مسألة ولا يثبت حكم الناسخ إذا ورد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل تبليغه كغيره من الأحكام المبتداة ويعرف الناسخ بعلم تأخره أو ظنه وذلك بضبط التاريخ وخبر الآحاد في ضبط التاريخ ونحوه معمول به في النسخ وإن كان المنسوخ قطعياً أو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما صريح نحو: هذا ناسخ وهذا منسوخ أو معنى نحو: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها. أو إجماع كالإجماع على ترك قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، أو كون الراوي أو العامل علي عليه السلام بخلاف الآخر؛ إذ لا يرو المنسوخ من دون أن يبينه ولا يعمل به، لا بقول صحابي بأن هذا ناسخ وهذا منسوخ إلاَّ علياً عليه السلام، ولا بحداثته أو تأخر إسلامه إلاَّ أن تنقطع صحبة الأول بموت أو غيره مما يعلم عدم إتقانه قبل إسلام الثاني ولا بترتبه في المصحف أو موافقته الأصل أو إخفية حكمه فإن عرف الناسخ بطريق من الطرق المعتبرة عمل به وإلا فالترجيح إن أمكن ثُمَّ الوقف.
مسألة في نسخ ما قيد بالتأبيد ثلاث صور: الأولى ما كان التأبيد قيداً للفعل نحو: صوموا أبداً. الثانية: ما كان اللفظ ظاهر في التأبيد وإن كان نصاً في تقييد الحكم نحو الصوم واجب في الأيام ففي هاتين الصورتين يصح النسخ. الثالثة: ما كان التأبيد قيداً للحكم نصاً فيه نحو: الصوم واجب مستمر أبداً، فهذه الصورة لا يصح النسخ فيها.
مسألة وكون محل التكليف خبراً كتكليف أحدنا بالأخبار بعقلي كوجود الباري أو عادي كإحراق النار أو شرعي كإيمان زيد لا ينافي نسخ التكليف بالأخبار به ولا يجوز أن ينسخه بأن يكلف أحدنا بالأخبار بالنقيض فيما لا يتغير مدلوله ولا ينسخ مدلول الخبر سواء كان متغيراً كإيمان زيد أو لا كحدوث العالم؛ إذ مدلول الخبر في إيمان زيد وكفره هو كونه مؤمناً وكونه كافراً، وهو ليس حكماً لا شرعياً ولا عقلياً.(1/51)
مسألة ويجوز النسخ بغير بدل وبأثقل كنسخ وجوب الحبس في البيوت والأذى بالجلد أو به وبالرجم.
مسألة، ويجوز نسخ بعض القرآن حكماً وتلاوة معاً أو أحدهما.
مسألة ويجوز نسخ القرآن والمتواتر والآحاد كل بمثله، ويجوز نسخ الآحادي بالمتواتر ونسخ السنة مطلقاً بالكتاب ونسخ الكتاب بالمتواتر، ولا يجوز نسخ الكتاب والسنة المعلومة بالآحاد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آهل وسلم.
مسألة ولا ينسخ الإجماع ولا نسخ غيره وما وجد من إجماع على خلاف النص فلتضمنه الناسخ.
مسألة والقياس ينسخ ولا ينسخ به إلاَّ قياساً مرجوحاً(1).
مسألة ويجوز النسخ بفحوى الخطاب لا لحنه فمحتمل لاحتمال كونه قياساً، ويجوز نسخ مفهوم الموافقة مع أصله والمفهوم دون الأصل لا العكس إلاَّ بدليل آخر، ويجوز نسخ مفهوم المخالفة سواء نسخ مع أصله أو لم ينسخ فإن مفهوم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <الماء من الماء> منسوخ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل> مع أن الأصل باق وهو وجوب الغسل بالإنزال ولا يجوز نسخ الأصل بدونه؛ إذ قد بطل القيد فبطل ما يترتب عليه كما لو قال في الغنم السائمة زكاة فيفهم منه أن لا شيء في المعلوفة مع نسخ أصله ويرتفع بارتفاعه ويرجع إلى حكم البراءة الأصلية، وأما النسخ بها فموضع اجتهاد مثاله أن يقول في الغنم السائمة وفي المعلوفة زكاة ثُمَّ يقول في الغنم السائمة زكاة.
مسألة نسخ حكم الأصل يزيل حكم الفرع لخروج العلة عن الإعتبار.
مسألة زيادة صلاة سادسة ليست نسخاً وإما زيادة شطر كزيادة ركعة في الفجر أو شرط كزيادة وصف الإيمان في إعتاق رقبة بالإطلاق أو رفع مفهوم مخالفة كإيجاب الزكاة في المعلوفة بعد نص السائمة فمحمل النظر في الجزئيات إن ثبت في أحدها انتهاء حكم شرعي فنسخ للمزيد عليه وإلا فلا ونقص شطر أو شرط نسخ له لا للباقي.
باب الاجتهاد والاستفتاء
__________
(1) ـ أو مساوياً. تمت(1/52)
الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي فرعي عملي والفقيه المجتهد وهو من يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية الظنية الفرعية العملية عن أدلتها التفصيلية، والمجتهد فيه حكم شرعي ظني فرعي عملي عليه دليل فخرج بالقيد الأول العقلي والحسي والإصطلاحي وبالثاني المسائل القطعية فرعية كانت أو أصولية وبالثالث الكلامية والأصولية، وبالرابع بعض مسائل الأصول، فإن فيها فرعية ظنية ككون دلالة العموم ظنية وكمسألة: هل العام بعد مخصصه حقيقة أو مجاز، فإنهما فرع ثبوت ألفاظ العموم في اللغة، والخامس يفيد أن ثبوت لا أدري لا ينافي الاجتهاد.
مسألة شرطه في المجتهد المطلق العلم بما يتم له نسبة الأحكام إلى الله تعالى من أصول الدين والعلم بمدارك الأحكام إلى الله تعالى من أصول الدين والعلم بمدارك الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما يتعلق بها من العلوم كعلم اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول، وأن يكون متمكناً من الرجوع إلى النفي الأصلي، وأنه لا يغير إلاَّ بنص أو قياس، والمجتهد في مسألة أو مسائل مخصوصة يكفيه معرفة ما يتعلق بها ولا يضره جهل ما عداه.
مسألة يجوز تعبده صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاجتهاد في الشرعية ولا قطع بوقوع ولا انتفاء.
مسألة ويجوز الاجتهاد ممن عاصره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الغائب مطلقاً والحاضر مع الأذن وهو واقع منهما مع الأذن.
مسألة المصيب في القطعيات كلامية كانت أو أصولية أو فقهية واحد، والنافي لما علم من ضرورة الدين كافر ولغيره من القطعيات آثم إن قصر، والمصيب في المسائل الاجتهادية واحد أيضاً والمخالف مخطئ ولا إثم ويؤجر على بذل الوسع.(1/53)
مسألة ولا يجوز للمجتهد نقض حكم صدر منه أو من غيره ولم يخالف قطعياً ولا يجوز الحكم من مجتهد بخلاف الاجتهاد الحاصل منه ولو عن تقليد منه لمجتهد آخر، أما إذا خالف قاطعاً، فإنه ينقض ولا حكم لرجوع المجتهد فيما قد مضى من الأحكام التي لا يستمر حكمها وذلك كالحج لا يلزمه إعادة ما قد فعله في الاجتهاد الأول، ورجوعه فيما يستمر حكمه تحليلاً وتحريماً أو في واجب القضاء نقض للأول من حينه وذلك نحو إن يطلق زوجته ثلاثاً من دون تخلل رجعة وهو يرى أن الطلاق لا يتبع الطلاق فراجعها ثُمَّ تغير اجتهاده إلى أن الطلاق يتبع الطلاق فإنه يلزمه أن يفارقها، ونحو أن يسافر بريداً وهو يرى وجوب القصر فيه، ثُمَّ رأى بعد خروج الوقت وقبل فعلها أن ذلك لا يوجب القصر فإنه يلزمه أن يقضيها تماماً، وكذا يكون حكم المقلد حيث علم تغير اجتهاد إمامه أو اجتهد هو في نفسه ويصح حكم(1) المقلد.
مسألة المجتهد ممنوع عن التقليد إذا اجتهد فأداة اجتهاده إلى حكم، ويجوز تقليده لمجتهد آخر إذا كان مضيقاً بحيث يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد وإلا فلا يجوز.
مسألة وإذا تكررت الواقعة فإن لم يذكر اجتهاده الأول أو ذكره وتجدد له ما يحتمل أنَّه يقتضي الرجوع وجب عليه إعادة النظر، وإن ذكر الاجتهاد مع دليله أو بدونه ولم يتجدد له ما يحتمل الرجوع لم يلزمها الإعادة.
مسألة ويمتنع شرعاً خلو الزمان عن مجتهد.
فصل
التقليد قبول قول الغير بلا حجته، ويمتنع في العقليات من مسائل الكلام كوجود الباري وما يجب له ويمتنع من الصفات، ولازم لغير المجتهد في الأحكام الشرعية الفرعية العملية ولو كانت قطعية.
__________
(1) ـ حكومة نسخه لئلا تعطل الأحكام وتضيع الحقوق لقلة المجتهدين خصوصاً في زماننا؛ ولأنه يصح عود تعذر الإجتهاد. تمت منه بتصرف.(1/54)
مسألة والمفتي الفقيه ولا بد من معرفة علمه وعدالته تصريحاً وتأويلاً ولو بانتصابه بلا قدح من يعتد به من أهل العلم والورع ولم يعارض قدحه خبر مثله فإن عارضه فالترجيح فلا يستفتى المجهول علمه وعدالته أو أحدهما، ويجوز إفتاء غير المجتهد إذا كان عارفاً بالفروع جامعاً لشروط الرواية حكاية لمذهب مجتهد.
ولا يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل لوجوب ابتاع الظن فيجب أن يتبع صاحب المنصب الشريف، ثُمَّ الأعلم ثُمَّ الأشد بحثاً وجوده في الخاطر ثُمَّ الأورع، وضابط الترجيح ما يحصل عنده الظن الأقوى بصحة قوله، فإن استووا فيتبع الأحوط فإن تساوت فالتخيير.
باب التعادل
هو استواء الأمارتين والترجيح وهو تقوية أحد الأمارتين على الأخرى؛ لاقترانها بسبب التقوية.
مسألة لا يعادل بين قطعيين ولا بين قطعي وظني ولا بين ظنيين في نفس الأمر لا في نظر المجتهد فجائز فيعمل بغيرهما من شرع أو عقل.(1/55)