وما أكثر العداوة في هذه الأيام بين المسلمين بل بين أبناء الأب الواحد والأسرة الواحدة والمذهب الواحد والقبيلة الواحدة والقرية الواحدة ، أين نحن ممن وصفهم الله تعالى بقوله : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح :29] ، أصبحنا أشداء على بعضنا رحماء بأعدائنا الحقيقيين ، أصبحنا نحسد بعضنا ، ونحب الخير لأعدائنا الذين عاثوا في الأرض فساداً ، وقتلوا النساء والشيوخ والأطفال واستباحوا الأعراض .
حقوق الجار على جاره :
وبعد أن عرفنا مايجب للأخ على أخيه نأتي إلى ما ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الحقوق التي تجب على الجار لجاره ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعان بك أعنته ، وإن استنصر بك نصرته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت إليه ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عليه الريح إلا بإذنه ، وإن اشتريت فاكهة فأهدله فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، أتدرون ما حق الجار ؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق
الجار إلا من رحمه الله ) (1) .
الإسلام يدعو دائماً إلى التكافل الإجتماعي ، وإحترام المشاعر ، ويضع لنا وسائل مقومات الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، وفي الكلام النبوي السابق دعوة إلى كيفية إعطاء حق الجار :
1ـ إن استعان بك أعنته : إذا طلب منك المعونة في شيء وجب عليك إعانته وبالقدر والصفة التي بينها الإسلام .
2ـ وإن استنصر بك نصرته :
__________
(1) ـ الخرائطي في مكارم الأخلاق : 40ـ41 ، انظر تخريج الأحياء : [2/272] .(1/86)


إذا طلبك لنصرته في الحق فلا بد من نصرته ، وإذا طلبك في الباطل فلا بد من إقناعه وردعه عن باطله .
3ـ وإن استقرضك أقرضته :
الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

قد يكون في بعض الأوقات ثواب الإستقراض أكثر من ثواب الصدقة ، روى الإمام أبو طالب عليه السلام بسنده إلى الإمام علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من أقرض قرضاً كان له مثلاه صدقة ، قال يارسول الله قلت أمس : من أقرض قرضاً كان له مثله صدقة ، وقلت اليوم : من أقرض قرضاً كان له مثلاه كل يوم صدقة ، قال : نعم ، من أقرض قرضاً فأخره بعد محله كان مثلاه كل يوم صدقة) (1) .
وذكر الإمام الهادي عليه السلام : إن رجلاً أتى الحسين بن علي عليهما السلام في حاجة فسأله أن يقوم معه فيها ، فقال : إني معتكف ، فجاء إلى الحسن بن علي عليه السلام فقال : إني أتيت أبا عبدالله في حاجة ليقوم معي فقال : إني معتكف ، فقام معه الحسن في حاجته وجعل طريقه على الحسين عليهما السلام فقال : يا أخي مامنعك من أن تقوم مع أخيك في حاجته ، فقال : إني معتكف ، فقال الحسن عليه السلام : لأن أقوم أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من إعتكاف شهر )(2)
فانظر يا أخي لم يمنع الإمام الحسين عليه السلام التحايل أو التكاسل ، إنما منعه الإعتكاف وذكر الله ، فوضح الإمام الحسن عليه السلام إن قضاء الحوائج أفضل بكثير من الإعتكاف مع الصيام .
__________
(1) ـ أمالي أبي طالب .
(2) ـ الأحكام : [2/528ـ 529](1/87)


فكيف بنا نحن الذين لم يشغلنا صيام أو إعتكاف إنما التكاسل وعدم الرغبة في قضاء الحوائج بل قد نجيد الإعتذار والتهرب من قضائها وكأن الأمر لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد ، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة الوفاء من المستقرض لكي يستطيع القارض إقراضه ، أو مساعدته في الحصول عليها ، لأن عدم الوفاء يؤدي إلى عدم الرغبة في الإعانة ويسبب عدم الثقة في الطلب .
بلغ ابن المقفع أن جاراً له يريد أن يبيع داره في دين تحمله ، وكان يجلس في ظل داره فقال : ما قمت إذاً بحق ظل داره إن باعها معدماً فدفع إليه ثمن الدار وقال : لا تبعها (1) .
4ـ وإن افتقر عدت إليه :
ليس من العيب أن يكون الإنسان فقيراً ، لأن الفقر إبتلاء من الله تعالى ، والأيام تتقلب يوم لك ويوم عليك فقد يكون أحد جيرانك غنياً ، والآخر فقيراً فلا بد من عيادة الفقير بإستمرار وتلمس حاجاته فلقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله : ( ما آمن بالله قالوا : من يارسول الله ، قال : من بات شبعان وجاره جائع وهو يشعر ) (2) .
ولو كان يصلي ويصوم ويعمل كل أعمال الإسلام ولكنه يبيت وهو يعلم بفقر جاره وبجوعه ولا يسعى إلى مساعدته مع قدرته على ذلك .
5ـ وإن مرض عدته :
عيادة المريض ضرورية للمسلم على أخيه المسلم ، فما بالك للجار على
__________
(1) ـ تصفية القلوب : 404 ، تحقيق الأهدل ، الإحياء [2/272 ] .
(2) ـ الأحكام : [2/529] .(1/88)


جاره ، وقد ورد في العيادة آثار كثيرة كلها ترغب فيها ، وتبين ثواب العائد ، جاء في شمس الأخبار عن السلوة بسنده إلى الإمام علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من دعاء مريضاً إيماناً بالله تعالى وتصديقاً بكتابه وكل الله به سبعون ألف ملك يصلون عليه حتى الليل وليلته حتى الصباح وكان ماكان قاعداً في أخراف الجنة ) (1) ، وفي حديث آخر : ( ولم يزل في أخراف الجنة مادام عنده جالساً ) (2) ، وفي حديث آخر : ( في خرفة الجنة قبل وماخرفة الجنة قال جناها ) (3) ، وفيه أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من عاد مريضاً ، أو زار أخاه في الله نادى مناد من السماء أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت أو تبوأ في الجنة منزلاً ) (4)
وفيه أيضاً بسنده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من تمام عيادة المريض أن تضع يدك على يده أوجبهته ثم تسأله كيف أمسيت أو كيف أصبحت والذي بعثني بالحق ما انطلق رجل مسلم عائداً لرجل مسلم لا يعنيه إليه إلا ذلك إلا خاض في الرحمة ، حتى إذا دخل عليه فوضع يده على يده يعني أو جبهته ثم سأله كيف أصبحت أو أمسيت ثم فارق إلا خاض مقبلاً ومدبراً ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على جبهته مقبلاً ومدبراً ).
__________
(1) ـ شمس الأخبار : 291 .
(2) ـ شمس الأخبار : 292 .
(3) ـ شمس الأخبار : 292 .
(4) ـ شمس الأخبار : 292.(1/89)


وهنالك الكثير والكثير ، وما نريد تأكيده هو أن تكون الزيارة خالصة لله تعالى لا يدخل فيها غرض من الأغراض فإذا دخل فيها شيء من ذلك كان نصيبه من الأجر والثواب ويجب أن يكون ميزان الزيارة هو كثرة الإيمان لا كثرة الأموال وما أكثر المجاملات في عصرنا فكم من غني إذا أصيب بمرض أوعلة التف حوله أكثر الناس من جيران وغيرهم ، وكم من فقير لا يدخل عليه أحد لا من قريب ولا من بعيد ، ولا يجلس بجانبه رفيق أو صديق ، تغيرت الأحوال وتقلبت قلوب الرجال تبعاً للأهواء والأموال ، قال الشاعر :
نعيب زماننا والعيب فينا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
فدنيانا التصنُّع والترائي
وليس الذئب يأكل لحم ذئب

وما لزماننا عيب سوانا
ولو نطق الزمانُ لنا هجانا
ونحن به نخادِعُ من يرانا
ويأكل بعضُنا بعضاً عيانا

6ـ وإن مات اتبعت جنازته :
تشييع الجنازة من الأمور التي حث عليها الدين وأرشدنا إليها الرسول الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وذكر العلامة القرشي في شمس الأخبار عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من شيع جنازة كتب له بكل قدم يرفعها ويضعها ستمائة ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ويرفع له بها ألف ألف درجة ) (1)
وروى الإمام أبو طالب بسنده إلى الإمام علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من غسل ميتاً وكفنه وحنطه وحمله وصلى عليه ولم يفش ما رأى منه خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ) (2)
وروى الإمام الهادي عليه السلام بطريقه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من حثا في قبر أخيه ثلاث حثيات من تراب كفّر عنه من ذنوبه ذنوب عام ) (3) .
__________
(1) ـ شمس الأخبار : 300 .
(2) ـ أمالي أبي طالب : 35 .
(3) ـ درر الأحاديث :94 .(1/90)

18 / 24
ع
En
A+
A-