المقتضى؛ إذ غاية ذلك أنها أمارات متعددة وذلك جائز.
فصل(1/25)

5 / 13
ع
En
A+
A-