الثالث: أن يدل دليل على التكرار في حقه دون وجوب التأسي به نحو: أن يعلم أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقبل القبلة بالحاجة مراراً متكررة مختلفة الأوقات، فإن كان القول خاصاً بنا فلا تعارض لعدم تعلق الفعل بنا وإن كان خاصاً به أو عاماً له ولأمته نصاً فيه فلا تعارض في حقنا لعدم تعلق الفعل بنا وفي حقه المتأخر ناسخ مع التمكن وإلا امتنع، وإن جهل المتقدم فالوقف(1)، وإن كان القول عاماً له بطريق الظهور فلا تعارض بين القول والفعل في حق الأمة لعدم ثبوت حكم الفعل في حقهم وفي حقه الفعل مخصص للقول سواء تقدم أو تأخر أو جهل إلاَّ حيث تأخر الفعل عن وقت العمل فه ناسخ في حقه لا مخصص.
الرابع: أن يدل دليل على تأسي الأمة به دون التكرار نحو: أن يستقبل ويقول: لا حرج عليكم في أن تفعلوا كفعلي في هذه الحال فإن كان القول خاصاً به نحو الاستقبال محرم عليّ خاصة وتأخر فلا معارضة لعدم دليل التكرار وإن تقدم القول فالفعل ناسخ مع التمكن وإلا امتنع وإن جهل فالوقف(2)، وإن كان القول خاصاً بنا فلا تعارض في حقه مطلقاً، وإن كان عاماً فلا تعارض في حقه إن تأخر القول لأن الفرض عدم تكرير الفعل، وقد وقع وإن تقدم فالفعل ناسخ مع التمكن وإلا امتنع وحكم الخاص بنا والعام في حقنا أن المتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر مع التمكن وإلا امتنع، وهذا إنَّما يصح إذا كان المتأخر من قوله قبل صدور الفعل من الأمة وذلك بأن يكون الوقت موسعاً وأما بعد الفعل من الأمة فلا تعارض في حقهم؛ إذ التقدير عدم دليل التكرار فإن جهل التاريخ فالوقف.
__________
(1) ـ وفي الفصول المختار القول.
(2) ـ وفي الفصول المختار القول.(1/11)
مسألة إذا علم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمر صدر عن مكلف ولم يعلم إنكاره له من قبل فلم ينكره قادراً على إنكاره، فإنه يدل على جوازه فإن سبق تحريمه فنسخ إن لم يكن مخصصاً بأن تراخى عن وقت الحاجة، فإن لم يتراخى حمل على التخصيص، فإن استبشر به فأوضح من السكوت في الجواز.
فصل
وطريقنا إلى العلم بالسنة الإخبار.
مسألة الخبر مع قطع النظر عن المُخْبِر به صدق وكذب (فالصدق) مطابقة حكمه للواقع (والكذب) عدمها ويوصف بهما المخبِر فإن طابق خبره معتقده (فصادق) وإن لم يطابق (فكاذب) ومع عدم الاعتقاد كالساهي والشاك والنائم والمجنون لم يتصف بأيهما.
مسألة والمعلوم صدقه ما علم وجود مخبَرِه (ضرورة) كقولنا الواحد نصف الاثنين (أو نظراً) كخبر الله وخبر رسوله وخبر الأمة أو العترة، والخبر المحفوف بالقرائن المنفصلة الزائدة على مالا ينفك عنه الخبر عادة كخبر مِلك يموت ولده ولا مريض عنده سواه مع خروج النساء عل هيئة منكرة وخروج الملك وأكابر مملكته وراء الجنازة على نحو تلك الهيئة دن موت مثله(1)، والخبر المتواتر وهو خبر بلغت رواته عدداً لا يكذب عادة وهو ضروري.
مسألة وشرطه في كل مرتبة بلوغ المخبرين عدداً يمنع الاتفاق عادة مستندين إلى الحسن وضابط شرط التواتر حصول العلم بصدق الخبر فإذا علم ذلك علم وجود الشرائط ولا حصر لعدده بل هو ما أفاد العلم ويختلف باختلاف القرائن اللازمة للخبر التي لا تنفك عنه وهي اختلاف المخبر في التدين والحزم والتنزه عن الكذب وتباعد الديار وارتفاع تهم الأغراض وفي انتفائها واختلاف المخبر في تفرس آثار المصدق والإدراك والفطنة في انتفائها واختلاف المخبر عنه وهي الواقعة ككونها قريبة الوقوع فتحصل بإخبار عدد أقل أو بعيدة فتفتقر إلى أكثر.
مسألة وكل خبر من جماعة أفاد علماً بواقعة لا يجب أن يفيد العلم بغيرها إلاَّ إذا تساويا من كل وجه.
__________
(1) ـ في نسخة زيادة (فإنه يفيد العلم).(1/12)
مسألة واختلاف الأخبار في الوقائع يفيد تواتر القدر المشترك كشجاعة علي وجود حاتم ومن المعلوم صدقه (المتلقى بالقبول) وهو ما كانت الأمة أو العترة بين عامل به ومتأول له ولم يقدح فيه، أما إذا تأوله مع القدح في الصحة فلا إجماع على الصحة، (وخبر الواحد) في مشهد جماعة لا يتعمد مثلها الكذب بما لو كان لعلموه كقتل خطيب على المنبر وعلم أنَّه لا مانع يصرفهم عن تكذيبه ولم يكذبوه ومتى كفت عن التكذيب وجدت من الكف ضرراً فتدفع الضرر بالتكذيب وعلم أنَّه لم يصرف صارف عن التكذيب يقاوم ضرر الكف (وما أخبر به) بحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان المخبَر به دينياً نحو هذا واجب أو حرام ولم يعلم من الدين خلافه كأن يكون قد بين الحكم قبل ذلك والمخبر معاند لا ينفع فيه الإنكار أو علم خلافة ولكنه يجوز تغيره بأن لا يمنع من جواز نسخه ما نع أو كان المخبر به دنيوياً وعلمنا أنَّه لا يخف عليه صدق الخبر من كذبه كأن يقول: باع زيد داره ولم ينكره.
مسألة والمعلوم كذبه ما كذبه التنزيل أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو جمع يستحيل تواطئهم على الكذب عادة كان يقول الجمع: نحن حضرنا في الوقت الفلاني ولم يجيء من هذه الحكاية شيء، وما علم خلافه ضرورة كقول القائل: النار بادرة، أو نظراً كقول القائل: العالم قديم أو صادم قاطعاً وخبر الواحد المنفرد بما تتوفر الدواعي إلى نقله وشورك فيه بأن يطلع عليه الجم الغفير لو صح وجوده والتوفر إما لتعلقه بالدين كأصول الشريعة كصلاة سادسة أو لغرابته كقتل خطيب على منبر في المسجد الجامع يوم الجمعة أو لمجموع التعلق والغرابة كمعارضة القرآن.
مسألة وما لم يعلم صدقه ولا كذبه قد يظن صدقه كخبر العدل وكذبه كخبر الكذوب ويشك فيه كخبر المجهول.
مسألة والتعبد بخبر الواحد واقع.(1/13)
مسألة وشرط المخبر التكليف وقت الأداء والعدالة وهي ملكة في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر والرذائل والإصرار على الصغائر، أما الرذائل فهي عدم المحافظة على المروة. والمروة هي أن يسير بسيرة أمثاله في زمنه ومكانه وتشمل الرذائل صغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة من تمر أو نحوه، والمباحة كالبول في الطريق(1) وعشرة من لا يليق به عشرته ونحو ذلك، وأما الإصرار على الصغائر فهو أن يظهر منه أنَّه لا يبالي بفعلها ولا يتحرز عن وقوعها فمن لا تعرف عدالته ولا مقابلها بأن يكون مجهول الحال لا تقبل روايته.
مسألة ويثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية والشهادة.
مسألة ويكفي الإجمال فيها من عالم بأسباب الجرح والتعديل بصير لا يطلق في محل الخلاف.
مسألة وإنما يقبلان من عدل وإذا تعارضا فالجارح أولى وإن كثر المعدل إما أن عين الجارح السبب ونفاه المعدل يقيناً فالترجيح إن أمكن وإلا تساقطا.
تنبيه لو عين الجارح سبباً فقال المعدل: تاب عنه وحسنت توبته فيقدم التعديل هنا.
مسألة وللتعديل مراتب في القوة أولها: الحكم بالشهادة من الحاكم المعتبر الذي يرى العدالة شرطاً في قبول الشهادة وقول المعدل هو عدل لكذا ثُمَّ عمل عالم بروايته وهو لا يقبل المجهول بل يشترط العدالة المحققة ثُمَّ رواية من عرف من عادته أنَّه لا يروي إلاَّ عن عدل. وأما طرق الجرح فأعلاها التصريح مع ذكر السبب المقتضي له ثُمَّ التصريح به من دون السبب وليس منه ترك العمل بشهادته ولا ترك العمل بروايته ولا تدليس وقع من الراوي إذا لم يتضمن غشاً، وأما الحد(2) في شهادة الزنا لانخرام النصاب فإن تواطأ أربعة على الشهادة بعد الرؤية وجزم كل منهم في تلك الحال بأداء الشهادة لم يكن هذا جرحاً لأن الثلاثة غير ممنوعين من أدائها مع ظنهم لتأدية الرابع لها وإن شهد دون نصاب الشهادة من أول الأمر فجارح.
__________
(1) ـ أي في طرفها. تمت
(2) ـ أي حد القذف للشاهد. تمت(1/14)
مسألة ويقبل فاسق التأويل وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الفسق غير متعمد كالباغة وكافر التأويل وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الكفر غير متعمد كالمجبر والمشبه حيث صح كفرهم، وإنما تقبل رواية المتأول حيث كان محرم الكذب؛ لأن المعتبر في قبول الرواية هو الظن فتقبل روايته لحصول الظن بصدقه.
مسألة والصحابة كغيرهم من القرون فيهم العدل وغيره والصحابي من طالت مجالسته له صلى الله عليه وعلى آله وسلم متبعاً له وإن لم يرو وقد حصل في ماهيته عرف خاص من جهة العلماء بالحديث وهو إطلاق هذا الاسم فيكل من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه وإن قلت صحبته، وطريق معرفته التواتر أو الآحاد من عدل غيره أو منه ومن شرط المخبر أيضاً رجحان الضبط.(1/15)