الثاني : عدم رغبة المرأة نفسها في أخذ ماتستحقه من الميراث خاصة إذا كان من مال أهلها وأقربائها ، واعتبار ذلك في نظرها انتزاع ملك أهلها إلى غيرهم .
ومن جانب آخر عندما يكلمها أخوها بأخذ حقها تظن في نفسها أنه
كاره لها فتأخذها العبرات وتتساقط الدمعات ، وفي هذه الحالة تبرء ذمة من أعرض عليها ما تستحقه إلا ان بإمكانه إعطائها ما تستحق بطريقة غير مباشرة وذلك بصلتها منه وإكرامها عند زيارته لها أو زيارتها له .
الثالث : تساهل المرأة نفسها في أخذ حقها نتيجة للعرف والعادة السائدة في بعض العزل والنواحي القاضية بأن المرأة لا تأخذ الورث ولو أنها طلبته لأخذته ولكنها تساهلت عن أخذه ووليها لا يمانع أخذ ورثها بل إن بعضهم سيشعر بالإرتياح عند ما تطلب حقها .
وفي الأخير : نؤكد تأكيداً شديداً على إعطاء المرأة ما تستحقه من الميراث سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وكذلك تشجيع المرأة على أخذ ورثها وإخبارها أنه حق لها من الله تعالى لا ينبغي أن تتساهل فيه أبداً ولا تتنازل عنه ، إلا بطيبة من نفسها مالم فلا بد من إعطائها حقها الذي جعله الله لها وخصها به من الميراث .
الإحسان إلى اليتامى
{ وَالْيَتَامَى }
قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } [ البقرة : 220] ، وقال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } [ الماعون : 1ـ2] .
وقال تعالى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى : 9ـ11] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) (1) ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما .
__________
(1) ـ رياض الصالحين : 134 .(1/76)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ) ، قال أبو هريرة وأحسبه قال : ( وكالقائم الذي لا يفتر ، والصائم الذي لا يفطر ) (1) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم إني أُحَّرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) (2) ، ومعنى أُحرَّج أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما ، وأحذر من ذلك تحذيراً بالغاً .
اليتيم : هو من فقد والديه أو أحدهما . ومن المعروف أن الإسلام اهتم به اهتماماً كبيراً ، وأولاه رعاية خاصة في كل النواحي التي تحتاج إلى الرعاية كالعطف عليه ، وعدم قهره ، والمحافظة على ممتلكاته ، وما إلى ذلك من الأمور الهامة التي تتعلق بشخصيته ونفسيته ، ولنأخذ بعضاً من الآيات الكريمة التي عالجة كثيراً من الأمورالتي يحتاجها اليتيم في حاضره ومستقبلة .
النهي عن زجر اليتيم :
وصف الله المكذب بالدين بأنه الذي يدع اليتيم ، ولا يعطف عليه ، ويزجره ويشتمه بلا ذنب جناه ، أو اثم ارتكبه ، ولم يكن ذلك النهر إلا بسبب عدم وجود والده الذي كان يوليه حبه ورعايته وكان الأجدر بهذا أن يكون عاطفاً عليه ، وأن يبدأه بالكلمة الطيبة لتسلو بها نفسه ، ويعود بها أُنسه ، ويعوض ما افتقده بعد وفاة أبيه من الشفقة والرحمة ، قال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } [ الماعون : 1ـ3] .
النهي عن قهر اليتيم :
كذلك أكد القرآن على ضرورة إحترام مشاعر اليتيم وعدم قهره وإذلاله ، ونبه على مراعاة يتمه والسعي في مصلحته وإعانته بالمال عند حاجته ، والقيام بتربيته ، قال تعالى مخاطباً نبيه في ذلك : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } [ الضحى : 9] .
النهي عن أكل مال اليتيم :
__________
(1) ـ المصدر السابق : 135 .
(2) ـ المصدر السابق : 136 .(1/77)
كما أشار جل شأنه إلى عدم أكل مال اليتيم ، لأنه مظنة الأكل نظراً لصغره وعدم قدرته على اليقظة والإنتباة لما أخذ منه قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [ النساء : 10] .
فإذا كان اليتيم عاجزاً عن المحاسبة والمراجعة لمن أكل ماله وكذلك مراقبته في الغفلة فإن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون ، فليتق الله هؤلاء الأوصياء ، وليعلموا أن الدهر يتقلب بين ساعة وأخرى ، وأنهم قد يموتون ويتركون أولاداً صغاراً ، فهل يرضون لأوصياء أولادهم أن يعملوا في أموالهم ماعملوا في أولاد غيرهم ، قال تعالى :
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا } [ النساء : 9] .
فالإيمان يشترط عليك أن تحب لغيرك ماتحبه لنفسك ، وأن تحب لأولاد غيرك ما تحبه لأولادك .
إصلاح اليتيم :
كما إن إصلاح اليتيم وتربيته من الأمور الهامة التي أشار إليها القرآن ، وأمر نبيه بأن يجيب على السائلين له عن اليتامى بعد أن رأوا الآيات التي تحرم أكل أموالهم أوضمها إلى أموال الأوصياء فقال تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ البقرة : 220] .
فإصلاح اليتيم وتربيته ، وكذلك إصلاح ماله وتنميته بالتنمية الشرعية من أهم مقاصد الإسلام وأهدافه ، فيجب المحافظة على إصلاح اليتامى وتهذيبهم تهذيباً عظيماً ، والمحافظة على أحاسيسهم وشعورهم في كل الأوقات .
الإحسان إلى المساكين
{ وَالْمَسَاكِينِ }(1/78)
الإحسان إلى المساكين من الأمور الهامة التي حث عليها الإسلام ودعى إليها القرآن وأشاد بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } [ النساء : 36] .
وقال تعالى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [ الإنسان : 8 ] ، وقال تعالى واصفاً أصحاب الشمال { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ } [ الحاقة :33ـ37] .
وقال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } [ الماعون : 1ـ3] .
والمسكين : هو الضعيف المحتاج الذي لا يسأل الناس ولا يوضح لهم أحواله ويتعفف كثيراً عن السؤال .
وقد وضحه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( ليس المسكين بهذه الطواف عليكم ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان . قالوا : فمن المسكين يارسول الله ؟ قال : الذي لا يجد غناً يغنيه ولا يقطن فيتصدق عليه ) (1) .
هذا هو المسكين الحقيقي وهو الجدير بالتعاون والإحترام ، ولكن هل يوجد في عصرنا من ينطبق عليه هذا الوصف النبوي ؟
من المؤكد إنه يوجد من ينطبق عليه هذا الوصف ولكنهم قلة ومن بحث وجد ، وفي الزوايا خبايا لمن أراد فعل الخير .
__________
(1) ـ الأحكام :[2/549 ] .(1/79)
فكم من أسرة ضعيفة لا تجد ما تأكل ، وكم من مسكين ضعيف محتاج يلزم بيته خوفاً من انكشاف حاجته ، ومن الواضح أن مساكين عصرنا ضاعوا بين مطرقة المتسولين ، وبين سندان الجمعيات الخيرية المتسولة بالتراخيص الرسمية ، ولا نعم كل الجمعيات ، فهنالك جمعيات خيرية بما تعنيه الكلمة ، تسعى إلى فعل الخير على كل الأصعدة ، لا تريد جزاءً ولا شكوراً .
وعندما نتصفح تاريخنا الإسلامي نجد أمثلة رائعة لكيفية أداء الصدقة المقبولة جسدها كوكبة من أهل البيت عليهم السلام والسلف الصالح رضوان الله عليهم .
ومن الأمثلة على ذلك ما أخبر الله عنه في كتابه بقوله جل شأنه مادحاً عباده الأبرار ، الذين أوفوا بالنذر وأطعموا الطعام مع حاجتهم إليه وحبهم له فأتاهم المسكين في اليوم الأول واليتيم في اليوم الثاني والأسير في اليوم الثالث ، قال تعالى : { إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاعَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا } [ الإنسان : 5ـ9] ، وهذه الآية معروفة أنها نزلت في أهل البيت بلا خلاف بين جميع الطوائف إلا من كابر وجاحد .(1/80)