قال الله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [ الشورى : 11] { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [ الزمر : 63] { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد: 3] { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67] { يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73] { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الرعد : 16 ]، وفي [ الزمر : 62] { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117] { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ آل عمران : 18] .(1/36)
ولما أنهى تلاوة الآيات هتفوا قائلين : نشهد أن الله هو الصانع الأعظم لكل شيء ، وأنه واحد أزلي قديم ، ليس هو الروح أو المادة ، بل هو وحده خالق الروح والمادة معاً ، وخالق كل شيء ، وخالق الأزمنة والأمكنة ، وهو وحده كان قبل خلقه ، كان ولا يزال متفرداً بالوجود الأبدي القادر وحده ، لا تحيط به مخلوقاته من زمان أو مكان أو سواهما ، ولا يماثل شيئاً منها ولا تماثله ، بيد أن جميع مخلوقاته في قبضته وقهره وسلطانه ، وهو يحيط بها جميعاً وأن محمداً عبده ورسوله ، ختم به الرسالات السماوية والوحي ، وأن الله لم يحرم أمة من الأمم من الرسالات الإلهية في زمن من الأزمان ، وأن كل جمال وخير وهدى وإنسانية وسمو وإجتماع ، جاءت على ألسنة الرسل السابقين ، هي مذخورة في خاتم الوحي الإلهي ، والقرآن المجيد ، وأن كل جمال وخير وهدى وإنسانية وسمو وإجتماع جاءت بعده ، إنما هو مصدرها وينبوعها الخالد الحي . وقد أرسل الله أنبياءه للدعوة إلى الإيمان به ، إيماناً خالياً من كل شائبة من شوائب الوثنية والشرك والتشبيه والتمثيل والحلول والإنتقال ، سائلين المولى الكريم ، أن يعفوا عنا ما مضى من عبادة سواه .
الداعية : قد عفا الله عنكم منذ الساعة التي آمنتم به وحده لأن الإسلام إليه ، يقطع جراثم عبادة مخلوقاته المادية أو الروحية المبتداة بالعدم والمنتهية إلى العدم ) (1) .
نظرة في الآلهة المزعومة:
قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53] ، الله وحده هو الخالق القادر على كل شيء ، المستحق للعبادة .
__________
(1) ـ عن كتاب شرح رسالة الحقوق للشيخ / حسن السيد علي القبانجي من صفحة 41 إلى صفحة 49.(1/37)
إن جميع الآلهة الأخرى المزعومة ليست إلا خيالات عقول مريضة وأسماء لا مدلول لها أبداً : { أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون } [ يونس : 66] .
وإذا استقرأنا حال من نسب إليهم الألوهية الموهومة نجدهم :
اما متهمون أبرياء مقرين بالعبودية لله وحده لا سواه كبعض الرسل والملائكة .
واما مخلوقات لا تحسن ولا تعقل كالأحجار والأبقار .
واما حكام سفلة كالفراعنة وأشباههم .
وقد عرف الله سفهاء المشركين أقدار هذه الآلهة التي اتخذوها آلهة من دونه ، فقال في الأصنام الجامدة : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ؟ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ؟ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ؟ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ؟ } [ الأعراف : 195] ، وقال في من منحه هذه الوسائل :
{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين } [ الأعراف : 194] ، ثم كشف حالتهم في حالة سماعهم لوسمعوا وبعده فقال جل شأنه : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14] .
ويقول في آيات أخرى :
{ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ ؟ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ! } [ يوسف : 39] ، ويقول ذاكراً فساد السماوات في حالة وجود آلهة أخرى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء : ](1/38)
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91] { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 29] ، وهكذا يفيض الله بآياته العظيمة في قرآنه المجيد وكونه الواسع العجيب الدلائل الدالة على وحدانيته وكلها شواهد ناطقة وأدلة شاهدة بأنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبةً ولا شريكاً ولا ولد سبحانه عما يصفون .
المعرفة الصحيحة حصانة من الشرك :
والآن نعود إلى واقع المسلم المقر بوجود الله تعالى ، المعترف بوحدانيته الرافض للشرك فنضع بين يديه هذه التساؤلات التي تدور في خلده ولعله من خلالها يعيد علاقته مع ربه جل وعلا بوجه أو بآخر .
ـ كيف عرفت الله ؟
ـ مامدى تأثير هذه المعرفة ؟
من المعروف أن معرفة الله تعالى أول واجب يجب على الإنسان وهذا أمر لا يختلف فيه إثنان ، قال تعالى : { هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [ إبراهيم : 52 ] ، وقال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } [ محمد : 19] .
عن ابن عباس أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يانبي الله علمني من غرائب العلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وماذا صنعت في رأس العلم حتى تسألني عن غرائبه ، فقال الرجل : وما رأس العلم يارسول الله ؟ ، قال : معرفة الله حق معرفته ، فقال : يارسول الله وما معرفة الله حق معرفته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن تعرفه بلا مثل ولاشبيه ، وأن تعرفه(1/39)
إلها واحداً فرداً صمداً أولاً آخراً ظاهراً باطناً لا كفؤ له ) (1) .
معرفة الله هي رأس العلم ، وأساس العبادة ، فلا نجاة لأي فرد إلا بها ، ومهما حاول أي إنسان التنكر لها فإنه سيأتي يوم لتذكرها ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه للرجل الطالب غرائب العلم لم يقصد بأن يعرفه بهذه الصفات فحسب ، بل يريد أن يستشعرها إستشعاراً كاملاً في جميع حركاته وسكناته ، ويعرف أن الله ليس كمثله شيء ، وأنه يعلم السر وأخفى ، فإذا عرف تلك الصفات معرفة حقيقية فلا يمكن أن يخرج عن نطاق العبودية لله وحدة .
نحن كمسلمين نقر بالعبودية لله تعالى وحده ، والله تعالى في كتابه يبين أنها الهدف من خلقنا فيقول : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات: 56] ، وهنا لا بد من الوقوف على حقيقة العبادة المطلوبة منا ( الإعتقادية ، والتعبدية ، والقانونية ) ، والتي مكننا الله من تحقيقها بما سخره لنا من الوسائل .
قال الإمام القاسم بن إبراهيم : ( إعلم يا أخي ، علمك الله الخير والهدى ، وجنبك المكاره والردى : أن الله خلق جميع عباده المكلفين لعبادته كما قال عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات :56] ، والعبادة تنقسم على ثلاثة وجوه :
أولها : معرفة الله .
والثاني : معرفة مايرضيه وما يسخطه .
والوجه الثالث : إتباع مايرضيه ، واجتناب ما يسخطه ، إلى أن قال : فهذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد وهي : العقل ، والكتاب ، والرسول .
فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد ، وجاءت حجة الرسول بمعرفة العبادة ، والعقل أصل الحجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما فافهم ذلك ) (2) .
__________
(1) ـ أمالي أبي طالب : 111 .
(2) ـ رسائل العدل والتوحيد :124 .(1/40)