مسألة وإذا ورد بعد المجمل قول وفعل وكل واحد منهما صالح للبيان متفقين(1) كان يطوف بعد نزول آية الحج طوافاً واحداً، ويأمر بواحد فالمتقدم البيان، وإن جهل فأحدهما، وإن وردا مختلفين فالقول سواء علم المتقدم أو جهل وفعله الثاني ندب في حقه وحقنا أو واجب يخصه وذلك كما روي أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: <من قرن حجاً إلى عمرة فليطف لهما طواف(2) واحد>، وروى أنَّه قرن وطاف طوافين.
مسألة ولا يجوز أن يتأخر البيات عن وقت الحاجة وإليه جائز ويجوز تدريج البيان لوقوعه في قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} أخرج منه أهل الذمة أولاً، ثُمَّ العبد ثانياً، ثُمَّ المرأة ثالثاً ونحوه، ويجوز تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة، ويجب أن يكون البيان أوضح من المبين في الدلالة لا في القوة فيصح تبيين القطعي بالظني.
باب مفهومات الخطاب
__________
(1) ـ متَّفقان نسخة.
(2) ـ كذا طواف بالرفع.(1/46)


المنطوق ما أفاده اللفظ من أحوال مذكور، فإن ذكرت الحال (فصريح) كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فإنه دل فيه على حال مذكورة للصلاة وهي وجوب صلاة الظهر (وإلا فغيره) وهو المدلول عليه بالإلتزام، وينقسم إلى دلالة (اقتضاء) وهي ما قصد وتوقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه نحو: رفع عن أمتي واسأل القرية وأعتق عبدك عني على ألف، وتنبيه وإيماء إن لم يتوقف واقترن الملفوظ الذي هو مقصود المتكلم بوصف لو لم يكن ذلك الوصف لتعليل ذلك المقصود كان اقترانه به بعيداً كقصة الأعرابي المجامع أهله في نهار رمضان، فإنه اقترن الأمر بالإعتاق بالوقاع الذي لو لم يكن هو علة لوجوب الإعتاق لكان بعيداً، (وإشارة) إن لم يقصد بالأصالة وإنما قصد على جهة التبعية نحو: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} مع قوله تعالى في آية أخرى {وفصاله في عامين}، فإنه يعلم منهما أن أقل الحمل ستة أشهر، لكن المقصود الأهم في الأولى بيان حق الوالدة وما تقاسيه من التعب والمشقة في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة الفصل، (والمنطوق) إن أفاد معنى لا يحتمل غيره (فنص) وإن احتمل فإن تساويا (فمجمل) وإلا فإن حمل على المعنى المرجوح بما يصيره من القرائن راجحاً عند الناظر (فمأول) (وإلا فظاهر)، (فالظاهر) هو اللفظ السابق إلى الفهم منه معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لم يحمل عليه، (والمأول) قريب يكفيه أدنى مرجح كتأويل الآيات والأحاديث بما يرفع وهم التشبيه لقيام الدليل على عدم إرادة ظاهرها، وكتأويل: استاكوا حيث حمل على أمر الندب بدليل: <..لأمرتهم بالسواك>، (وبعيد) يحتاج إلى المرجح الأقوى كتأويل الشافعية من ملك ذا رحم محرم فهو حر بالتخصيص لعمومه بالأصول والفروع لما تقرر من أنَّه لا عتق من دون إعتاق وخولفت هذه القاعدة بما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <لا يجزي ولد والده إلاَّ أن يجده مملوكاً فيشتريه> فيعتق أي بالشراء من غير حاجة إلى(1/47)


صيغة الإعتاق، ووجه بعدِه ظهوره في كل ذي رحم محرم مع الإيماء إلى علة العتق الموجودة فيهم (ومتعذر) كتأويل البيت بالقلب وبكة بالصدر. (والمفهوم) ما أفاده اللفظ من أحوالٍ لأَمرٍ غير مذكور وهو نوعان:
الأول: موافق ويسمى مفهوم الموافقة (كفحوى) الخطاب وهو ما كان الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور كالضرب، فإنه أشد مناسبة للتحريم من التأفيف، (ولحن) الخطاب وهو ما كان حكم غير المذكورة مساوياً لحكم المذكور كمساواة إحراق مال اليتيم لتحريم أكله ومستند الحكم في المسكوت في الأولى هو فحوى الدلالة اللفظية لا الدلالة القياسية، وأما المساوى فمحتمل لِلأمرين، إلاَّ أنَّه يقول به نفاه(1) القياس ومفهوم الموافقة قد يكون قطعياً كما ذكر وظنياً كقول الشافعي قتل الخطأ يوجب الكفارة، فالعمد أولى لتجويز أن يكون المعنى في الخطأ هو التلافي لا الزجر الذي هو أشد مناسبة في العمد والثاني مخالف ويسمى دليل الخطاب ومفهوم المخالفة وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمذكور وهو أقسام: منها مفهوم (الصفة) وهو لفظ مقيد لآخر غير منفصل عنه ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية ولا عدد لا النعت(2) فقط نحو: في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون، ومنها مفهوم (الشرط) وهو ما علق من الحكم على شيء بأدات شرط كأن وإذا نحو: إن جاء زيد فأكرمه، ومنها مفهوم (الغاية) وهو ما يفهم من تقييد الحكم بأدات غاية كإلى وحتى كقوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} ومنها مفهوم
__________
(1) ـ وقد يقال إن قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين} معلوم أنَّه لا يراد منه خصوص وجوب ثبات العشرين للمأتين بل المراد منه تعميم وجوب ثبات الواحد للعشرة سوى كان في هذا العدد أو أقل أو أكثر، وإنه يفارق قول القائل: حرمت الخمر لإسكاره. تمت
(2) ـ فيدخل فيها العلة نحو: أعط السال لحاجته، والظرف نحو: سافر يوم الجمعة، والحال نحو: أحسن إلى العبد مطيعا. تمت غاية ص/382.(1/48)


(العدد) وهو ما يستفاد من تعليق الحكم بعدد مخصوص نحو: فاجلدوهم ثمانين جلدة} وشرط العمل في الجميع أن لا تظهر فائدة سوى التخصيص للذكور في الحكم؛ إذ لو ظهرت تطرق الاحتمال فيصير الكلام مجملاً فيه وذلك كأن يكون المسكوت عنه أولى أو مساوياً نحو: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} أو كان غالباً في العادة فيذكر لا للتخصيص نحو: {وربائبكم التي في حجوركم} أو كان المذكور موافقاً للواقع(1) نحو: {إن أردن تحصناً} أو كان جواب سؤال عن المذكور، أو في حادثة خاصة به نحو أن يسأل هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة زكاة، أو يكون الغرض بياناً لمن هي له أو كان الحكم في المسكوت معلوماً وفي المذكور مجهولاً نحو: الصلاة المسنونة فروضها كذا، أو كان ذلك القيد لعهدتيه فيكون كاللقب المحتاج إليه في التعريف فلا يدل على نفي الحكم عما عداه، أو كان ذكره للامتنان على المسكوت نحو: لتأكلوا منه لحماً طرياً فلا يؤخذ منه منع القديم أو كان خارجاً مخرج التفخيم والتأكيد كحديث: <لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت..> الحديث، أو كان مجيء الصفة للتوضيح ومع احتمالها له وللتخصيص يجيء الإجمال نحو: عارية مضمونة، أو كان العدد للتكثير كالألف والسبعين ونحوهما مما يستعمل في لغة العرب للمبالغة.
مسألة ولا يعمل بالمفهوم اللقب وهو نفي الحكم عما لم يتناوله الاسم لحصول الفائدة بذكره.
__________
(1) ـ فلا يوجد للوصف مفهوم.(1/49)


مسألة ويعمل بمفهوم الحصر مثل ما العالم إلاَّ زيد، ومثل إنَّما العالم زيد(1) ومثل العالم زيد وصديقي خالد مما عُرِفَ فيه المبتدأ بحيث يكون ظاهراً في العموم وعكسه كذلك نحو زيد العلام ومثل تقديم المعمول كقوله تعالى: {إياك نبعد وإياك نستعين}(2).
باب الناسخ والمنسوخ
النسخ بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ.
مسألة يمتنع النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ مثال التمكن: إن يمضي بعد وصول الأمر إلى المكلف زمان يسع الفعل من وقته المقدر له شرعاً فكل من النسخ قبل دخول وقته أو بعده قبل مضي ذلك القدر ممتنع.
__________
(1) ـ مالم تكن (أنَّ) عاملة، فعن الخبيصي أن ما تكون زائدة لا كافة فلا تكون حينئذٍ للحصروعملها هو على غير الأفصح كما وقع في بعض أشعارهم، وقال ابن هشام: إن الكافة هي الزائدة دون المصدرية أو الموصولة. تمت
(2) ـ ومفهوم الفصل فيفيد الحصر، قال في التلخيص: وأما فصله فلتخصيصه بالمسند. تمت يعني لقصر المسند على المسند إليه. تمت(1/50)

10 / 13
ع
En
A+
A-