وخامسها الحج ، هذا المؤتمر الإسلامي العالمي ، الذي يجمع المسلمين من شتى بقاع العالم ، وقد حدد الله كيفيته بقوله :
{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ } [ البقرة : 197] .
الثاني : واقع الإنسان مع الحقوق المتعلقة بغيره من مجتمعه :
وأما الحقوق المتعلقة بالإنسان مع نفسه أو مع مايحيط به من أفراد المجتمع فواقعه معها التجاهل والإهمال وهي حقوق كثيرة من أهمها : ـ
حق الوالدين ، وحق الأولاد ، وحق الإخوان والأخوات ، وحق الأقارب ، وحق الأرحام ، وحق الجيران ، وحق الأصحاب ، وحق المسلمين ، وحق الشركاء ، وحق الأصدقاء ، وحق الضعفاء ، وحق المساكين ، وحق الأيتام … إلى غير ذلك من الحقوق الهامة .
ونظراً لأهمية هذه الحقوق ، وضرورة القيام بأدائها ، فقد حاولت جمع هذه الوريقات موضحاً بعضاً منها ، وذلك من خلال آية الحقوق العشرة التي ذكرها الله بقوله : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا } [ النساء : 37] ،
وقد تم ترتيب الكلام عنها حسب ورودها :
الموضوع الأول : عبادة الله .
الموضوع الثاني : عدم الإشراك بالله .
الموضوع الثالث : الإحسان إلى الوالدين .
الموضوع الرابع : الإحسان إلى ذوي القربى .
الموضوع الخامس : الإحسان إلى اليتامى .
الموضوع السادس : الإحسان إلى المساكين.
الموضوع السابع : الإحسان إلى الجار بنوعيه .(1/6)


الموضوع الثامن : الإحسان إلى الصاحب .
الموضوع التاسع : الإحسان إلى ابن السبيل .
الموضوع العاشر : الإحسان إلى ماملكت الأيمان .
وأهمية هذه الحقوق لا تخفى ، وموقعها يحتم فهمها ، ويلزم المسلم بمراعاتها ، وقد ذكر الله هذه المواضيع في آية واحدة من كتابه .
وهكذا هو الإسلام يدعو إلى مدارج الكمال ، وروافد التطهير الذي يصون الحياة ويعلي شأنها ويواكب تطوراتها في إطار ثابت إلى قيام الساعة .
وقد حاولت قدر الإستطاعة الكلام عن كل موضوع بما يناسبه ، كما طرزت هذه الصفحات برسالة للإمام زيد بن علي عليه السلام حول الحقوق بصفة عامة ، وفي الأخير أسأل الله أن يوفقنا في جميع أعمالنا ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يعيننا على أداء حقوقه وحقوق خلقه إنه سميع مجيب .
عبدالله حمود درهم العزي
اليمن ـ صعدة
18/شوال / 1420هـ 24/1/ 2000 م
عبادة الله { وَاعْبُدُوا اللَّهَ }
السجود والتسليم والخضوع والإلتزام ، كلها معان متعددة لحقيقة واحدة وهي العبادة وهي بهذا المعنى جارية على كل مخلوقات الله تعالى :
فالكون ومافيه يتجه بتكوينه إتجاهاً مرتبطاً بإرادة الله تعالى ومشيئته بصورة تنطبق بالسجود والتسليم لله تعالى .
وجميع المخلوقات تحقق بهذا التسليم أفضل صور الأداء الوظيفي المرسوم لها وهو حفظ النظام الكوني ولوقدر لشيء من المخلوقات أن يخرج عن نظام الخلق لتعرض للفناء والدمار .
وعلى سبيل المثال : لو خرجت الكواكب عن مداراتها ، أو الأرض عن موقعها ، أو الشمس عن مجموعتها لتعرض النظام الكوني للفناء ، وعلى هذا كل المخلوقات من جماد ، ونبات ، وحيوان ، وإنسان خاضة خضوعاً تكوينياً بمعنى أنها تسير وفق نظام وقانون عام جعل الله العالم يسير بمقتضاه قال تعالى :(1/7)


{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا } [ مريم :93] ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ النحل : 48، 49] ، وقال تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ آل عمران : 83 ] .
وقال تعالى : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الحديد : 1 ] .
الإنسان والعبادة :
الإنسان يخضع كغيره لنظام الكون كالحياة ، والموت ، والطول ، والقصر ، والنمو ، والولادة ، وهو لايستطيع أن يختار شكله وحجمة ، ولا يستطيع أن يختار أباه أو أمه .
بينما يختلف عن غيره من الكائنات بكونه كائناً عاقلاً يملك القدرة على الإختيار في الأمور السلوكيه ، لأن الله جعله مختاراً في السلوكيات وأفاض عليه بنعمة العقل ، ووهبة حرية الإختيار ، فهو يستطيع أن يفعل الخير مختاراً وكذلك الشر .
ونرى فارقاً بين علاقة الإنسان التكوينية التي لا يستطيع أن يمتلك إختياراً فيها ، وبين علاقته السلوكية التي منحها الله الإختيار فيها فبإستطاعته أن يختار طريق العبادة التي أمر الله بها وهي طريق الخير ، وبإستطاعته أن يختار طريق الخضوع لغير الله التي هي طريق الشر ، وهو في الحالتين
مختاراً مثاباً على الأولى ومعاقباً على الأخرى ، قال تعالى :(1/8)


{ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء 13ـ15 ] .
ولقد أصيب فكرنا الإسلامي بالمرجئة والمجبرة والقدرية ، الذين قاوموا حرية الإنسان وإختياره .
فالأولى قالت : ( الإيمان قول بلا عمل ) ، والثانية قالت : ( أن الإنسان مسير كالشجرة في مهب الرياح ) ، والثالثة قالت :
( أن المعاصي قضاء وقدر ) ، فيجب على الإنسان الحصيف أن يبتعد عن هذه الأفكار المنحرفة الدخيلة على الإسلام ، وأن يتبع إرشادات القرآن والسنة النبوية المطهرة ، وأقوال أهل البيت في هذا الجانب العقائدي الهام لأنه إذا قال بأي قول من الأقوال الثلاثة عطل كثيراً من الآيات ، وأبطل الثواب والعقاب والهدف من الحياة والخلق ، وقلص دور الأنبياء والرسل .
ومن المعلوم أن الله قد هدى الناس جميعاً بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتركيب العقول ، ومن أخذ بهذه الوسائل التي جعلها الله طريقاً للهداية زاده الله هدى وبصيرة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } [ محمد : 17] ، أما من تنكب عنها فلن يزداد إلا ضلالة ، قال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 125] ، وهو في الأمرين الواضع نفسه حسب إختياره .
مفهوم العبادة في الإسلام :(1/9)


يقول الراعب الأصفهاني : ( العبودية إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها ، لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى )(1) ، وتعتبر حكمة الوجود وغاية الخلق .
لقد خلق الله الإنسان لأجل غاية محددة المعالم ، ألا وهي عبادة الله عز وجل قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات : 56] ، وقال تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115] ، وقد سخر الله للإنسان كافة السبل لتسير العبادة على الوجه الأكمل والأحسن ، والعبادة في الإسلام هي الجوهر والأساس وهي كل عمل صالح يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى ، فالصلاة عبادة ، والصيام عبادة ، والزكاة عبادة ، والحج عبادة ، وكفالة اليتيم عبادة ، وجماع الرجل لأهله عبادة ، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة ، وكل فعل يفعله الإنسان قاصداً به وجه الله عبادة مع مطابقته لمراد الشارع .
ولقد أساء فهم العبادة كثير من الناس فالبعض يفهم أنها تتمثل في الطقوس كالصلاة والصوم ، وهذا فهم محدود يمثل جزءاً واحداً من مفهوم العبادة .
__________
(1) ـ المفردات في غريب القرآن : 319 ، كتاب العين .(1/10)

2 / 24
ع
En
A+
A-