وذكر عن الإمام علي عليه السلام أنه كان إذا حثا على ميت قال : ( اللهم إيماناً بك وتصديقاً برسلك وإيقاناً ببعثك ، هذا ماوعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، ثم قال : من فعل ذلك كان له بكل ذرة من تراب حسنة ) (1) .
وجاء في شمس الأخبار عن أمالي الإمام أحمد بن عيسى بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( الموت فزع فإذا بلغ أحدكم موت أخيه فليفعل كما أمر الله تعالى : إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم اكتبه عندك من المحسنين ، واجعل كتابه في عليين ، واخلف على عقبه في الآخرين ، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ) (2) .
7ـ وإن أصابه خير هنأته :
هكذا هي التعاليم السامية تدعو إلى محبة الخير للآخرين وعدم الحسد لهم على ما أُعطوا مما يدخل على قلوبهم الفرح والسرور بل لا بد من التهنئة لهم على ما أعطوا والمشاركة لهم في فرحتهم على ما أصابهم من الخير ، أورد الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( المؤمن ليس بحقود ولا حسود فالحقد ثمرة الغضب ) (3) ، وأورد أيضاً : ( المؤمن يغبط والمنافق يحسد ) (4)، وقال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : ( إعلم أن الحسد لايكون إلا على نعمة فإذا أنعم الله سبحانه على أحد نعمة فلك فيها حالتان : ـ
ـ الحالة الأولى : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى
حسداً وعلى هذا تكون ماهية الحسد وحقيقة كراهية النعمة ومحبة زوالها عن صاحبها إلى غيره .
__________
(1) ـ درر الأحاديث : 94 .
(2) ـ شمس الأخبار : 301 .
(3) ـ التصفية : 176 ، انظر تخريج الأحياء : [1/66] .
(4) ـ التصفية : 164 ، انظر تخريج الأحياء [3/236] ، وقال بعضهم : أنه أثر عن الفضيل بن عياض .(1/91)


ـ الحالة الثانية : أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ، ولكنك تشتهي لنفسك مثلها وهي تسمى غبطة ) (1) ، ومن المعروف أن الحالة الأولى مذمومة والثانية مباحة .
8ـ وإن أصابته مصيبة عزيته :
قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 155ـ157] .
وروى الإمام أبو طالب بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من عزّ مصاباً فله مثل أجره ) (2) ، وبسنده أيضاً إلى عبدالله بن جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم ما شغلهم ) (3) ، ومن العادات السيئة في عصرنا أن المصابين يصنعون الطعام ويسهرون الليل والناس نيام ، فلذا يلزم أن نواسي المصاب بكل ما يلزم كتقديم الطعام وخدمة القادمين للعزاء ، وإستقبالهم وما يتبع ذلك .
__________
(1) ـ التصفية : 164 .
(2) ـ أمالي أبي طالب : 348 .
(3) ـ أمالي أبي طالب : 352 .(1/92)


وفي أمالي السمان بسنده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كتب إليه يعزيه في ابن له : ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام الله عليك ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد : فأعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر ، ورزقنا وإياك الشكر ، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله عز وجل الهنية وعواريه المستودعة نمتع فيها إلى أجل ، ويقبضها إلى وقت معلوم وإنا نسأله الشكر على ما أعطى والصبر إذا ابتلى ، فكان إبنك من مواهب الله عز وجل الهنية وعواريه المستودعة متعك به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير ، الصلاة ، والرحمة ، والهدى ، والصبر ، لا يحبطها جزعك فتندم ، واعلم أن الجزع لايرد ميتاً ولا يدفع حزناً وهو نازل وكأن قد والسلام ) (1) .
8ـ ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عليه الريح إلا بإذنه :
لم يترك ديننا شيئاً من أسباب الوحدة والألفة إلا وبينه ووضحه وحث عليه ، حتى على المستوى العمراني ، ومراعاة التخطيط الصحيح للبناء فهنا بين إن من حقوق الجار عدم رفع البناء إذا كان سيحجب عن جاره
الريح ، ويمنع من تجددالهواء .
وإذا كان فلا بد من الإستئذان منه ، وطلب السماح من لديه فإن أذن أطلت البناء مالم فلا .
وينبغي مراعاة حقوق الجار في هذا الشأن حكي أنه شكى بعض الجيران من كثرة الفئران في بيته فقيل له : لو اقتنيت هراً فقال : أخشى إن سمع الفأر صوت الهر فيهرب إلى دار الجيران فأكون قد أحببت لنفسي ما لا أحبه لهم .
__________
(1) ـ شمس الأخبار : 300 .(1/93)


وعلى العموم فإنه لا يحق للجار أن يؤذي جاره بأي شكل ، سواء أكان برفع البناء المؤدي إلى أذيته وحجب الريح عن مسكنه ، أو بالتطلع من السطح على عوارته أو مضايقته بوضع الجذع على جداره أو بصب الماء في ميزابه أو على بابه ، ويطرح التراب في فنائه ، أو بتضييق طريقه أو نحو ذلك وقد ورد فيمن آذى جاره أو سعى إلى أذيته آثار كثيرة كلها تؤكد حرمة الجار وعدم ظلمه أو أذيته بأي شكل من الأشكال ،
قال الإمام الهادي عليه السلام : حدثني أبي عن أبيه قال : حدثنا أبو سهل سعد بن سعيد عن الفضل عن الحسن عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما يؤمن قيل من يارسول الله ؟ قال رجل لا يأمن جاره بوائقه ) (1) .
وحدثني أبي عن أبيه قال : حدثنا المقبري عن الفضل عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما آمن قيل من يارسول الله ؟ قال من لم يأمن جار غشمه وظلمه ) (2) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أول خصمين يوم القيامة جاران ) (3) ، ويشدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على إحترام مشاعر الجار وعدم أذيته فيقول : ( إذا رميت كلب جارك فقد آذيته ) (4) فما رأيك فيمن يضرب جاره ؟
__________
(1) ـ الأحكام : [ 2/529] .
(2) ـ الأحكام : [ 2/529] .
(3) ـ التصفية : 427 .
(4) ـ التصفية : 529 .(1/94)


وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علاجاً عملياً لمن آذى جاره ، قال الإمام الهادي عليه السلام : بلغنا أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشكو جاره فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إطرح متاعك على الطريق فطرحه ) ، فجعل الناس يمرون فيلعنونه إذ ألجأ جاره إلى ذلك قال فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يارسول الله مالقيت من الناس فقال ، وماذا لقيت منهم قال : يعلنوني ، قال لقد لعنك الله قبل الناس ، قال : فإني لا أعود يارسول الله قال : فجاء الذي شكى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إرفع متاعك فقد أمنت وكفيت ) (1) .
وروى الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : ( أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود فقال : إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيّق علي ، فقال : إذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله تعالى فيه ) (2) .
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن فلانة تصوم النهار ، وتقوم الليل ، ولكنها تؤذي جيرانها فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (هي في النار ) (3) .
9ـ وإن اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده .
مراعاة شعور الجيران من أهم حقوقهم فإن اشتريت فاكهة فأهد لجارك فإن لم يمكنك الإهداء فأدخلها بدون أن يشعر وإذا أدخلتها بدون أن يشعر فلا تبديها أبداً وامنع ولدك من حملها أمام أولاد جيرانك لكي لا يغتاظوا فيحرجوا آباءهم بشراء ما لا يستطيعون شراءه .
__________
(1) ـ الأحكام : [2/529 ] .
(2) ـ التصفية : 427 .
(3) ـ التصفية : 427 .(1/95)

19 / 24
ع
En
A+
A-