مسألة يطلب الترجيح إن تعذر الجمع، إما السند فمن وجوه الترجيح فيه رواة الأربعة(1) ومنها كثرة الرواة ومنها علم الفقه في أحد الراويين فيما يروي بالمعنى ومنها زيادة الورع والضبط والفطنة وحسن الاعتقاد، ومنها موافقة العمل ومنها مصاحبة القصة ومنها المشافهة ومنها كونه أقرب مكاناً من المروي عنه، ومنها التحمل بإلغاء في غير الحسنين وابن عباس، ومنها شهرة العدالة على من عرفت عدالته في التعديل، ومنها كثرة المزكين وأعدليتهم وأوثقيتهم بأن لا يكونوا متساهلين في رعاية دقائق التزكية، ومنها صريح التزكية على التزكية بالحكم والحكم على العمل بالرواية، ومنها الإتفاق على رفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المختلف في رفعه ووقفه، ومنها قراءة الشيخ والتلميذ يسمع، ومنها التصريح من الراوي بالسماع على المحتمل للسماع وغيره، ومنها السكوت من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عما وقع في زمنه حضوراً على ما وقع غيبة وسمع به إلاَّ أن يكون خطر ما جرى في غيبته آكد، ومنها اللفظ على المعنى ومنها القول فالفعل فالتقرير، ومنها عدم إنكار الأصل على الآخر.
__________
(1) ـ المراد أهل الكساء. تمت(1/56)
مسألة وأما جهات الترجيح بحسب المتن فمنها النهي فالإباحة فالأمر ومنها الأقل احتمالاً على الأكثر ومنها الحقيقة العرفية فاللغوية فالمجاز، ويرجح من المجاز ما رجح دليله كأن يثبت بنص الواضع والآخر بعدم الاطراد أو شهرته أو قرب جهته إلى الحقيقة أو شهرة مصححة وهي العلاقة أو قوته أو قربه كالسبب الذي بلا واسطة كل على مقابلة، ومنها الأشهر استعمالاً في ذلك المعنى مطلقاً سواء كان حقيقيين أم مجازيين أم حقيقة ومجاز، ومنها مؤكد الدلالة كأن يدل على المطلوب من جهتين أو أكثر، وكأن يكون دلالة لفظ أحدهما مكرراً، وكأن يكون دلالة أحدهما بالمطابقة، وكأن يتأكد أحدهما بدلالة السياق كل على مقابله، ومنها أنَّه يرجح في الاقتضاء ضرورة الصدق على ضرورة وقوعه شرعاً، ومنها انتفاء العبث على غيره فيما إذا تعارضا إيماءان، ومنها تخصيص العام على تأويل الخاص ومنها الخاص ولو من وجه على العام، ومنها المقيد على المطلق ومنها الجمع المعرف باللام أبو بالإضافة والاسم الموصول والاستفهام فإنها تقدم على الجنس المعرف باللام أو بالإضافة ومنها الإجماع الظني على غيره من الأدلة الظنية.
مسألة، وأما جهات الترجيح بحسب المدلول فمنها الحضر فالوجوب فالكراهة فالندب فالإباحة والداري للحد على الموجب له والمثبت على المنافي.
مسألة وأما جهات الترجيح بحسب أمر خارج فمنها أنَّه يقدم الموافق لدليل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع، والموافق لفعل الوصي عليه السلام، والأمس بالمقصود والمفسر من جهة راوية بقول أو فعل وتأخر إسلام الراوي حيث علم موت متقدم الإسلام قبل إسلامه كل على مقابله، ومنها العام الوارد على سبب خاص فإنه يقدم على غيره في صورة السبب خاصة، وما لم يرد على سب يقدم على ذي السبب في غير السبب.(1/57)
مسألة وأما الترجيح بين المعقولين فيكون إما بحسب العلة فيرجم الوصف الباعث على الأمارة المجردة والمنضبط والظاهر على مقابلها وجامع الحكمة مانعها فكلما وجد وجدت الحكمة وكلما انتفى انتفت على خلافة، والموافق لعمل الوصي عليه السلام على غيره الموافق وأما بحسب دليل الوصف المعلل به فيجرح الوصف الثابت بالإجماع فالنص الصريح على مراتبه الأربع فالإيماء ويقدم منه ما كان الإيماء إلى علية الوصف بعينه، ثُمَّ إلى النظير، ثُمَّ الفرق بين الحكمين، ثُمَّ مناسب مع ذكر الحكم فالسبر فالمناسبة فالدوران ويرجح الإيماء مع المناسبة على الإيماء وحده وإيماء الدليل القطعي على الظني والمناسبة مع السبر أو مع الدوران على المناسبة وحدها، والمناسبة مع الأقوى من المسالك على المناسبة مع الأضعف، وأما بحسب دليل كم الأصل فيرجح بقوة دليل كمهما في الأصل كأن يثبت في أحد الأصلين بالمنطوق والآخر بالمفهوم أو بجريه على سنن القياس والآخر معدولاً به عن السنن، وأما بحسب الفرع فيرجح أحد القياسين بالقطع بوجود العلة في الفرع وبكونه ثابتاً بالنص في الجملة وبمشاركته للأصل في عين الحكم وعين علته، فالمشاركة في عين العلة فقط فالمشاركة في عين الحكم فقط فالمشاركة في جنس العلة وجنس الحكم كل على مقابله.
مسألة وأما الترجيح بين المعقول والمنقول فيرجح المنقول الخاص الدال بمنطوقه على القياس وأما الخاص الدال بمفهومه فهو درجات متفاوتة قوة وضعفاً وتوسطاً، فالترجيح بينه وبين القياس على حسب ما يقع للناظر، وأما المنقول العام مع القياس فقد تقدم بيانه، وللترجيح طرق كثيرة ومدارها على غلبة الظن.
باب أحكام العقل
وهي الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة كقضاء الدين والظلم والإحسان وسوء الأخلاق كتقطيب الوجه وغيره والتصرف من المالك في الملك.(1/58)
مسألة ومالا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة محسنة أو مقبحة على جهة التفصيل، وأما على جهة الإجمال فإنه يوجد فيه ذلك كالتمشي بالبراري والتظلل بأشجارها والشرب من أنهارها فهو مباح.
مسألة وحكم العقل ينقسم إلى ضروري ونظري ومن الأول وجوب شكر المنعم فلا يحتاج إلى دليل.
مسألة ويجب على النافي لحكم عقلي أو شرعي غير ضروري الدليل كالمثبت لكونه يدعي حصول علم بنفي أمر غير ضروري وحصول علم نظري بلا دليل محال، ويصح الاستدلال على عدم الحكم بعدم الدليل بعد الفحص لإفادته ظن عدمه وهو يستلزم ظن عدم الحكم، والفحص إما بنقل أدلة الباحثين وإبطالها أو بحصر وجوه الأدلة ونفيها لعدم وجودها وكون الأصل عدمها واحتمال الوجود لا يدفع الظن مع البحث وبلوغ نهاية التحقيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قال في الأم: تم جمعه لنفسي ضحوة يوم الجمعة لعله تاسع عشر شهر ربيع آخر سنة سبعة وثلاثمائة وألف بقلم الحقير المستجير من عذاب السعير أحسن بن يحيى القاسمي وفقه الله أمين.
[تم الكتاب بحمد اللّه ]
فهرس الموضوعات
باب الموضوعات اللغوية ...
باب الأحكام ...
باب الأدلة الشرعية ...
باب الأوامر والنواهي ...
باب العموم والخصوص ...
باب المجمل والمبين ...
باب مفهومات الخطاب ...
باب الناسخ والمنسوخ ...
باب الاجتهاد والاستفتاء ...
باب التعادل ...
باب أحكام العقل ...(1/59)