ما أكثر الآيات التي عالجت موضوع العقيدة ، وحذرت من الوقوع في مصيدة الشرك ، ومزقت كل ما تنسجه الغفلة علىالأعين من الجهالة والجحود قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 32ـ34 ] .
ويسأل في آيات أخرى أسئلة متواصلة تفتح على النفوس آفاقاً من الإيمان الصحيح ، وتجعلها نافرة من شوائب الشرك القبيح ، مقرة لله بالعظمة والوحدانية والقدرة العجيبة :
{ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ءاللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ؟ } ، { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } .
{ أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .(1/21)


{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } ، { أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، { أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الآيات : 59ـ64 من سورة النمل ] .
ثم يذكر جل شأنه في آية أخرى العجز الكامل لمن يدعو من دون الله أو يعتقد بوجود خالق غير الله فيقول : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] . وهكذا يبين الله في كثير من الآيات القرآنية أنه وحده القادر على كل شيء لا شريك له ولا مثيل وكيف يكون له ذلك وعجزهم حاصل في خلق ذبابة !! بل إن جرثومة من الجراثيم الكامنة في بطنها لو سلبت أحدهم صحته ما قدر على ردها ،
سبحان الله الخالق البصير !! جلت عظمته ، وتقدست أسماؤه .
الله أم الشركاء ؟(1/22)


ومن المعروف أن وجود الله تعالى من البديهيات التي يدركها الإنسان بفطرته ، ويهتدي إليها بطبيعته : { أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } [ إبراهيم : 10] ، وفي زمن الجاهلية الجهلاء لم يوجد إنكار لوجوده ، إنما وجد الخطأ في الإشراك به { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [ الزمر : 3] ، وفي أهل الكتاب يقول جل شأنه : { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 64] .
وإذا إستقرأنا ما توهمه الناس شريكاً لله في ألوهيته لم نجد أحداً من هؤلاء الشركاء المزعومين ترشحه حالته ليكون في هذا الوجود أهلاً لذلك .
ـ لقد عبد القدماء أحجاراً اقتطعوها من سطح الأرض فهل يصح في خلَد عاقل ـ أن حجراً في الأرض ـ بل الأرض كلها تصلح لأن تكون إلها ؟
ـ وعبدوا صنفاً من الحيوان وقدسوا نسله كما يفعل الهندوس في الهند
فهل هناك عجل مهما كان حجمة يصلح لمنصب الألوهية ؟
ـ وقد أدعى بعض الناس الألوهية لنفسه . كفرعون حاكم مصر وكالنمرود مع إبراهيم ولكن اتضح عجزهم ولم يدفعوا الضر عن أنفسهم فضلاً عن دفعة من الآخرين .(1/23)


وبعض الدهماء من اليهود والنصارى ضلوا في فهم أنبياءهم ورفعوهم إلى مصاف الآلهة مع أن هؤلاء المرسلين ليسوا إلا عبيداً اختارهم الله واصطفاهم وبينوا للناس ذلك وحذروهم من الوقوع في الإشراك قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25] ، وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ المائدة : 116،117] .(1/24)


وبالرغم من بطلان خرافة ألوهية عيسى عليه السلام وفسادها فإنها قد صادفت رواجاً في العالم منقطع النظير ، خاصة في الدول التي تدعي التقدم فلذا نتناول ذلك بشيءٍ من التفصيل من خلال كلام للشيخ محمد الغزالي قال فيه : ( لم تصادف خرافة من الرواج في العالم مثل الخرافة التي تعد عيسى إلها لهذا العالم أو شريكاً فيه مع الله !! وهذه الخرافة تتسع وتضيق حسب إختلاف الأهواء والآراء ، فتارة تعتبر هذا العالم خاضعاً لإشراف شركة مساهمة من الله ثم من عيسى وأمه ، والروح القدس وتارة تضيق فتعتبر هؤلاء الشركاء شعباً لحقيقة واحدة ، أو مظاهر متعددة لإله واحد على نحو يعجز العقل تصوره ، وذلك كله شرود عن الصواب وضلال كبير : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [ المائدة : 72] ، { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [ المائدة : 73] .
وعيسى بشر يأكل ويشرب ويقذف من جسمه بالفضلات الحيوانية ، فكيف تنفي عنه صفة الإنسانية ، أو يزعم له ما هو فوقها ؟ ، { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [ المائدة : 75] .
ثم هو عبد يعنو وجهه لربه الأعلى ، ويذل في ساحته ويسمع ـ في صمت وإقرار ـ هذا التقرير الخطير : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا } [ المائدة : 17] .(1/25)

5 / 24
ع
En
A+
A-