1ـ من الناس من يعد غنياً في بلده ، ولكن انقطع عنه المال أثناء سفره ، وليس له رصيد في البنوك .
2ـ ومن الناس من يجبر على مغادرة وطنه ومفارقة ماله وأملاكه ، كالمشردين واللاجئين .
3ـ ومن الناس من يغادر لطلب العلم ، ولا يجد مايوصله إلى أهله ، وهذه الصور الثلاث انطبق عليها وصف ابن السبيل ، فاستحق أصحابها العون والمساعدة ، حتى يصلوا إلى مقاصدهم .
الإحسان إلى ماملكت الأيمان
{ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
اهتم الإسلام بإحترام العبيد والإماء مما ملكت الأيمان ، وحث على رعايتهم والإحسان إليهم ، والحماية التامة لهم ، وكان آخر ماأوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال : ( اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ، فما أحببتم فامسكوا ، وما كرهتم فبيعوا ، ولا تعذبوا خلق الله ، فإن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكم إياهم ) (1) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ، ولا يكلف من العمل مالا يطيق ) (2) ، وقال عبدالله بن عمر : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يارسول الله كم يعفى عن الخادم ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : اعف عنه كل يوم سبعين مرة ) (3) .
فالمملوك إنسان يجب إحترام مشاعره وأحاسيسه ، ويجب على الإنسان
__________
(1) ـ سنن أبي داود : [5/361] برقم 5161 .
(2) ـ أخرجه مسلم وأورده الإمام يحيى بن حمزة في التصفية : 407 .
(3) ـ أخرجه أبو داود وحسنه ، انظر تخريج الإحياء : [ 2/279 ] .(1/111)


المؤمن أن لا يعتبر الرق مصدر شعور بالدونية، وقد عوض الله المملوك في الدنيا إذا كان صالحاً أجراً مضاعفاً قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن العبد إذا نصح لسيده ، وأحسن عبادة الله ، فله أجره مرتين ) (1) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( المملوك الذي يحسن عبادة ربه ، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة ، له أجران ) (2) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( عرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة : فالشهيد ، وعبد مملوك أحب عبادة ربه ونصح لسيده ، وتخفيف متعفف ذو عيال ، وأول ثلاثة يدخلون النار : امير مسلط ، وذو ثروة لا يعطي حق الله ، وفقير فخور ) (3) .
سبق الإسلام بتصفية نظام الرق :
وقد سبق الإسلام غيره بتصفية نظام الرق والدعوة إلى الحرية ، وبشتى الوسائل ، فالترغيب من جانب ، وتكفير الخطايا من جانب آخر .
قال تعالى : { فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ } [ البلد : 11ـ13] ، وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار ) (4) .
يقول د/القرضاوي : ( وإذا كان رق الأفراد قد انتهى تقريباً من العالم ، فإن يحق لنا بل يجب علينا أن نسجل هنا أن الإسلام هو أول نظام في الدنيا عمل بكل الوسائل على تصفية الرق ، وإلغائه من دنيا الناس بالتدريج .
__________
(1) ـ متفق عليه ، انظر رياض الصالحين : 376 .
(2) ـ رواه البخاري ، رياض الصالحين : 376 .
(3) ـ أخرجه الترمذي وحسنه ، انظر تخريج الإحياء :[2/280] .
(4) ـ رياض الصالحين : 375 .(1/112)


لقد سدد الأبواب الكثيرة الواسعة التي كانت مداخل للرق في العالم ، فحرم أشد التحريم الإستعباد عن طريق إختطاف الأحرار ، كباراً أو صغاراً ، ولم يبح بحال أن يبيع الإنسان نفسه ، أو ولده أو زوجته ، ولم يشرع أبداً أخذ المدين رقيقاً في دينه إذا عجز عن الوفاء به ، ولا أخذ المجرم رقيقاً بجريمته كما عرف ذلك في شرائع سابقة ، ولا استرقاق الأسير في الغارات الظالمة التي تشنها القبائل والأمم بعضها على بعض بغياً وعدواناً .
ولم يستثن من الأسباب التي عرفها العالم مفضية إلى الرق إلا سبباً واحداً ضيق فيه كل التضييق ، وأبقاه على سبيل الجواز والإختيار ، لا سبيل الحتم والإلزام . ذلك هو استرقاق الأسير في حرب إسلامية شرعية لم يبدأ المسلم فيها بعدوان ، وذلك إذا رأى إمام المسلمين وأهل شواره في ذلك مصلحة للأمة والملة ، وذلك كما إذا كان العدو يسترق أسرى المسلمين ، فإن المعاملة بالمثل تقتضيها المصلحة ، وللإمام العادل أن يطلق سراح الأسرى بغير مقابل ، أو بمقابل مادي أو معنوي ، أو إطلاق أسرى من المسلمين مقابل أسرى المشركين ، وهذا مانص عليه القرآن في صراحة أسرى المحاربين من أهل الكفر : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } [ محمد : 4]
وإذا كان الإسلام قد أبقى ـ على سبيل الجواز ـ باباً ضيقاً للرق ، فقد فتح أبواباً واسعة للتحرير والعتق ، ومن فضل الإسلام أنه استحدث العتق ولم يستحدث الرق .
دعا الإسلام إلى العتق ورغب فيه ، وجعله من أحب القربات إلى الله ، وزاد على ذلك فجعله كفارة لكثير من الأخطأ التي يتورط فيها المسلم بحكم بشريته ، كالحنث في اليمين ، ومظاهرة الزوج لزوجته ، وجماع الصائم في نهار رمضان ، والقتل خطأ ، بل جعل كفارة السيد إذا ضرب عبده بغير حق أن يعتقه .(1/113)


ثم أمر السادة بمكاتبة عبيدهم إذا علموا فيهم خيراً ، وذلك يكون بتمكينهم من الكسب الحر ، ومعونة المجتمع الإسلامي لهم ، كما قال تعالى في محكم القرآن : { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } [ النور : 33] .
ثم زاد على ذلك كله ، فجعل للعتق والتحرير سهماً من أموال الزكاة وهي الضريبة التي يشترك جمهور المسلمين الأعظم في أدائها ، وهي المورد الدائم لبيت المال الإسلامي وذلك هو سهم في الرقاب .
وليس من الهين أن يخصص الإسلام من هذا المورد الدوري الهائل جزءاً لتحرير الرقيق ، قد يكون ثمن حصيلة الزكاة ، وقد يكون أكثر ، بل قد يكون الحصيلة كلها إذا استغنت الأصناف الأخرى كما حدث في عهد عمر ابن عبد العزيز .
قال يحيى بن سعيد : بعثني عمر بن عبدالعزيز على صدقات أفريقيه فاقتضيتها ، وطلبت فقراء نعطيها لهم ، فلم نجد فقيراً ، ولم نجد من يأخذها منا ، فقد أغنى عمر بن عبدالعزيز الناس ، فاشتريت بها رقاباً فأعتقتهم ) (1) .
ولو أن المسلمين أحسنوا تطبيق إسلامهم ، وتهيأ لهم الحكم العادل الراشد فترات طويلة ، لانمحى الرق من ديارهم بعد وقت يسير .
هذه هي النظرة الإسلامية في الدعوة إلى تحرير الرق وما على دعاة الحرية والديمقراطية إلا الرجوع إلى هذه التعاليم الإسلامية الرائعة ، وهذه النظم السماوية الصادقة ، فينهلوا من معينها الصافي .
وما أكثر الشعارات الفارغة التي تطلقها الدول الكبرى راعية الإستكبار العالمي حول الإنسان وحقوقه ، وهي أكثر انتهاكاً لها ، وأسرع من يسعى إلى نقضها .
الخاتمة
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا }
__________
(1) ـ فقه الزكاة د / يوسف القرضاوي : 618ـ620 .(1/114)


بعد أن وقفنا عشر وقفات مع عشرة حقوق حددها الله في آية الحقوق التي ختمها بقوله : { إٍنّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا } [ النساء : 36] ، وربما ختمها بهذه الفقرة إيحاءً للإنسان بأن الإنسجام مع خط الله في العبادة والسلوك يفرض عليه التواضع بين يدي الله تعالى ، فيحس بأنه عبد لله تعالى ، فيخضع خضوعاً كاملاً لمبدأ العبودية الصادقة معه ، ويحس أيضاً بإنسانية الناس من حوله ، فلا يتكبر عليهم ، ولا يأخذه الزهو والغرور والشعور بالخيلاء فيما رزقه الله من مال وجاه ، أو يفخر عليهم فيحس بالإستعلاء عليهم ، ويمنعه ذلك من الإحسان إليهم بالكلمة والنظرة والممارسة ، خاصة من تم ذكرهم في هذه الآية التي نحن بصددها كالوالدين والأقرباء والجيران والأصحاب واليتامى والمساكين وأبناء السبيل .
ومن المعروف أن الخيلاء شعور طفولي بالعظمة ، والفخر حديث المرء عن نفسه ، أو قومه بإعجاب وإعتزاز ، وكلا الوصفين تنشأ عن الجهل أو القصور العلمي ، أو الذهول عن حقوق الآخرين .
وفي الإسلام حرب موصولة ضد الإختيال والإستكبار قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ) (1) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من يتواضع لله سبحانه درجة يرفعه الله به درجة ومن يتكبر على الله درجة يضعه الله به درجة حتى يجعله في أسفل السافلين)(2) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً الكبر : ( الكبر بطر الحق ، وغمط الناس )(3) .
__________
(1) ـ رواه مسلم : [4/2189] .
(2) ـ سنن ابن ماجه برقم : (4166) ، كتاب الزهد ، ومسند أحمد برقم : ( 11299) ، كتاب باقي مسند المكثرين .
(3) ـ سنن الترمذي ، برقم : (1922) ، كتاب البر والصلة ، وسنن أبي داود برقم : (3569) ، كتاب اللباس ، ومسند أحمد برقم : (3852) ، كتاب مسند المكثرين من الصحابة .(1/115)

23 / 24
ع
En
A+
A-